شعرت بألم شديد في رأسي يكاد يقتلني والخوف قطع أنفاسي ولم أعد أستطيع أن أتنفس الهواء، نظرت إليّ عمتي زينب واهتمت بعلاجي:
ـ عمة زينب أنا خائفة، الهجوم على المخيم مستمر، مجاميع تخرج لتدخل مجاميع أخرى، ولا أحد يلتفت لحالنا، أطفال صغار مرعوبين من الخوف، وخيامهم امتلأت بجثث الأطفال الصغار، والدم الذي ينزف من أذني أختي فاطمة يجعلني أبكي ولا يسكت نحبي
هم يصرخون صرخات مرعبة وصهيل الخيول والنار التي يلوحون بها لحرق الخيام
إلى أن أضرموا النار، فررنا من خيمة إلى خيمة وفي أي خيمة نكون تلاحقنا النار، هم ينظرون إلينا معسكر جيش ويتعاملون معنا بندية ورعب ونحن أطفال صغار ونساء مفجوعات، وإذا بعمتي زينب فاجأت الجميع ودخلت وسط النار
مرعب ذلك الموقف نار تلهب بالخيمة ودخلتها عمتي بكل شجاعة وخرجت تسحب معها اخي السجاد، النساء يصرخن من الخوف وقد تبعثرن في الصحراء، كنا نحتمي بعمتي زينب، فتجعل جسمها مانعا من ضرب السياط لتحمي النساء والاطفال، اسود ظهر عمتي بسبب الضرب وحينها صرنا لا نمتلك حتى خيمة تأوينا، لا ماء ولا طعام، والخوف والرعب، أطفال رضع يموتون بأحضان امهاتهم، وما أن جن الليل حتى ازدادت المأساة، سمعت عمتي تبكي وتنادي بحرقة، وهي تسأل أين الرباب؟ ثم خرجت عمتي ومعها أم كلثوم يبحثن عن الرباب، الرباب أكثر من أم بالنسبة لي هي أم يا الهي أفقد الأم والأخوة والأهل وافقد أمي، ومرعب هو الليل دون عمتي، أسمع عمتي تنادي يا رباب وهي تبعد الخطوات عن الخيمة البديلة التي حشرونا بها، وصار يسمونها خيمة السبايا، سمعت أحد الحراس يسألهن عن الأمر، أجاب لقد رأيت امرأة خرجت صوب ميدان الحرب، وذهبت عمتي إلى الميدان لتجدها تحمل عبد الله الرضيع وتقبله وهي تبكي وتقبل جسد ابي الحسين، أنا أنتظر على أحر من الجمر أخشى أن يقتلوا عمتي، يا إلهي كيف سيكون حالنا بلا عمتي؟
الله لا يخلي لك مكانا يا عمة زينب، وإذا تلوح لي عمتي وهي تسند أمي الرباب وأرجعتها مع أم كلثوم إلى الخيمة، قضينا اليل على هذا المنوال، حتى وقف الجميع للصلاة، وبعدها جيء بالنياق، لترحيلنا، أول مرة في حياتي يعاملوني كسبية وأنا ابنة العز والدلال ومن لها أب كابي وأم وجد وجدة؟ ومن لها عمة مثل زينب؟
صاروا يعاملوننا سبايا، تقول أختي فاطمة وهي تتألم من جرح اذنيها كيف يأخذوننا سبايا ونحن بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
ثم أمر كبيرهم بأن يحمل النساء على الأقتاب بلا وطاء ولا حجاب، وقد أحاط القوم بنا، وقالوا لنا تعالين واركبن، قد أمر ابن سعد بالرحيل، ثارت عمتي بغضب ضد ابن سعد، أنا لا أعرف من هو ابن سعد كلهم يتشابهون، شعرت أن الأمر غريب أن يحمل هؤلاء الأشرار نساء آل محمد ليركبن على الاقتاب، لهذا كنت أتوقع ثورة عمتي وغضبها
صاحت يا ابن سعد سود الله وجهك في الدنيا والآخرة، أتأمر هؤلاء القوم بأن يركبوننا ونحن ودائع رسول الله، صرت أخاف على عمتي من ردة الفعل، صرت أخاف عليها من حماقاتهم، ألا تكفي لذعات السياط على كتف عمتي، ولم تكتف عمتي بل أمرت ابن سعد:
ـ قل لجندك يتباعدوا عنا، ويركب بعضنا بعضا فتنحوا عنا وتقابلت عمتي زينب وأم كلثوم وجعلت تنادي كل واحدة من النساء باسمها، وتركبها على المحمل حتى لم يبق سوى عمتي زينب، راحت إلى أخي السجاد وقالت له قم يا أبن أخي وأركب الناقة، قال يا عمه أركبي أنت ودعيني أنا وهؤلاء القوم، أسمع عمتي تنادي وا حسيناه وا ضيعتاه بعدك يا أبا عبد الله، فأقبلت فضة وأركبتها، كنت أنظر إلى عمتي وأنا أبكي، كان يوما حزينا، وصرت أشعر أني بعد هذا اليوم ستتغير حياتي ستختلف أيامي وأنا أعيش بلا أب ولا أعمام، صرت أنظر إلى أخي السجاد وأسمع عمتي تناديه يا بقية أهلي، وبدأ الرحيل ثم مروا بنا منطقة الحرب، لم أستطع أن أرى شيئا لقد اغمي علي، الله يساعد قلب عمتي زينب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat