أنت المعزّى بالساعدي يا يونس (في تأبين الدكتور حميد الساعدي الذي اغتيل في ليبيا)
احمد العبيدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
احمد العبيدي

فارقته خمس عشرة سنة بالتمام والكمال ، ولم يفارقني طيلة أيام الفراق كرمه الذي كان يغدقني ويغرقني به حين كنت أزوره في بيته بالموصل ، فحين يوقظني لاتناول الفطور الذي أعده لي أجده قد غسل ملابسي وكواها وهيأها لألبسها ، وعندما أهم بالخروج يصعقني منظر حذائي حين أجده قام بتنظيفه وتلميعه ، أقول له : ليس الى هذا الحد يا يونس، إن كان لما تفعله معي كلمات شكر فماذا أفعل مع صنيعك هذا ، انت تتجاوز حدود الكرم يا يونس. فيجيبني بشطر من أبيات المقنع الكندي : وإنّي لعبدُ الضَّيف ما دامَ نازلاً....
اتصل بي قبل عامين : هاي احمد انا مشتاق إليك ، حصلت على رقم هاتفك من صديق ، أشتهي رؤيتك لقد قدمت من ليبيا تواً للاشتراك في معرض بغداد الدولي للاعمال الانشائية...... الله كم أسعدني سماع صوته ... يونس انا كثير الشوق إليك ، ذكراك لم تفارقني كل تلك السنين ، هل أنت الآن في بغداد ؟ سأكون عندك في ظرف ساعتين، انتظرني أرجوك ... وانطلقت بسيارتي بصحبتي ولدي لا أفكر إلا في لقائه الذي طال انتظاره ، ورحت في الطريق أحدث ولدي عن يونس صديقي السني من الموصل ، وعن كرمه وشاعريته وطرافته وعن شدة حبي له ولآخرين من الموصل مثله ...
عندما التقيته ببغداد في الحارثية مقابل معرض بغداد كان صديقه أبو زهراء لا يفارقه كأخ حميم. سألته من أبو زهراء هذا؟ قال : صديقي بل هو اخي، كنا معا في ليبيا هو من الشيعة ، أحمد نحن العراقيون في ليبيا نعيش كعائلة واحدة لا نعرف السني فينا من الشيعي ، نجتمع اسبوعيا بعوائلنا في حديقة من حدائق طرابلس ، ونتعشى عشاءاً جماعياً ، حتى ذاع صيت هذا العشاء الجماعي لدى الطرابلسيين وصاروا يحسدوننا على ما نحن فيه من التوادِّ والتلاحم والتآخي ، جاءني يوماً رجل ليبي ونحن نعد لعشائنا الاسبوعي ، فوقف الى جانبي ، سألني من اين انت ؟ قلت له : عراقي . قال: اعرف، من اين من العراق؟ قلت له: تريد ان تعرف سني أنا او شيعي، أليس كذلك؟ قال : نعم . قلت له : انظر، هؤلاء العراقيون ليس فيهم سني أو شيعي خالص إلا أنا ، فأمي سنية وأبي سني ، أما الباقون، فإما أمه سنية وأبوه شيعي او العكس ... لذا فنحن عائلة واحدة امتزجت فيها الدماء السنية بالشيعية .
وما ان انتشر مقطع الفيديو الذي تضمن الكلمات الاخيرة للدكتور حميد الساعدي ، واطلاق النار عليه بعدها ، حتى تذكرتك يا يونس وحديثك عن عائلة العراقيين في ليبيا . حدست كم أنت حزين الآن بفقد اخيك الساعدي . أستطيع ان اتصور ايها الموصلي مدى لوعتك وانت تشاهد أخاك الكربلائي في لحظاته الاخيرة ، ستفتقده عائلتكم يا يونس ، لن يحضر بعد اليوم عشاؤكم الجماعي ، دمه السني الشيعي أريق على أرض ليبيا على يد مخلوقات لم تعرف للحب والتعايش في حياتها معنى قط .
ايها الليبيون ، ها هو دم الساعدي يروي ارضكم بعدما كان يرويكم هو من علمه وخلقه الكربلائي عقداً ونصف عقد من السنين.
ها هم ابناؤكم يقابلون احسان الساعدي بالقتل والتنكيل والتعذيب ، لا لشيء الا لحبه لاهل البيت نبي الاسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم . فعلى اي دين انتم ؟!
وهل جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسان؟!!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat