حذار من فوضى البصرة
د . حميد مسلم الطرفي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . حميد مسلم الطرفي

قبل عام ونصف سقطت الموصل بيد داعش وكيفما كانت نتائج التحقيق ومن المسؤول عن سقوطها فانها سقطت وجرّت بعدها سقوط محافظتين ونصف من محافظات العراق والله وحده يعلم كم دفعنا من تضحيات جسام في الأنفس والمال قبل أن يصل الجيش وقوات الدولة الى مشارف الموصل اليوم والتي لازالت تنتظر التحرير ، والله وحده يعلم كم حل من خراب ودمار ورعب وخوف على المناطق التي احتلها داعش . لم تسقط الموصل على حين غرة ، ولم يفاجيء سقوطها ذوي الخبرة من المراقبين والمحللين الستراتيجين ، عوامل كثيرة اجتمعت وأدت الى سقوط الموصل ليس أهمها التآمر الخارجي ولا تدخل هذه الدولة أو تلك من دول الاقليم المعادية للنظام السياسي في العراق . قبل سقوط الموصل كان العمل جارياً على قدمٍ وساق لإسقاط هيبة الدولة وإضعاف القانون وزرع الشكوك وفقدان الثقة بين الجيش والمواطنين وتوزع ولاءات الشرطة بين الدولة والخارجين على القانون ولجوء الناس الى المسلحين لاستحصال حقوقهم بدل اللجوء الى الدولة . قبل سقوط الموصل تنامت ظاهرة الاغتيالات التي تُسَجل ضد مجهول رسمياً ولكن الناس تعرف هوية القاتل ولا تخبر عنه خوفاً منه ولان الدولة لا تحميها ان فعلت ذلك ، قبل سقوط الموصل كانت عصابات الخطف والقتل تسرح وتمرح ليلاً وضباط الجيش لاهون ومشغولون بقبض الرشاوى من الجنود والمراتب مقابل السماح لهم بترك واجباتهم والنزول إلى أهاليهم والاقتصار على ثلث الموجود من السرايا والافواج الذين لا يتمكنون من دفع تلك الرشاوى من ذوي الدخل المحدود من الفقراء والمساكين . سقطت الموصل ولولا دفع الله والمرجعية والغيارى لسقط العراق . واذا كان سقوط الموصل قد جر علينا سقوط محافظتين ونصف فان فوضى البصرة - لا سمح الله - تعني فوضى العراق بأكمله . قبل أشهر كان لي لقاء خاص مع أحد المسؤولين في الدولة قال أن قائد مخابرات أحدى الدول قال لمرؤوسيه ( عطٌلوا لي تصدير النفط من البصرة شهراً واحداً فقط أضمن لكم سقوط النظام السياسي في العراق وحلول الفوضى فيه ) ولكي لا نكرر تبريرات سقوط الموصل فإن ما يحدث في البصرة اليوم تتحمل مسؤوليته الدولة وليس مخابرات الدول الاجنبية . البصرة اليوم تحتاج الى صولة فرسان ثانية ، البصرة اليوم تحتاج الى الضرب بيد من حديد على كل المجرمين ، لا يكفي أبداً أن تلعب الدولة دور الوسيط في نزاعاتٍ عشائرية يسقط فيها قتلى وجرحى ، لا يكفي أبداً أخذ التعهدات من الجهات التي تدعم الخاطفين والتستر عليها بحجة انها تجاهد وتقاتل ضد داعش وإن كانت فعلاً كذلك . إن الغالبية العظمى من أهالي البصرة يفيضون عراقيةً ووطنيةً ومستاؤون من دعوات الإقليم والمليشيات وفرق القتل والفرق الدينية المشبوهة ولكنهم ينتظرون قائداً شجاعاً يقطع دابر الفساد ويضرب كل من يقوض القانون . البصريون الشرفاء لا يمنون على العراقيين بما تقدمه محافظتهم من عطاء لكل العراقيين رغم ما تعانيه محافظتهم من إهمال ورغم الحشد الاعلامي الهائل على هذا الموضوع وعرض الاف الصور ومئات الافلام عن المفارقة الكبيرة بين حجم نفط البصرة وواقع التنمية والإعمار فيها ليس لأنهم لا يطمحون نحو الرفاه والإزدهار ولكنهم يعون تماماً النوايا الحقيقية وراء هذا الاعلام الموجه أولاً ولأنهم كان لهم السبق في عدد الشهداء إبان النظام السابق . هكذا هم أهل البصرة الان ولكن حين تُساق مدينتهم الى الفوضى فسيزيد عدد المنادين بالانفصال وليس بالإقليم وسيكون لهذا التيار جنده ومريدوه ، الشركات الاجنبية لا تنتظر طويلاً حين يفتقد الامن في البصرة ولا تنتظر حينها أيضاً مخابرات الدول المتنافسة لتتدخل ولتشكل خلاياها إن لم نقل تستنهض خلاياها النائمة الموجودة حالياً، إن سيناريو فوضى البصرة لا يتطابق بالتاكيد مع سيناريو سقوط الموصل ولكن آثاره ستكون مدمرة أكثر وأوسع . ليس الوضع قاتماً الى هذا الحد ولكن التأخر عن مباشرة الدولة لبسط هيبتها وسطوتها ونفوذها هو ما يدعو الى الحيرة والدهشة والقلق في آن . هل تظن الاحزاب والحركات المتنافسة أن أحدها سيربح في فوضى البصرة لكي تتلاوم فيما بينها ؟ هي واهمة جداً إذا ظنت ذلك . نبض العراق أو ما تبقى من العراق هو نبض البصرة فحذار من الغفلة عما يُراد للعراق من باب البصرة .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat