هكذا تضمحلُّ الدول
د . حميد مسلم الطرفي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الدولة لغةً عند العرب من التداول والانتقال فقوله تعالى ( كي لا يكون دولةً بين الأغنياء منكم ) دولةً أي متداولا . وعلى خلاف معناها في اللغة الانكليزية (state) تعني الاستقرار والثبات وأياً كان المعنى اللغوي الأنسب والأصح للدولة فهي متحركة متغيرة تشبه الى حد بعيد الكائن الحي يولد فيحبو ثم يمشي ثم هو شاب ثم يهرم ويشيب فيموت وكل حنكة الساسة ودهاء المدبرين وعقلنة الراشدين في الدولة تتركز حول مد فترة الشباب للدولة لتكون أكثر ما يمكن أو تاخير مشيبها واضمحلالها . فقرن من الزمان حكم الأمويون وخمسة قرون حكم العباسيون وثلاثة قرون حكم الفاطميّون وستة قرون ونصف حكم العثمانيون وقبل كل اولئك حكم الرومان اكثر من عشرة قرون . يتخلل ذلك حكام قساة وآخرين رحماء بعضهم ساسة دهاة وبعضهم ساسة نزقون لا يَرَوْن ابعد من انوفهم لم يقرؤوا التاريخ بإمعان ولم يُتقنوا فن الحكم والإمارة وقد يأتي الحاكم اللبيب والسياسي الحصيف والقائد الفذ فلا يجد إلا والدولة سائرةٌ في طريق الزوال فلا مناص من انحدارها وضياعها وانحلالها لأنها هرمت وشاخت أو إنه ورثها معلولة مشوهة أو أنها باتت خارج الزمن الذي هي فيه أو ان أخطاء من سبقوا لم ينفع معها أي صلاح أو إصلاح . وما دامت الدول كائنات حية فحياتها محكومة ببنيتها أثناء الولادة وبرعاتها والقائمين عليها في هذا العمر فالمولود بعاهة غير المولود صحيحاً ومن كانت له أم حانية تغذيه بصحيح لبنها وتسهر عليه فلذةً من كبدها غير المولود الذي ترعاه بنت الجار او يُسلم إلى مرضعةٍ أجيرة . واذا كانت الدول كائنات حية منذ الولادة فأخطائها في الصغر معوقات لنموها وعقلها في الكبر لأن العقل السليم في الجسم السليم فخطأ التأسيس خطيئة في البنيان ( أَفَمَن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم ) . لن يكتب لدولة مشوهةٍ الحياة طويلاً كما لا يكتب لمولود ذي عاهةٍ أن يعيش طويلاً وإن عاش فلطالما تمنى أبواه ومن يحبه لو يموت ليريح ويستريح . أكثر ما يؤلم الآباء أنهم كانوا قادرين على علاج وليدهم فتباطأوا أو ترددوا فشبَّ على عاهته فلا يسلموا من اللوم أو اللعن وكذا يتحمل الساسة لعن أجيالٍ كاملة إن تعمدوا إهمال الدولة الوليدة أو قصروا في رعايتها حق الرعاية فأصابتها العاهات وأماتتها الآفات .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
د . حميد مسلم الطرفي

الدولة لغةً عند العرب من التداول والانتقال فقوله تعالى ( كي لا يكون دولةً بين الأغنياء منكم ) دولةً أي متداولا . وعلى خلاف معناها في اللغة الانكليزية (state) تعني الاستقرار والثبات وأياً كان المعنى اللغوي الأنسب والأصح للدولة فهي متحركة متغيرة تشبه الى حد بعيد الكائن الحي يولد فيحبو ثم يمشي ثم هو شاب ثم يهرم ويشيب فيموت وكل حنكة الساسة ودهاء المدبرين وعقلنة الراشدين في الدولة تتركز حول مد فترة الشباب للدولة لتكون أكثر ما يمكن أو تاخير مشيبها واضمحلالها . فقرن من الزمان حكم الأمويون وخمسة قرون حكم العباسيون وثلاثة قرون حكم الفاطميّون وستة قرون ونصف حكم العثمانيون وقبل كل اولئك حكم الرومان اكثر من عشرة قرون . يتخلل ذلك حكام قساة وآخرين رحماء بعضهم ساسة دهاة وبعضهم ساسة نزقون لا يَرَوْن ابعد من انوفهم لم يقرؤوا التاريخ بإمعان ولم يُتقنوا فن الحكم والإمارة وقد يأتي الحاكم اللبيب والسياسي الحصيف والقائد الفذ فلا يجد إلا والدولة سائرةٌ في طريق الزوال فلا مناص من انحدارها وضياعها وانحلالها لأنها هرمت وشاخت أو إنه ورثها معلولة مشوهة أو أنها باتت خارج الزمن الذي هي فيه أو ان أخطاء من سبقوا لم ينفع معها أي صلاح أو إصلاح . وما دامت الدول كائنات حية فحياتها محكومة ببنيتها أثناء الولادة وبرعاتها والقائمين عليها في هذا العمر فالمولود بعاهة غير المولود صحيحاً ومن كانت له أم حانية تغذيه بصحيح لبنها وتسهر عليه فلذةً من كبدها غير المولود الذي ترعاه بنت الجار او يُسلم إلى مرضعةٍ أجيرة . واذا كانت الدول كائنات حية منذ الولادة فأخطائها في الصغر معوقات لنموها وعقلها في الكبر لأن العقل السليم في الجسم السليم فخطأ التأسيس خطيئة في البنيان ( أَفَمَن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم ) . لن يكتب لدولة مشوهةٍ الحياة طويلاً كما لا يكتب لمولود ذي عاهةٍ أن يعيش طويلاً وإن عاش فلطالما تمنى أبواه ومن يحبه لو يموت ليريح ويستريح . أكثر ما يؤلم الآباء أنهم كانوا قادرين على علاج وليدهم فتباطأوا أو ترددوا فشبَّ على عاهته فلا يسلموا من اللوم أو اللعن وكذا يتحمل الساسة لعن أجيالٍ كاملة إن تعمدوا إهمال الدولة الوليدة أو قصروا في رعايتها حق الرعاية فأصابتها العاهات وأماتتها الآفات .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat