فلسفة تصميم المستقبل ج1
احمد العبيدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
احمد العبيدي

(1) الحرية والحتمية، ومبدأ الأمر بين الأمرين
هل يخضع التاريخ في سيره لقوانين حتمية، هي نفسها القوانين التي تخضع لها الطبيعة؟ وهل يمكن التنبؤ بما سيحصل في المستقبل، بنفس الطريقة التي نتنبأ بها بحدوث الحوادث الفلكية، كالخسوف والكسوف، أو نستطيع أن نتنبأ بدقة بحصول ظرف أو تغير اجتماعي ما، بالضبط، مثل تنبؤنا بحالة الطقس والأنواء الجوية؟
تتقدم الدراسات الحديثة نحو نوع جديد من التفكير، ربما يؤدي بالعقل البشري إلى الوقوف على عتبة من التطور البيولوجي، يفتحُ له آفاق كشف أسرار الكون الكبرى، وربما دمج جميع القوانين الكونية في قانون واحد؛ هذا التفكير يأخذنا بأبرز حلقاته، إلى التطابق الفعلي مع قوانين السماء التي بشرت بها الديانات، فيوماً بعد يوم، تلتقي الفيزياءُ الحديثة مع العلوم الدينية في نسيج واحد، يفسر ويشرح تاريخ الإنسان.
فبعد أن كان الكونُ يفسر على طريقة نيوتن، بأنه أشبه بساعة عملاقة تتحرك بدقة، وفق قوانين صارمة وثابتة على طول الزمن، بشرط معرفة الظروف المحيطة بها، بحيث نستطيع أن نحدد وبدقة مستقبل وماضي الكون، بمجرد معرفة هذه الظروف، تلاشى التفسير الحتمي الذي يخرج الإنسان من دائرة التأثير الكوني، تلاشى بسرعة بعد تطور فلسفة فيزياء الكم، التي قلبت الموازين، بعد أثبتت أن الجسيمات دون الذرية، لا يمكن أن توجد في نفس المكان وبنفس السرعة في وقت واحد هو زمن القياس، أي أن الإنسان الذي يقوم بمراقبة سلوك الجسيمات، هو من سيحدد كيف سيظهر هذا الجسيم، بشكل موجي، أم بشكل جسيمات مادية!
هذا الاكتشاف، طرح أسئلة عديدة حول قدرة الإنسان الحقيقة على صناعة المستقبل، وهل بالفعل تستطيع أفكار الإنسان أن تقومَ بتصميم المستقبل؟ أم إن المستقبلَ محتوم ومفروغ منه؟
وهنا من شأن الفيزياء (الكوانتية)، أن تقدم حلولاً مرضية للمشكلات الفلسفية التي نجمت عن طريق تقرير مبدأ الحتمية، أو مبدأ الحرية، ومن هو المبدأ الأوفق المنسجم مع الطبيعة وقوانينها الخفية، أو بالعبارة الكلاسيكية عند أصحاب علم الكلام، فهي مسألة الجبر والتفويض، فأصحاب مدرسة الجبر وقفوا عند مقولة العلم، فبما أن اللهَ عالم بكل شيء، إذن هو يعلم بالغيب، وما سيجري على الإنسان، فيجب أن يسلم الإنسان بأن مصيره مقرر سلفاً. أما مدرسة التفويض، فقالوا إن حرية الإنسان في الاختيار، يجب أن تكون مكفولة، لكي يتسم مبدأ الثواب والعقاب بصفة العدالة التي تحاسب الإنسان على أفعاله هو، باعتبار أنه مسؤول عنها تماماً.
بينما يذهب الرأي الثالث، (وهو رأي مذهب اهل البيت (ع)) وفق مقولة الأمر بين الأمرين، هذه المقولة ربما تكون ضبابية بحسب قوانين المنطق الأرسطي، الذي لا يرى حدوداً مشتركة بين المقولات، حيث يهيمن مبدأ عدم جواز اجتماع نقيضين على مجمل آليات حركة العقل الأرسطي.
وهنا سيكون الحل بتمييز الفرق بين حدود وقدرة الإنسان، وبين قدرات الباري (جلّ وعلا) غير المحدودة، بحيث يكون الإنسانُ حراً في إختيار افعاله، وهذه الحرية لا تمنع أن الله سبحانه يعلم تماماً ما هي الخيارات التي سوف نختارها في مجمل حياتنا.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat