النسخ و الإنساء في القرآن االكريم ج 2
محمد صالح الهنشير

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الباقي المعافي الذي ليس كمثله شيئ , رب محمد وال محمد , نهجه الاقوم وعلمه الاسمى , نات على الجزء الثاني من اية الايات “” او ننسها “” فاداة (او ) هنا هي لحصر المسالة بين مسالتين فاما _ نسخ _ واما _انساء _ وهو كذلك للتمييز بين النسخ والانساء والمعنى هنا مادي صرف في شكل , وكما راينا النسخ اعادة لنفس الاية او جزء منها بكامل اللفظ , “” فالانساء “” هو جعل لفظ الاية متفردا لا مثيل له ولا تكرار , فاللفظ - المنسى - هو اللفظ المتفرد والاية قسمين , قسم يتحدث عن الشكل في - النسخ و التنسية -وقسم يتحدث عن المعنى في الخير والمماثلة ..

والتنسية ليست مثل النسيان , ذلك ان النسيان صفة لا ارادية , اما -الانساء - فهو فعل مقصود , والله قد قصد -انساء- جملة من الايات بالقصد , لان القران بني على ذلك في قوله تعالى : “” …منه ايات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات..”" 7 ال عمران..بين الثبوت والتحول , والتفرد , والمشابهة .. والمؤكد ان ما هو منسوخ , فيه تاكيد وارادة لترسيخه .. اما ما هو -منسى- فهو متفرد , احكامه خاصة

كقوله تعالى : “” ويوم حنين اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا..”" وهو - انساء جزئي - لذلك -فالانساء - ذكر مرتين في كتاب الله - والنسخ - ذكر اربع لتقديم -النسخ - عن -الانساء -

فالنسخ تاكيد , والانساء تفرد باللفظ الدقيق قبل دخول المعنى . ولفظ “” ننسها “” فعل منسوب الى الله لكن - المنسى - مطلق في حدود مجال الاية , اي القران اي باقي الايات , فالاية -منساة - داخل الايات الاخرى اي متفردة عنها , والقسمين “” ما ننسخ من اية او ننسها ..”" هو شطر المعنى والمراد به , كلما نعيد اية كما هي او نفردها فاننا

“”ناتي بخير منها او مثلها ..”" ..وجاء فعل الاتيان لتاكيد معنى الاتقان , والفعل الجوهري لا الشكلي , كاتيان الصلاة , وقد تحدثنا في الفارق بين المجيئ والاتيان , فالاتيان يختلف عن المجيئ بالقصد وقد ضربنا مثلا في المجيئ في قوله تعالى : “” وجاء من اقصى المدينة رجل يسعى ..”" وضربنا مثلا في الاتيان ب “” واتيناه الحكم صبيا “” فالله لم يجيئ بخير منها , وانما باتي بخير منها , اي ان المسالة داخلية جوهرية , وليست شكلية , اذ لا معنى من ان الله ياتي باية خيرا من اية , فالمعنى ليس المراد به تفضيل اية عن اية , بل هو وصف من الداخل , لان القران كله كلام الله , مقدس محروس لا افضلية فيه لحرف عن حرف , يرتقي عن الكلام البشري الى ما هو معجز , وهذا يدخل في معنى الاية , فالاية هي الحجة , وهذا مبحث اخر في مفهوم الاية ناتي عليه لوحده ..فالاية منسوخة او مفردة (منساة ) هي خير لا حد له ياتي به الله منها ..”"ناتي بخير منها “” اي نخرج منها خيرا , وجاءت كلمة -خير -دون تعريف وحصر (الخير) لان لها اوجه متعددة وطبقات متفاوتة من الخير , فلو جاء لفظ (الخير)لكان المعنى خيرا واحدا معرفا , ولكنه -خير - منفتح متصل متواصل ما دام الكتاب لم يرفع , ويستنفذ - خيره - في عهد الامام الحجة القائم المهدي عجل الله فرجه الشريف , لذلك يرفع , لان حجب العلم كلها ترفع حتى يصير الناس من صلاحهم ترجمانا للقران وايات لله ناطقة , لا يتكلم الناس ولا يفعلون الا به , حتى ان فهم عهد الصالحين للايات يتجاوز فهم من سبقهم ست وعشرون مرحلة, ولا يمكن في حالنا هذه تصور ما يكون عليه علم ذلك العهد ,, يربط الله بين الخير الذي ياتي من الايات في مطلقه وبين الخير المتماثل معه “” او مثلها”" و “” مثلها “”ليس المقصود يه - النسخ او التنسية -ولكنه يعود على اقرب مصدر “”خير “” والمماثلة لا تعني ابدا المشابهة , ذلك ان المماثلة هي التكامل فيكمل الممثل والممثل به , مثل جسم الادمي الذي يكمل شقه الايمن شقه الايسر في ايات تحيل الى بعضها , تتكامل مع بعضها في تناغم رباني محكم وعجيب , ومن ذلك اشتق المثل المضروب في القران من القصص للتدليل على اشياء واستكمال المعنى , فالمثل في تناغم وتماثل مع مفهوم معين ..”" مثلهم كمثل الذي استوقد نارا..”" فالتماثل هنا بين ذهاب النور والجهل المغلف , “” مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل اسفارا ..”" 5 الجمعة , فلا فائدة من كثرة الكتب ان كان حاملها حمارا , وهذا دليل مباشر على هذا المعنى , لكن مفهوم “” نات بخير منها او مثلها “” اشمل بكثير لانه هنا لا يتحدث عن جزء من القران او اية بعينها , لكنه يتحدث عن الكل في صيغة المفرد

“” ما ننسخ من اية “” , وهنا قيمة اداة الوصل - ما - وهي تفيد كلما , اي مهما اختلف موقع الاية وشكلها وطولها ولفظها وسياقها , فاية الايات ترسم المعاني الاجمالية للقران وعلى الاخ القارئ البحث وتبويب الايات بين - مستنسخة ومنساة - والبحث في درجة الخير فيها على طريق الموالين ممن حملوا الكتاب بعلمهم في نهج الامام علي عليه الصلاة والسلام وفي التدبر على النهج القويم , وعاين التماثل بين الايات في اكمال بعضها لبعض واحالة الواحدة على الاخرى في المعنى لا في اللفظ , لان كلمة واحدة من اية قد تحيلك الى تماثل مع سورة كاملة او جملة من الايات , وهذا التفضيل لا يمكن ممارسته جملة واحدة بل لا بد من توخي التاني والصبر والتقرب الى الله ورسوله واله , والاكثار من السؤال والجدل بالحسنى , والله يرزقنا رزقا خيرا مما طلعت عليه شمس .. هذا الفتح المبين في كتابه فلنحافظ عليه ولنجتهد في تبليغه , فعهد الصالحين قادم , ومهما علا صوت الباطل فهو الى تباب ..

بعض الامثلة :

مثال عن التماثل الجزئي في الاية : “” اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين “” الفاتحة

المنساة :”" فاولائك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصدقين والشهداء ولصالحين وحسن اولائك رفيقا “” 69 النساء

مع تحياتي 

الباحث والمفكر التونسي 

الموضوع السابق السعدون يقدم نصائح مجانية للعراق

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat