من معبر الكرامة رسالة حرّ إلى مستوطنين
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

ليست المرّة الأولى التي يقوم فيها رجل من رجال هذه الأمّة، بتنفيذ عميلة جهادية ضدّ إسرائيل وتتسبب في خسارته لثلاثة من جنوده وتتسبب في ارباك قادته، الذين يعانون إلى اليوم في غزّة، وانزعاج مليكه عبد الله الثاني، الذي كان دوره المحافظة على هدوء الحدود الشرقية لفلسطين أرضا والتصدّي للمسيرات الإيرانية جوّا، بحيث ينهي بقواته العسكرية والأمنية، أيّ احتمال لعمل فدائي يخترق نهر الأردن، أو انتقامي قادم من إيران كما أعلن من قبلُ.
وللنظام الأردني تاريخ تعيس مع فلسطين، فبعد أن فقد أبوه ضفته الغربية، إثر الهزيمة النكراء التي منيت بها الجيوش العربية سنة 67 من القرن الماضي، والتي عُرِفت بحرب الأيام الستة، بسبب تواطئ وتقاعس من تقرّبوا لأمريكا وبريطانيا، ببيع فلسطين واسقاطها من اهتماماتهم، ونزعها من مخططاتهم، والتخلّي عن التضامن مع أهلها، والعمل على تحريرها من براثن الصهيونية، ومنذ ذلك التاريخ المخزي، بدأت اهتمامات الحكومات العربية من قضية فلسطين تتلاشى تدريجيّا.
بعد النكسة الصّادمة للشعوب العربية، نقلت منظمة التحرير الفلسطينية مواقعها من الضفّة إلى الأردن، وكانت المرحلة الثانية المترتّبة على تلك النتيجة المفاجأة للشعوب العربية، تقتضي أن يبدأ الملك حسين بصورة عملية نزع فتيل العمل الفدائي بكل قوّة وصرامة، خصوصا بعد أن وصلته تقارير استخبارية، تضمّنت محاولات فلسطينية للإطاحة بحكمه، فأطلق قواته على الفدائيين الفلسطينيين في مجزرة رهيبة في 16/27 سبتمبر 1970 اسفرت عن مقتل أكثر من 25.000 فلسطيني بين فدائي ومدني.
تاريخيا فإنّ الحدود الشرقية لفلسطين شهدت عمليات تسلل فدائية، قام أفرادها بتنفيذ مهامّ عسكرية جريئة، ثم تراجع زخم تلك العمليات، خصوصا بعد أحداث أيلول الأسود، ثم عادت في التسعينات بشكل محتشم، لكنّها توقفت بعد ابرام الملك الأردني حسين اتفاقية وادي عربة في 1994 ولم يعكّر صفوه الذي رضي به، سوى عملية الشهيد (أحمد الدقاسمة)(1)، وكان لطوفان الأقصى حرارة في نفوس أحرار الأردن، أطارت رماد السكون الذي عم حدودهم مع فلسطين، فتحرّكوا لنصرة إخوانهم الفلسطينيين، آخرها عملية معبر الكرامة، التي قام بتنفيذها الشهيد الأردني (ماهر الجازي)(2)، من مدينة (معان) جنوب الأردن، والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة من الجنود الصهاينة.
بمجرّد الإعلان عن العملية الفدائية، خرج أحرار الشعب الأردني تلقائيا في العاصمة عمان، وفي مدن أردنية أخرى معبرين عن ابتهاجهم بها، قاموا اثناءها بتوزيع الحلوى والحلويات، وترديد نداءات العزة والكرامة، لشعب مازال يرزح تحت نير حكم ملكي، متواطئ مع إسرائيل، كاتم على أنفاس المقاومين، وفتح صفحة جديدة من المواجهة مع أعداء الأمّة، على جبهة تعتبر الأطول شرق فلسطين، أحرار الشعب الأردني إن سكتوا مدّة، تحت ضغط ظروفهم المعيشية القاسية، فإنّهم لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يستمر سكوتهم إلى الأبد، ففي كل مرّة يثبت هؤلاء الأحرار، أنهم من طينة لا تقبل الخنوع والإستسلام للعدوّ الإسرائيلي، وأنّ حاضنتهم تبقى مناصرة لأشقائهم الفلسطينيين.
رسالة أخرى يوجّهها حرّ من الجانب الشرقي لنهر الأردن، ليس إلى إسرائيل وحدها، بل إلى أمريكا والعالم الغربي معها، مفادها أن أرض فلسطين تبقى فلسطينية مهما حاولوا تهويدها، وقداستها ليست قابلة للتدنيس من ايّ كان، صهيونيا أم غربيّا متواطئا، وأنّ هذا المحتلّ أثبت بمكوناته المدنية والعسكرية، أنهم أبعد ما يكونون عن الإنسانية، واعتقد أن قسما من هؤلاء المستوطنين، أصبحوا على قناعة بأنّ بقاءهم محتلين أرض فلسطين أصبح متأرجحا، قد فقد آلية التحكّم فيه، هذا القسم بدأ أعداد منه بمغادرة فلسطين، طواعية وعن قناعة من أفراده، عادوا من حيث جاءت بهم الدعاية الصهيونية، بأنّ فلسطين هي أرض ميعادهم، فاكتشفوا أنّ الأمن والعيش الرغيد الموعود فيها أصبح وهْمًا، أكّدته العمليات الفدائية الجريئة، التي ينفّذها أنصار القضية الفلسطينية العادلة، من داخل فلسطين وخارجها.
رسالة قد يستوعبها من تعقّلوا من المستوطنين، ليتخذوا من تلقاء أنفسهم قرار مغادرة أرض فلسطين، فيتميّز العاقل منهم من المتطرّف المجنون، حيث لم يعُد هناك أمل واحد يعطي المتمسّك بالبقاء عليها، إمكانية عيش في ظل ظروف متقلبة غير آمنة بالمرّة، خصوصا بعد طوفان الأقصى واسناد بقية فصائل المقاومة، للتحوّل النوعي في مواجهة العدو الإسرائيلي، وطالما أنّ الأمة الإسلامية ولّادة كما عهدها التاريخ، وفيها من يرفض الضيم والخنوع للأعداء، فإن جبهة المقاومة تبقى قابلة للتوسع والتمكّن، ومزيد من انخراط أحرار شعوبها فيها، أرض فلسطين عصيّة على التحوّل والتكنّي بمسمّيات أخرى، تريد فرضها أمريكا وقوى الغرب، ومقاومتها وصمودها اليوم دليل على أنّ شعبها أصيل ووفيّ لأرضه ومقدّساته، وسوف لن تسقط رايته في تحريرها، وإن خذلته حكومات فستنصره أخرى لا تعرف الخيانة والتواطؤ.
المراجع
1 – أحمد الدقاسمة https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – منفّذ عملية معبر الكرامة .. من هو ماهر ذياب حسين الجازي؟
https://www.alaraby.com/news/
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat