في صبيحة يوم الأربعاء الموافق 23/ذي الحجة /1444هــ زرت سماحة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني "دام ظله" مع ثلة من طلبة العلوم الدينية بعد انقطاع لي عن زيارته دام بحدود ثلاث سنوات، تقريباً منذ أن تصدّرت العالم جائحة وباء كورونا، وأنا لم أخطو لزيارته المباركة ما عدا بعض الأخبار والمشافهات السماعية التي تصلنا عن سماحته .لما زرنا سماحة المرجع" دام ظله" كان عددنا لا يتجاوز الخمسة من رجال الدين يتقدمنا سيد شيبة معمم، تخلل ذلك بعض الانتظار مرة في غرفة الاستفتاء، ومرة قبل أن نصل إليه وذلك بسبب كثرة الوفود والزوار الآتية لزيارته، بعضهم يأتي إليه من أقصى الأرض، ومن أماكن بعيدة فضلاً عن جموع العراقيين القادمة إليه من كل المحافظات، كما لا أنسى رأيت في طريقي بعض أبناء البلدان العربية كالبحرين والسعودية وغيرها وهم مبتهجون بزيارة السيد دام ظله .
لا شك أن سلطة العلم والتقوى أكبر من أي سلطة في الدنيا . للسيد السيستاني هيبة تفوق هيبة السلاطين والحكّام، بل السلاطين وحواشيها خضعت ببابه، وهو كما ترى لا يملك حزباً ولا جيشاً ولا تنظيماً ولا دعايات إعلامية مروجة، يملك فقط خشية الله، وحب العلم، ومحبة المؤمنين الصادقة، وخُلق الاسلام التي عليه في سمة التواضع والتقوى مضافاً لسماته العلمية، كل هذه المزايا الجليلة التي اتسمت بها شخصيته المباركة، اضفت بكل تأكيد لموقع المرجعية الدينية طابع الاستثنائية ولمعان الفرادة .
لما تشرفنا بالدخول على سماحته، دعا لنا "دام ظله الشريف" بالتوفيق وأن يجعلنا من العلماء الأعلام العاملين، ثم أوصانا دام ظله: بأن لا انذكر أحداً بسوء من العلماء وغير العلماء، والابتعاد عن إثارة التشنجات والاختلافات التي تسبب الكراهية والفتنة بين الناس، وأن نكون دعاة لنشر الخير في المجتمع وبين صفوف المؤمنين، والأهتمام بتراث وأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ثم ذكرنا سماحته بأصالة النجف الأشرف ودورها في صناعة العلماء قائلاً كان في السابق أهل حوزة قم المقدسة يقولون أن حوزة النجف الأشرف أكثر تحصيلاً منّا ثم أضاف أن العلماء في السابق لم يكونوا يكتفون بدرس الأستاذ فحسب، إنما يتعاونون فيما بينهم في التحصيل العلمي، ولهذا أوصيكم أن تتعانوا فيما بينكم، وأن يعين أحدكم أخيه الآخر" .
كنت دائماً أُحدّث بعض زملائي من طلبة العلوم الدينية أن من نعم الله علينا -كعراقيين - أن تتسيد أجواء العراق الصاخبة مرجعية مثل مرجعية السيد السيستاني، لم يكن ذلك مني بداعي العاطفة ولا المجاملة، بل لأن المزايا التي اتسمت بها مرجعية السيد السيستاني" دام ظله" مناسبة تماماً لشعب مثل الشعب العراقي وكبلد كالعراق الذي يعيش مختلف التعقيدات والتقلبات السياسية . السيد السيستاني فقيه مثقف يمتلك الأفق الواسع والنظر الاجتماعي والقانوني المتفهم. لم يكن السيد السيستاني ظاهرة في تاريخ المرجعية كما يصفها بعض الصحفيين فحسب بل مرجعية السيد السيستاني أصبحت مدرسة في تاريخ المرجعيات الشيعية تستحق الدراسة والمتابعة والتحليل، ولا ريب أن تركتها ستثقل كاهل المرجع الأعلى القادم، إذ أن خطابها الرزين المعتدل حظي بالقبول من الجميع، وكان ملفتاً بكل احترام للأنظار العالمية. لا شك أن السيد السيستاني كأي شخصية في التاريخ سيختلف فيها، بين أنصارٍ وخصوم، وبين مؤيد ومعارض وبين مشيد وناقد، لكن لا أحد يغير الحقيقة أن السيد السيستاني عرفناه زاهداً ورعاً تقياً لم ينافس أحداً في حطام دنيا، ولا دعا يوماً لنفسه، ولا لأحد من أولاده الكرام، بل عرفناه أنّه واسى العراقيين بكل ما يستطيع من عناء المواساة .وبذل أقصى ما لديه من الجهد والعطاء في خدمة المؤمنين والانسانية .رفض استقبال كل سياسي معتدي على حق الشعب وأغلق الباب بوجوههم جميعاً . رفض حياة البذخ وعيشة الملوك وعاش عيشة أولئك الفقراء الذاهبين لدار البقاء .كل أولئك الذين سبوه وتجازوا على شخصه أمام الملأ العام لم يرد عليهم بكلمة واحدة، بل أني مؤمن في نفسي أنّه عفا عنهم ودعا لهم بظهر الغيب بالخير والسلامة .عرفنا السيد السيستاني أنه ذلك المرجع الذي عاش كل آلام ومرارة العراقيين في الماضي والحاضر؛ إذن فليس بعجيب أن يحبوه كل هذا الحب، ويهتفوا بإسمه عالياً تاج على الراس السيد علي السيستاني.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat