صفحة الكاتب : فاطمة فيصل

وعاد جوادك وحيداً 
فاطمة فيصل

 ليس أبا الفضل العباس (عليه السلام) ممن تسقط دموعه خوفاً أو وهناً أو رعباً، ولو أن دمعة سقطت منه، لكانت فقط لأجل غربة العقيلة ووحدتها، لأجل أيام الخدر التي كانت تحياها، لأجل غياب آخر من يكفلها بنفسه. ولعل دمعته تنزل بحرقة ووجع، لا في اللحظة التي قُطعوا فيها كفّيه الشريفتين، بقدر ما في اللحظة التي هجم فيها جيش الظالمين -لعنة الله عليهم- على خيام زينب بنت علي (عليهما السلام) وصريخ الأطفال يعلو من شدة الرعب والعطش.

فأي وجع أشد، وأي بكاء أصدق من رؤية من يتعدّى على حرمة من كفلتها وأمّنتها بوجودك؟ يحدث ذلك أمامك وأنت مرمَى على الثرى، مقطوع الكفين، مضرج بالدماء، السهام تعلو صدرك، والعطش يعصف بك، يعود جوادك وحده إلى خيمة أهلك، حزيناً دون راكب، وكأن الأرض والسماء تشهدان على ألم الفقد.
أي واقع حزن عانته العقيلة في تلك اللحظة، وهي ترى جواد أخيها الكافل يعود وحده بلا فارس؟! أكان سهلاً على قلبها سماع الحقيقة الموجعة: أن قمر بني هاشم مقطوع الكفين، مرمي على الثرى، تغطيه الدماء والسهام؟!
وماذا عن حزن سيد الشهداء (عليه السلام)؟! ماذا عن ظهره الذي انكسر ساعة قُطعت كفّاك ورُميتَ على الثرى، وعاد جوادك دونك؟! كيف احتمل كسرة ظهره وألمه؟! وهل يسهل على المرء حبس دمعته وهو يرى كسر أخيه، ويرى خيام عائلته تهيم بها الأعداء، يتربصون بهم ليقتلوهم واحداً تلو الآخر حتى الأطفال؟! كل ذلك لأجل أن يبقى الدين بأيديهم، هم يشرّعون، هم يحلّلون ويحرمون، بحيث عليك ألا تستغرب إن رأيت زمناً حكمه أعداء أهل البيت يُجمع فيه بين شرب الخمر وأداء الصلاة. فالتشريع صار بأيديهم، والأحكام على هواهم، ويأتونك أخيرًا بعبارات كلها كذب وزيف بأنهم لدين الله ورسوله متّبعون، دون أن يخبرك أحد أنهم لحقّ أهل البيت ظالمون. عن دمعة أي رجل عظيم نتحدث؟! دمعته عليه السلام دمعة عزيزة، لا تسقط عبثاً ولا تهون. فسلام الله على رجلٍ كان الوفاء عنوانه، سلام على من سطّر أعظم مواقف الشجاعة والبطولة، سلام على من أعطى دروساً في الإيثار والصبر، سلام على من لم تغيّره مغريات الموقف، ولم تنزع مبادئه ساعة الضعف، سلام على الثابتين على دينهم، المتمسكين برايات الحق حتى وإن قُطعت أكفّهم، سلام الله على قمر بني هاشم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فاطمة فيصل
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/03/24


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • أكثر من مجرد أستاذ   (المقالات)



كتابة تعليق لموضوع : وعاد جوادك وحيداً 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net