حصاد السنبن وشهادة في الثمانين
محمود كريم الموسوي

أكاد أجزم أن لا وجود لشاعر ، أو أديب ، أو كاتب ، في محافظة بابل ، وبالخصوص مركز المحافظة ، لا يعرف شيخ المؤرخين عدنان عبد الأمير محمود سماكة الربيعي ، وان حدث فهذا يعني إن المعني بعيدا عن المشهد الثقافي 0

فإذا لم يعرفه مربيا تربويا لأجيال متعاقبة ، علمهم المثل والقيم والأخلاق الفاضلة بجانب العلم الذي حببه إليهم من خلال الأسلوب الشائق ، والمعاملة الأبوية ، والتواضع الرفيع ، من عام 1956م معلما ، و1967م مدرسا إلى تقاعده عام 2007م ، فقد عرفه من خلال تردده على المكتبة التي كان أمينها ، يرتب ، وينظم ، ويفهرس ، ويقدم العون لزائرها بما يريحه ويرضاه ، ويجعله يدمن على زيارة المكتبة والإفادة مما وجد فيها من كتب ودوريات وصحف ، وإذا تجاوز ذلك فربما عرفه من خلال برامجه الإذاعية الجميلة التي أذيعت له من اذاعات ( صوت الجماهير ، بغداد ، الفراتين ، بابل ) ، واذا لم يكن هذا وذاك  فلابد انه قرأ له مقالة في جريدة ، أو مجلة ، وأعجب باسلوبه الشائق ، وقد أوسع النشر في صحف ومجلات عديدة ، أو استمع إليه وهو يلقي  محاضرة في أمسية من أماسي اتحاد الأدباء والكتاب في بابل ، أو أمسيات البيت الثقافي ، أو جمعية الرواد الثقافية المستقلة ، أو المساهمة في نشاط ثقافي من نشاطات الصرح البابلي الكبير ( جامعة بابل ) ، بل تعدى ذلك إلى اتحادات وجمعيات وفعاليات ثقافية في كربلاء المقدسة والنجف الاشرف 0

هذا الرجل الذي كثرت كتاباته ، وتعددت نشاطاته الثقافية ، نزل عند رغبة الأصدقاء من الذين لهم مكانة في الساحة الأدبية الحلّية وجمع ( 115 ) بحثا ومقالة من بين مئات المقالات  المنشورة له ، ليجعلها الجزء الأول من  موسوعته (حصاد السنين ) ، وقد نظر إلى وحدة الموضوع قبل النظر إلى تاريخ النشر ، ولما استطاع جمع ما جمعه ، وزعه في (13) تسمية مباشرة دون الإشارة إلى توزيعات متعارف عليها ( باب ، فصل ، مبحث ) ،  وافتتح موضوعاته بـ (مكارم الأخلاق ) ص 1 ، ليدلل على أهميتها في بناء المجتمع ، وتماسك نسيجه الاجتماعي ، وكان فيها ( 11 ) مقالا  في الأمانة ، والتواضع ، والحلم وتجنب الغضب ، واحترام الوالدين ، والاقتصاد ، والواجب ، والمثل العليا ، وغيرها ، فيقول في التواضع : ( التواضع يخلق لصاحبه الأصدقاء ويحببه لدى الأعداء ، ويذلل له الصعاب ويخضع لشرفه الرقاب ويكسبه الذكر الجميل ويشهده بحسن السيرة ويعرفه بطهارة السريرة ) ص 7 0

وفي ( صفات يرفضها الإسلام ) ص 53  ، اختار النفاق والغيبة ، وجعل ( 10 ) مقالات (في رحاب الإسلام ) ص 61 ، منها اثر القران في آداب اللغة ، واثر الإسلام في بناء الإنسان ،  وحقوق الإنسان في الشريعة 0

واختار في ( ارض الغفران ) ص111 ( 9 ) مقالات منها الكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف والحجر الأسود 0

ويبدو إن هنالك ما استوجب استدراكه في جزء ثاني لـ (مكارم الأخلاق) ص 154 ،  ورد فيه ( 10 ) مقالات فيها روائع القول في الصدق ، والصداقة والصديق ، والصبر ، والكرم ، والحياء ، والوفاء ، والتعاون ، وحسن الجوار ، والقران الكريم ، ومنزلة العلم والعلماء ، فيقول في معنى الصداقة الحقيقي : ( تعانق الأرواح وتدفق القلوب في غير تكلف ولا حواجز مصطنعة ) ص 158 0 

وفي ( اللغة العربية لغة العلم والحضارة والجمال ) ص 195 جاء بحثه المقدم إلى وزارة التربية في 16 / 1 / 2002 بمناسبة صدور قانون رعاية العلماء ، فيقول : ( اللغة العربية أعرق اللغات منبتا وأعزها جانبا وأقواها جلادة وأبلغها عبارة وأغزرها مادة ) ص 208 0

ولم يتحزب لمهنته ، بل كتب في (العمل والعمال ) ص 269 ( 5 ) مقالات ، تبعها بترتيب الكتاب وتنضيده بـ ( 6 ) مقالات ( صفحات إيمانية ) ص 287، ثـم أعقبها بـ ( 12 ) مقالة في  شهر الطاعة والغفران (شهر رمضان) ص 317 ، فكانت في شرح آيات الصيام ، وحكمة الصوم وفوائده ، وتهذيبه للنفـس ، ومكانته ، واسـتشهاد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، ومكانة   ليلة القدر ، وصلاة العيد ، وصدقة ألفطر 0

وفي ( الطب في التراث العربي ) ص 373 ، افرد ( 16 ) مقالا ، فيها الطب عند العرب ، وعلم التشريح عند العرب ، والتداوي بالأعشاب ، وأعلام الطب ، وغيرها ، ثم نشر بحثه ( القضاء في الإسلام ) ص449 ، المقدم إلى وزارة التربية في 16 / 1 / 2002 بمناسـبة صدور قانون رعاية العلماء وفي ( المكتبة أهم مصدر للثقافة ) ص 523 ، كتب  المكتبة مركز إشعاع ، وأهمية المكتبات العربية ، وواجبات أمين المكتبة ، وفي ( كتابات خالدة ) ص 536 ، ( 27 ) مقالا منها : الزوراء أول جريدة في العراق ، ومي زيادة ومجلسها الأدبي ، والوطن هو الاسمي  ، واثر الأدب العربي في الأدب الأوربي الحديث ، وغيرها ، ففي مقال ( الكتاب نعم الصديق والأنيس ) استعار قول أحد الحكماء الذي جاء فيه : ( الكتاب نعم الجليس والعدة ونعم الأنيس لساعة الوحدة إن شئت الهتك نوادره وان شئت أشجتك مواعظه وان شئت تعجبت من غرائب فوائده وهو يجمع لك الأول والأخر والغائب والحاضر وهو يترجم عن الموتى وينطق عن الأحياء وهو منشط ينشط بنشاطك وينام بنومك ولا ينطق إلا بما تهوى ، آمن من الأرض واكتم للسر من صاحب السر وأحفظ  للوديعة من أرباب الوديعة ، ولا نعلم جارا ابرّ ولا صاحبـا اظهر كفاية ولا أجدى نفعا ولا احمد أخلاقا ولا أدوم سرورا ولا أحسن موافاة ولا أعجل مكافأة ولا اخف مؤونة ولا شجرة أطول عمرا ولا اجمع امرا ولا أطيب ثمرة ولا اقرب مجتنى ولا أسرع إدراكا منه ، إن نظرت إليه أطال إمتاعك وشحذ طباعك وأيّد فهمك وأكثر علمك وتعرف منه في شهر ما لا تاخذه من افواه الرجال في دهر ) ص 561 ،  ثم ختم (حصاد السنين) بمقالين في شؤون تعليمية ، هما اول نظام للتعليم في التاريخ في بلاد سومر ، و التعليم عند العرب  

 وفي تتبع تواريخ النشر وجـدنا ( الفتوة عـند العرب ) قد نشر في جريدة الثـورة الملغاة في 7 / 11 / 1987م وهو أعمق التواريخ التي ذكرت 0

أما أماكن النشر فكانت في مجلات : ( نقابات العمال ، الفتح  ، صحتك ، المسار الجديد ) وصحف : ( القادسية , العـراق ، الثورة ، بابـل ، الجنائن ، صوت الحق ، عروس الفرات ،   الفيحاء ، الوسط ، الشراع ، العراقي ، الأهالي ، حقوق الإنسان ) 

وإذا اثأر كل من  السعودي ( محمد عبد الرحمن عبد الكريم الخراشي) ، والتركي ( رفيق جون دوغار)  شهية الإعلام ، لحصولهما على شهادة الدكتوراه ، وهما بعمر السـتين ، أو يزيد   قليلا ، فالباحث عدنان سماكة منشغلا في تهيئة أطروحة الدكتوراه ، وهو مقبل على دخول الثمانين من العمر ، أطال الله بعمره ، بعد أن حصل على الماجستير عام 2006م  ، أي بعد حصوله على الشهادة الجامعية الأولية  بـ (39) سنة بالنسبة للماجستير ، و(46) سنة بالنسبة للدكتوراه ان كان حصوله عليها هذا العام ، فهل أن هذا الإصرار على طلب العلم في الثمانين لا يثير إعلامنا العراقي فيسلط الضوء عليه ؟ انه مجرد سؤال موجه إلى الإعلام العراقي ؟  ربما سيحرك ساكنا عند حصول الأستاذ عدنان على شهادة الدكتوراه ؟ 0

وما زال الرجل يواصل الكتابة والنشر فيظهر له موضوع ( أعلام في ذاكرة الحلة الفيحاء 00 سعد صالح  ) في جريدة ( ثقافية بابل) ذي الرقم ( 4 ) الصادرة عن البيت الثقافي البابلي في أيار 2013م ، وليس هذا فحسب  ، بل مازال يتدفق حيوية ونشاطا فيحضر النشاطات الثقافية ومنها أمسية جمعية الرواد الثقافية المستقلة / المركز العام في بابل يوم الجمعة 5 / 7 / 2013 المنعقدة على حدائق البيت الثقافي البابلي ، ويناقش المحاضر الشاعر المبدع كامل تومان الكناني في محاضرته ( الشعر في الفترة المظلمة ) 0

 ويذكر الشاعر صلاح اللبان رئيس الجمعية انـه فاز بعضوية الهيأة الإداريـة للجمعية دورة   ( 2008 ــ 2010م ) ولم يذكر له غيابا عن أي اجتماع  للهيأة الإدارية ، أو أي نشاط للجمعية على الرغم من كبر سنه واعتلال صحته 0

           نشر في العدد 7 من جريدة بابل الثقافية آب 2013    

الموضوع السابق قصص قصيره

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat