صفحة الكاتب : فلاح السعدي

أثر القواعد الفقهية في تفسير آيات الأحكام
فلاح السعدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 العلم والإحاطة بالقواعد الفقهية في تفسير آيات الأحكام له دور كبير لا يخفى على المفسّرين، فربّما يقع المفسّر فيما هو مخالف للقواعد المسلّمة الفقهية ويرتكب خلاف ضرورة الفقه في تفسير آيات الأحكام؛ لعدم اطّلاعه على القواعد الفقهية وإحاطته بها، وكم من مفسّر زلّ قدمه ووقع في هذه المهلكة؛ لعدم إحاطته بالقواعد المسلّمة الفقهية.

مثال ذلك: لو سأل رجل عن حكم الصلاة فإن الفقيه يقول: الصلاة واجبة لأن الله يقول: (وأقيموا الصلاة) والأمر للوجوب.

فهنا نجد أن قوله (الأمر للوجوب) هذه قاعدة أصولية أنزلها الفقيه على قوله تعالى: (أقيموا) فاستخرج حكماً جزئياً وهو حكم الصلاة.

مما سبق يتضح أن قواعد أصول الفقه هي الموصلة لتلك الأحكام الفقهية، فهي مختصة بالأحكام الشرعية الفرعية المسماة عند العلماء بالفقه.

القرآن الكريم والقواعد الفقهية:

يتّسم القرآن الكريم بسمةٍ أساسيّة، وهي التأصيل والتقعيد، فمثلاً، عندما نقرأ قوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، فإننا نواجه قاعدةً ترسم حدوداً للتعامل، في عملية نقل المال وتملّكه والتصرّف فيه، وهي قاعدة تمتلك من المرونة ما يجعلها متحرّكة وفاعلة ومنفتحة على المستقبل، كما هي منفتحة على الحاضر والماضي.

وكذلك، عندما نقرأ قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219]، فإننا نواجه قاعدة عامّة مفادها أن كل ما كان ضرره أكثر من نفعه فهو حرام. 

وكذلك قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]، فإنها ترسم قاعدة عامة تحدّد علاقة الرجل بالمرأة، بحيث لا يملك الرجل أن يجمّد حياة المرأة، إذ خيَّره الله تعالى بين الإمساك، أي إبقاء العلاقة الزوجيّة بالمعروف، والتسريح بالإحسان، أي طلاقها وفضّ هذه العلاقة. ونحن نعرف أنّ المعروف مفهوم متحرّك لا يمكن أن يتجمّد في زمن ما، بل هو مفهوم متحرّك يمكن أن ينفتح على المستقبل كما الحاضر والماضي.

إذاً، يمكننا من خلال الرّجوع إلى القرآن الكريم، أن نحصل على جملة قواعد فقهيّة عامّة، قد تغطّي مساحات واسعة من حياة المسلمين. 

في القرآن الكريم أمثلة منها: [لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا]، [وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ] ، [لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ]، [وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى]، [فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ]، [يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ].. فهذه النصوص الشرعية القرآنية هي مصادر لكثير من القواعد الفقهية.

تطبيقات:

أولاً: من القواعد المعروفة بين فقهاء المسلمين قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) وعلى المسلك المشهور في تفسيرها من أن مفادها نفي الحكم الضرري تترتب عليها آثار مهمة في الكثير من الفروع الفقهية، حتى ادعى بعض العامة أن الفقه يدور على خمسة احاديث احدها حديث لا ضرر ولا ضرا ر, وقد أصبحت هذه القاعدة موردأ لاهتمام علمائنا لا سيما في العصر الأخير.

 

ومن هذه القاعدة أصبح لا بد من النظر في الآيات التي تشتمل على موضوع الضرر وكما يلي:

 

لا تضار والدة بولدها:

(ومنها) قوله سبحانه: (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلاّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(البقرة: 233).

 

للآية الكريمة ظاهر وتفسير.

1. أما الظاهر ـ ويؤيّده السياق ـ فهو أن نفقة الولد ـ حملاً، وفصلاً ـ على الوالد، فلا يجوز للوالد إضرار الوالدة بإعطائها أقل، ولا يجوز للوالدة إضرار الوالد بأخذ الأكثر.

وقد صرّحت بذلك طائفة من الروايات.

(منها) صحيح أبي الصباح الكناني ـ بتصحيح العلامة (ره) وإن اشكله الشيخ حسن صاحب المعالم، باشتراك محمد بن الفضيل، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (اذا طلق الرجل المرأة ـ وهي حبلى ـ انفق عليها حتى تضع حملها، واذا وضعته أعطاها أجرها، ولا يضارها، إلاّ أن يجد من هو أرخص أجراً منها، فإن رضيت هي بذلك الأجر فهي أحقّ بابنها حتى تفطمه).

2. وأما التفسير، فهو أن تمتنع الزوجة من وطي الزوج لها خوفاً على رضيعها، وبالعكس، فلا يجوز لكل من الزوج والزوجة، المنع والامتناع بسبب الرضيع، وقد وردت بذلك طائفة أخرى من الروايات، (منها) صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كانت المراضع مما يدفع إحداهنّ الرجل إذا أراد الجماع تقول: لا أدعك إني أخاف أن أحبل فاقتل ولدي هذا الذي أرضعه، وكان الرجل تدعوه المرأة، فيقول: أخاف أن أجامعك فاقتل ولدي، فيدعها فلا يجامعها. فنهى الله عز وجل عن ذلك، أن يضار الرجل المرأة، والمرأة الرجل), ويستشعر منها العليّة، فتعم.

 

ولا يضار كاتب ولا شهيد:

(ومنها) قوله عزّ شأنه (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ...) (البقرة:282).

(وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) (البقرة:282). أصله (يضارر) ـ بكسر الراء الأولى وإن كانت تفتح عند الإدغام... فيكون النهي للكاتب والشاهد عن المضارة، فمعنى المضارة أن يكتب الكاتب ما لم يمل عليه، ويشهد الشاهد بما لم يستشهد فيه، أو بأن يمتنع من إقامة الشهادة.

3. وقيل: الأصل فيه (لا يضارر) ـ بفتح الراء الأولى... فيكون معناه: لا يكلف الكاتب الكتابة في حال عذر لا يتفرغ إليها، ولا يضيق الأمر على الشاهد بأن يدعى إلى إثبات الشهادة وإقامتها في حال عذر، ولا يعنّف عليها...

(أقول) أولاً: الظاهر من عدم تقييد الضرر، إطلاق النهي عن كل أنواع الضرر بالنسبة للكاتب والشهيد، سواءٌ ذكر في التفسير أم لم يذكر، كان يكره كاتب على الكتابة، أو يعطى أجراً قليلا عليها.

وثانياً: {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} لا عموم فيها يشمل كل موارد الضرر، وإنما هو خاص بالكتابة والشهادة، إلاّ اللّهم بعدم فهم الخصوصية، أو فهم عدمها. نعم ليست خاصة بالكتابة والشهادة للدين، ولا لشيء آخر، إذ المورد لا يخصص.

 

أو دين غير مضار:

(ومنها) قوله جل وعلا: {.. مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ..} (النساء:11). قال الطبرسي (قدس سره) في التفسير: منع الله من الضرار في الوصية، أي: غير موص وصية، تضر بالورثة. (وقيل) أراد غير مضار في الميراث، كره سبحانه الضرار في الحياة وبعد الممات.. وتقديره: لا يضار بعض الورثة بعضاً. (وقيل) هو أن يوصي بدين ليس عليه يريد بذلك ضرر الورثة، فالضرار في الوصية راجع إلى الميراث، وهو أن يضر في وصيته بماله، أو بعضه لأجنبي، أو يقر بدين لا حقيقة له، دفعاً للميراث عن وراثه... وجاء في الحديث أن الضرار في الوصية من الكبائر. (أقول) هذه الآية الكريمة، لا ظهور لها في عموم النهي عن الإضرار في كل شيء. وجاء في معتبرة السكوني ـ على الأصح ـ عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهم السلام) أنه قال: (ما أبالي أضررت بولدي، أو سرقتهم ذلك المال). وأيضا: (من أوصى، ولم يحف، ولم يضار، كان كمن تصدق به في حياته).

 

أقسام أبواب القواعد الفقهية في الآيات القرآنية

أولاً: قواعد فقهية تكون في جميع أبواب الفقه، وهذه تشمل مجموعة من القواعد منها:

 

قاعدة العدل والإنصاف: ويدلّ عليها قوله تعالى: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9]، وقوله تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42].

قاعدة نفي السبيل: ويدلّ عليها قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:141].

قاعدة حرمة إهانة شعائر اللّه ومحترمات الدين: ويدلّ عليها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} [المائدة: 2] وقوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]،

قاعدة حرمة الإعانة على الإثم: ويدلّ عليها قوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]. 

قاعدة نفي الحرج: ويدلّ عليه قولها تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وغير ذلك. ونعبّر عنها بالقواعد العامة.

 

ثانياً: في أبواب العبادات، المعبّر عنها بالقواعد العبادية: كقاعدة: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقاعدة: الميسور، وقاعدة: مبطلية الرياء للعبادة، وقاعدة: الأعمال بالنيات، وقاعدة: عدم سقوط الصلاة بحال، وقاعدة: كل سفر تقصر فيه الصلاة لا يصح فيه الصوم، وبالعكس، إلى غير ذلك.

هؤلاء أهل الكتاب ماذا فعلوا؟ 

فعلوا بخلاف هذه القاعدة، قال: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ﴾ أي رجال الدين اليهودي، وسمي الحبر حبراً لأنه يحبر الكلام، ويوضحه، ويفصله، ويزينه.

﴿وَرُهْبَانَهُمْ﴾ الرهبان جمع راهب، الإنسان المنقطع للعبادة، ﴿وَرُهْبَانَهُمْ﴾ الرجال المنقطعون للعبادة، ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾

 أي هل تصدق أن إنساناً يلتقي بإنسان من جنسه، من بني جلدته، يقول له: أنت ربي؟ 

ليس هذا وارداً، لكن النبي عليه الصلاة والسلام شرح هذه الآية فقال: "اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً لم يعبدوهم على أنهم آلهة ولكنهم أطاعوهم طاعة عمياء".

 أي عاملوهم كإله، مثلاً لو أن امرأة طلبت من زوجها طلباً لا يرضي الله، فخضع لها حفاظاً على مودتها، عصى الله وأطاعها، لك أن تقول عن هذا الزوج: عبد زوجته من دون الله بالضبط، هو ما قال لها أنت إله إطلاقاً، لكن لأنه آثر إرضاءها ولم يعبأ بإرضاء الله عاملها كإله.

 فحينما تعبد إنساناً، أنت لا تقول هو إله، وما كان لك أنت تقول ذلك، لكن عاملته كإله، وانتهى الأمر، لذلك لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

 

ثالثاً: في أبواب المعاملات، المعبّر عنها بالقواعد المعاملية: كقاعدة: بطلان‏ نكاح المحرم، وقاعدة: الإحسان، وقاعدة: السلطنة، وقاعدة: الاحترام، وقاعدة: تقديم حق الناس على حق اللّه، وقاعدة: الاستئمان، وقاعدة: وجوب الوفاء بالشرط، وبطلان الشرط المخالف للكتاب والسنة، وقاعدة: تبعية العقود للقصود، إلى غير ذلك من القواعد المعاملية.

 

رابعاً: في القضاء والجزائيات: كقاعدة: اشتراط الأهلية للفتوى في نفوذ القضاء، قال تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} وقاعدة: عدم اعتبار شهادة ذي النفع، قال تعالى: (كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)( النساء: ١٣٥) وقال تعالى: (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (البقرة:283) وقاعدة: إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، قال تعالى: (أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (آل عمران:81). وقاعدة: عدم جواز الاقتصاص من الحامل، (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلْطَٰنًا فَلَا يُسْرِف فِّى ٱلْقَتْلِ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورًا) (الاسراء:33) وقوله تعالى: (ولٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ) (فاطر: 18) إلى غير ذلك من القواعد القضائية والجزائية.

قاعدة نفي الحرج:

نص الكتاب الكريم على نفي الحرج في سورة الحج في سياق بيان من الله عز وجل على الأمة الإسلامية فقال سبحانه وتعالى: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ{ وفي هذه الآية الشريفة هو رفع الحرج عن أمة الإسلام والمنة على المسلمين، وعدم جعل الحرج في الدين بقوله تعالى }وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ{, ليس إلاّ عبارة عن عدم تشريع الأحكام المستلزمة ثبوتها للحرج.

والمراد من الدين هي الأحكام المجعولة من قبل الشارع المسماة بالأحكام الفقهية من الطهارة إلى الديات، فالمنفي هو نفس الحكم الذي ينشأ من قبله الضيق والحرج.

مدرك القاعدة:

الأدلة على مدرك قاعدة نفي الحرج هي: قوله تعالى: }وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ٍ{. أن المراد بالجعل الذي نفاه الله تعالى هو الجعل التشريعي لا الجعل التكويني.

أولاً: هذه الآية فصلت حكم التيمم كمثال لنفي الحرج في الدين، كما ذكرت الآية ثلاث حالات لتسويغ التيمم عند المرض وعند السفر وعند فقدان الماء وذكرت مثالين لموجباته أحدهما الغائط الذي يوجب الوضوء وعند تعسره يتبدل إلى التيمم، الثاني ملامسة النساء الموجبة للغسل وعند العسر يوجب التيمم.

ثانياً: ذكرت كيفية التيمم وذلك بالضرب على الأرض الطيبة والمسح عنها بالوجه واليدين، ومعروف أن ذلك من ابسط الأعمال، والذي لا يسبب التعب ولا يستغرق وقتاً طويلاً، وهذا يصح مثلاً رائعاً لرفع الحرج وكيف يتبدل الغسل إلى تكليف التيمم.

ثالثا: ذكرت الآية كيفية نفي الحرج كقاعدة عامة لعموم ألفاظها وضرب الأمثلة من السفر والمرض وعدم وجدان الماء، فقد زادت القاعدة تبياناً لمعرفة كيف يبتلى المريض والمسافر بالصعوبات، فإما المريض فعندما يحس بالألم والضعف وخطر استخدام الماء عليه أحياناً، وإما المسافر فالإرهاق والابتعاد عن الماء وربما خطر الوصول إليه. قال تعالى: }وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْر{.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فلاح السعدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/08/29



كتابة تعليق لموضوع : أثر القواعد الفقهية في تفسير آيات الأحكام
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net