العزاء الحسيني : تحت النقد [ 2 ]العزاء الحسيني وحاكمية الفقيه
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يحيى غالي ياسين

العزاء الحسيني وحاكمية الفقيه
تقع شعائر ومظاهر الإحياء الحسيني على حافّة دائرة حاكمية الفقيه إن لم تخرج عنها مقارنةً مع الشعائر والمظاهر الدينية الأخرى للأسف الشديد .. ممّا أضعّف من قوّة السيطرة عليها شرعاً بشكلٍ عام ووقوع بعضها ضمن دائرة المخالَفة أو على الأقلّ ضمن دائرة الشبهة الشرعية ..
هذا أول ما نشاهدهُ تحت مجهر نقد العزاء الحسيني ، وقد تعود إليه أغلب أو جميع المُشاهدات الأخرى ..
إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام وبالأخصّ مصيبة أبي عبدالله الحسين عليه السلام وإن كانت نابعة من العقيدة الإسلامية ومن صميم الإيمان القلبي المتعلّق بالمنظومة العقائدية في الإسلام ، إلا أنَّ لها لوازم ذات واقع عبادي قربي خارجي ، وهذا الواقع العبادي لا بد وأن يكون منقاداً لأحكام وقوانين وضوابط القسم العبادي والتشريعي في الإسلام ، وبالتالي فإن الأحكام الخمسة ، الإلزامية والترخيصية ، من ( وجوب - حرمة - استحباب - كراهة - إباحة ) هي السور الذي ينبغي أن يحيط بتجلّيات العزاء والحزن على الحسين عليه السلام ، وهذه الأحكام في عصر الغيبة الكبرى هي تحت سلطة الفقيه حصرا ..
ولا أعرف سبباً لهذه العلاقة الضعيفة بين الفقه والشعائر الحسينية ، وهل يعود الى انحصار الفقه المتعارف والمتوارث ببعض الموضوعات والأبواب الفقهية دون أخرى ، فنجد في الرسائل العملية المعاصرة مثلاً باباً للصلاة والصيام والزكاة والحج .. بينما لا نجد أبواباً خاصة بالشعائر الحسينية أو أحكام زيارة المعصوم .. الخ . رغم كثرة الإبتلاء بها ..
أم أن السبب يعود الى التاريخ الطويل لمحاربة شعائر أبي عبدالله عليه السلام من قبل الطغاة والنواصب .. بحيث لا يُسمح للفقيه فضلاً عن المعاهد والحواضر العلمية الإسلامية في تناول الموضوع بشكل رسمي وصريح ..
أم أن السبب يعود الى المقدار الطاغي للعاطفة والذي يعصف بمحبي أبي عبدالله والمفجوعين بمصيبته الى الدرجة التي يتوهم فيها المعزّي بتولّد مبرر داخلي ذاتي للسماح في عدم الإلتزام الشرعي لبعض الأمور في بعض الحالات ..
أم أن الأمر يعود الى مبررات خارجية ، كبعض الروايات والأفكار التي تُنسب الى الشريعة والى القضية الحسينية خصوصاً ، بحيث يُفهم منها تبرير لبعض التصرّفات والممارسات ، وربّما هناك فتاوى صدرت على غرارها عززت من موقف هذا التبرير ..
أم أن الفوبيا المصطنعة ضد أي نقد أو ملاحظة أو تخطئة وتصويب يوجّه للشعائر الحسينية ورفع شعارات لا واقع لها من قبيل ( لا تندك بالحسين ) ..!! هو الذي ساعد على تراكم وتوسعة بعض الأخطاء ..
أم أن جميع تلك التساؤلات وراء هذه المؤاخذة المهمّة ( ضعف حاكمية الفقه والفقيه بشعائر ومظاهر الإحياء الحسيني ) .. !
اذن نحن أمام مسؤولية شرعية كبيرة وخطيرة ، قد يتوقف عليها مستقبل وحكمة الإحياء الحسيني ، بل انعكاساتها تعود على مذهب أهل البيت عليهم السلام بشكل عام ..
تحكيم الفقه يتم بخطوات ، ويحتاج الى وقت ، ويستلزم أساليب وطرق إقناع .. فإذا استطاعت الحوزة أن تغطّي جميع تفاصيل وأشكال الإحياء فقهاً ، وأن ترصد كلَّ جديد ، وأن يكون لكل موكب عزاء أو مجموعة مواكب مرشد ديني مزكى او مكلّف من قبل مكتب أحد المراجع العظام ، وأن يعطي المفكرون لتلك المظاهر الصحيحة أبعادها الفكرية والعقائدية والحضارية وبشكل واعي ومناسب لعامل الزمان والمكان بحيث تؤدي أغراضها .. وبالمقابل بيان مخاطر الخاطىء منها وما قد تسببه من آثار وعواقب سيئة على القضية والمذهب والدين .. وأن يشترك المؤمنون المتفقهون في شعائر الإحياء بكافة تنوعاتها وأن يعطوا النموذج الصالح للإقتداء .. وللخطباء والشعراء والرواديد وأصحاب مواكب العزاء الدور الأبرز والمباشر في إفراغ الذمة من هذه المسؤولية ..
هذا ونحن لا نغمض العين عن وجود الإحياء الواعي والملتزم ، ولا عن تلك الجهود المبذولة في تصحيح وتقويم هذه الشعائر من قبل الحوزة الشريفة والكثير من خدمة أبي عبدالله بكافة أشكال ونشاطات العزاء التي يقومون بها ، وهذا أقل حق ووفاء نقدّمه لعاشوراء ، هذه الثورة التي حفظت لنا الدين وشريعة سيد المرسلين .. وما التوفيق إلا من عند الله .
قال تعالى ( وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا ) الأحزاب ٣٦
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat