-ما نوع العطر الذي تستخدمه؟
ابتسم لي ثم قال:
ـ ست أنا لا أحتاج إلى عطر
جملة احتلت البال وعرشت في رأسي:
ـ أسال نفسي ما هو الغريب في هذه الجملة؟
وهل يقصد بها أشياء أعمق من لفظها؟ ولماذا هو لا يحتاج إلى عطر؟
وأية رائحة تلك التي تشبه المسك فيه؟
لهذا صرت أمازحه في كل درس يبتسم لي ويكررها أنا عطري بي لا أحتاج إلى عطر.
أخذني الفضول لمتابعته ومتابعة شؤونه ما الذي يجذبني إليه؟ ما الذي يميزه عن أطفال صفه؟ رجولة عالية تختبئ خلف طفولته، صرت أشعر أنه يحاول أن يفرض الهدوء على شخصيته قسرا، وإلا فهو حرك جريء شرس لكن فيه شيء يجعله يفرض على نفسه أن يمنهجها على طباع هادئة، عرفت أخيرا أن هناك مجموعة من الأطفال يتنمرون عليه يحاولون الاعتداء عليه وضربه، وهو يبتعد عنهم وفي إحدى المشاجرات التي طالما تفقد براءتها عند بعض الأطفال ضربوه، واحدهم بصق في وجهه، ركضت نحوهم فهربوا، عنفتهم وأرسلت على ذويهم، جعلته في مأمن منهم، كنت اشعر لحظتها أنه الأقوى لو أراد منازلتهم، أرسلت إليه في الإدارة:
ـ ماجد حبيبي لماذا تجعلهم يتجاوزون عليك؟ ما الذي يجعلك تخاف منهم؟ رفع رأسه نحوي وقال أنا لا أخاف منهم، وأنا أشجع منهم، لكنهم ليسوا أعدائي، قلت لأغير الحديث سألته مبتسمة ما هو العطر الذي تستخدمه؟ شعر بأني أريد أن أمازحه فقال والله ست أنا لا أحتاج إلى عطر:
ـ لماذا؟.. أجاب أنا لا أحتاج إلى أشياء كثيرة، عندي ما لا يملكه أغلب أطفال العالم، هذا الطفل يقول أشياء أكبر من عمره، يجعلني دائما أتأمل في عمق كل جملة يقولها، تمر في حياة كل معلمة أطفال عجيبون، أطفال بطباع مختلفة فيهم ما يجذب وفيهم ما ينفر، فيهم الموهوب وفيهم الكسول نحتاج إلى تقييمنا الخاص مع أنفسنا كمعلمات، وماجد يشعرني أنه قريب مني، أحد أطفالي مودة ومعزة، فيه أشياء تختلف عن الطلاب عن التلاميذ، عاشق للصمت وهو في ريعان طفولته سألت الصف يوما، ما هو الشيء الذي تخافه في المدرسة؟ أعتقد أنه سؤال ذكي يعرفني بنفسيات التلاميذ يجعلني أعرف أفكارهم هواجسهم أشياء كثيرة يمكن أن أقرأ ما بين سطورها ومن ثم كنت أتوقع أن أعثر على إجابات مذهلة براءة الأطفال لها حكمة لم يبلغها الكثير من الحكماء، حكمة العجب.
بعض المعلمات ينتقدن أسلوب البحث في أعماق التلميذ، لأنه كما يرين ليس من اختصاصات الدرس، هكذا يقولون، اجتهاد شخصي، فقد يسرب الأطفال أشياء لا ترتضيها العائلة، لهذا يعتبرن هذه الأسئلة فضول لمعرفة أسرار التلميذ، قلت وتلك حسنة، أن أعرف كم تلميذ من تلاميذي سيصبح مفكرا وعالما وفنانا وإنسانا، لهذا كانت هذه الأسئلة، تكشف للكثير من خبايا النفس لنعرف، ماذا يخاف الأطفال.
كنت انتظر جواب ماجد بصبر، نظر إلي وتكاد دمعته أن تصرخ بقوه أخاف أن تطلب الإدارة ولي الأمر، وهذا ما يجعلني أجد واجتهد قلت:
ـ ماجد إنه أمر طبيعي أن تستدعي الإدارة يوما أباك، ما الغريب في الأمر؟ رفع رأسه إلي لأرى دمعا خجولا في عينيه، كيف سآتي به وأنا ابن شهيد.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat