بسم الله الرحمن الرحيم
البعض يتشدق بأن العقل لا يقبل اللعن وانه قبيح عنده.
ويكون بذلك قد نسب القبح الى الله تعالى وكتابه الكريم، كما نسبه إلى الأنبياء والمرسلين والأئمة الطاهرين وجماعة المؤمنين.
ولسنا في حاجة لإطالة الكلام حول الدليل العقلي، فإنّه لا مؤنة فيه ولا غموض يعتريه، وإنّما آثرنا ذكره زيادة في إقامة الحجّة، ولعلّ البعض قد غمرته غشاوة فحسن أن نذكره بحدود ما يفي بالغرض والمقصود مع الابتعاد عن بحوثه العلمية وسبر أغوار دقائقه اللؤلؤيّة. فأقول:
إنّ مسألة الحسن والقبح، إمّا أن يكون الحاكم فيها هو العقل، فيكون هناك حسن ذاتي في مثل العدل، وقبح ذاتي في مثل الظلم، فيكون الحسن والقبح عقليّين. وإمّا أن يكون الحاكم فيها هم العقلاء من خلال تطابق آرائهم واعتبارها من الآراء المحمودة، فلا يكون هناك واقع للتحسين والتقبيح إلاّ نفس تطابق آراء العقلاء، فيكون هنا الحسن والقبح عُقلائيّين.
وعلى المبنيين لا إشكال في حكم العقل بحسن العدل ووجوبه، والعقل يذمّ تاركه كما يمتدح فاعله، وهذا من الآراء المحمودة التي تطابقت عليها آراء العقلاء، والعقل أيضاً حاكم بقبح الظلم فيذم فاعله، وكل عاقل حاكم بقبح الظلم كما يحكم باستحقاق الظالم للذم والعقوبة، حتّى الظالم نفسه لا يرى الظلم حسناً ولذا لا يقبله على نفسه ويخاف من انتقام الناس منه.
والعقلاء كما يذمون الظالم كذلك يرون أنّ الظلم كلّما كان أبشع كان إلزامهم للذم أكثر، فرفع اليد والضرب الخفيف على شخص من عامّة الناس كالسوقي الذي قد اعتاد على أن يَضرب ويُضرب ولو مزاحاً في السوق، يراه العقلاء أهون من رفع اليد والإهانة لرجل وقور وشيخ كبير وعالم دين.
فإذا لم يكن المظلوم من عامّة الناس، بل كان وليّاً من أولياء الله وحجّة من حجج الله، وكانت إهانته والإعتداء عليه اعتداء على الخالق الرازق سبحانه وتعالى، فإنّ العقلاء - وبلا إشكال - يستبشعون هذا الظلم بل ويرونه من أعظم وأقبح أفراد الظلم.
وإذا كان ظلم غير رسول الله(صلى الله عليه وآله) قبيحاً ومذموماً فاعله، فإنّ ظلم خير خلق الله تعالى رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهو موجب لعظيم الذم وشدّة العقاب والمؤاخذة، وإذا أُضيف إليه بشاعة الظلم وأشكال الأذى فأعتقد أنّه ليس أحد من العقلاء يقول بإمكانيّة ذم ذلك الظالم بما يستحقّه.
والذم له أفراد ومصاديق متعددة، فتارة ببيان حال الظالم للناس، وتارة بالدعاء عليه، والشكوى منه إلى الله تعالى. والعقل ليس من شأنه هنا أن يُحدد طريقة الذم، وإظهار الظلم، بل كلّ ما صدق عليه أنّه ذمّ، أو صدق عليه أنّه انتصاف من الظالم إلى المظلوم فإنّ العقل والعقلاء يرونه حقّاً للمظلوم.
ومع إمكانيّة معاقبة الظالم تحسن معاقبته عند العقلا.
وإذا كان الحاكم هو الله تعالى الحكم العدل ألا يصحّ أن نطلب من الله تعالى أن يُبعد الظالم عن مقام رحمته ويُذيقه وبال أمره وشنيع فعله.
أليس مما يُحسِّنه العقل والعقلاء فضح الظالم وردعه عن ظلمه؟!!!
أليس من العدل الانتصاف للمظلوم من الظالم؟!!!
فمن يلعن إنّما أراد عدل الله تعالى.
ومن يلعن إنّما أراد مواساة المظلوم.
فأيّ قربى أعظم من طلب عدل الله تعالى لأوليائه على أعدائه؟!!!
وأيّ قربى أكبر من مواساة سيّد المرسلين وآله الطاهرين صلوات ربي عليهم أجمعين؟!!!
وهبنا الله تعالى العقل والحكمة، وأبعد عنّا الجهل والغواية إنّه أرحم الراحمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat