قراءة في فكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره)
د . الشيخ عماد الكاظمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . الشيخ عماد الكاظمي

إنَّ القراءة التحليلية التأمليَّة لكلمات المفكرين تُوصِل الإنسان إلى ساحل المعرفة المؤمَّنة للتفكير، وبعث روح الأمل بعد احتضارها .. وفي لحظات تأمُّلية كنتُ أتجوَّل فيها بين صفحات ذلك المفكر الكبير، الذي لا زالت حقيقته مخفيَّة -من وجهة نظري-، وتحتاج إلى البحث عنها في زواياها المعرفية المتعددة، لنصِلَ إلى مدى بلوغه وتفانيه في خدمة المجتمع في جميع زواياه، تحت عنوان (دروس من القرآن الكريم – ما هي الأعذار التي يواجهها الداعية للإسلام وكيف تتم معالجتها)، وقبل بيان ما يتعلق بهذا الموضوع فمن المهم بيان أنَّ ما كتبه السيد الشهيد إنما كان عام 1962م، ونشره في مجلة الأضواء النجفية، أي قبل أنْ يولد صاحب هذه القراءة المزجاة ببضع سنوات، وقبل أنْ يطَّلع على المقال بعد ستين عامًا من نشره، وفي سبب ذكري لهذه التواريخ أريد الوصول إلى الحقيقة الثابتة وهي أنَّ (المعرفة تتحدى الزمكانية)، فالمعرفة لا تقف عند حدود زمانها ومكانها، ولا يمكن للزمان والمكان أنْ يجعلوها حبيسة قوانينهما الطبيعية فتكون أسيرة لهما.
فالشهيد الصدر "قدس سره" يرى –وهو الحق- أنَّ آيات القرآن الكريم تُلقي أضواء متنوعة في طريق الإنسانية إلى الحق والعدل والخير، وتكشف الستار عن أسرار النفس الإنسانية ونقاط ضعفها وقوَّتها .. وقد جعل من الآية القرآنية المباركة في سورة التوبة موضوعًا لمقاله، قال تعالى: يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [التوبة/94]، فالآية المباركة بصدد بيان واقع الأمة في جانب من جوانبها حيث تعاملها مع القائد الناصح الأمين، وما يجب أنْ تكون عليه في غير ما أشارت إليه الآية المباركة، فالتقاعس الذي تبيِّنه الآية تجاه نصرة الشريعة المقدسة يؤكد ضعف الشخصية التي تنتمي إليها، ولعل هذا ما أشار إليه سيد الشهداء أبو الأحرار الإمام الحسين (عليه السلام) بقوله بوصف بعض الناس في تعاملهم مع الدين: (والدِّيْنُ لَعقٌ على ألسنَتِهِمْ)، حيث لم يبلغ دينهم قلوبهم وعقولهم وذوبانهم فيه، بل مجرد لقلقة يخدع بها الإنسان نفسه قبل الآخرين في بعض الأحايين أو في كثير منها، فيقول الشهيد الصدر في رائعته حول الآية: ((إنَّ القرآن الكريم يقطع في هذه الآية الملتهبة العذر على المعتذرين، ولا يسمح للنبي بوصفه التعبير الأعلى عن الداعية للإسلام أنْ يستمع بعد رجوعه من إحدى معاركه الجهادية إلى اعتذار المعتذرين الذين تخلَّفوا عن موكب الدعوة، ونكصوا عندما دقَّت الساعة، وأَزِف الخطر مهما كان لون الاعتذار وأسلوبه)) .. فهذا الفهم العام للآية، والوعي الإجمالي لمسؤولية الشريعة المقدسة بين الرسول والمرسل إليه في بيان كيفية التطبيق تجعل الإنسان المسلم أمام مسؤوليته الحقيقية تجاه الشريعة والمشرِّع، وعدم اختلاق الأعذار، أو البحث عن الأوهام التي تزيِّن للنفس خلوَّها عن المسؤولية ..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat