صفحة الكاتب : محمد قاسم الطائي

نحوسة الأيام في المنظار الفقهي
محمد قاسم الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تسالمت كلمات الفقهاء بكراهة عقد الزواج في ليالٍ مخصوصة من الشهر : والتي هي على ثلاثة أنحاء : الليالي الكوامل، والقمر في برج العقرب، ومحاق الشهرطبقاً للروايات الواردة عن أهل البيت "ع"، وسيأتي الكلام في كل واحدة من هذه الثلاث .ثم الزواج بمنطق الروايات الواردة هل المراد منها الدخول على الزوجة كما هي الأعراف الاجتماعية القائمة أم هو إجراء العقد ؟ وهل هذه الروايات صحيحة السند أم ضعيفة؟!
ثم مفاد هذه الروايات على فرض صحتها هل يعني حصول المكروه للمتزوجين لا سمح الله؟ أم قلة الثواب وعلى فرض حصول المكروه، فما دور الصدقة في رفع المنحوسية المفترضة فهذا ما سيبحث في هذه السطور .

نصّ صاحب كتاب العروة الوثقى السيد محمد كاظم اليزدي المتوفى "١٣٣٧هــ" والتي تتابعت عليه الشروحات الفقهية بالتسليم يقول : «يكره عند التزويج أمور: منها: إيقاع العقد والقمر في العقرب، أي في برجها لا المنازل المنسوبة إليها وهي: القلب والإكليل والزبانا والشولة.
ومنها: إيقاعه يوم الأربعاء.
ومنها: إيقاعه في أحد الأيام المنحوسة في الشهر وهي الثالث والخامس والثالث عشر والسادس عشر والحادي والعشرون والرابع والعشرون والخامس والعشرون.ومنها: إيقاعه في محاق الشهر، وهو الليلتان أو الثلاث من آخر الشهر»١

ومستند كراهة إيقاع العقد والقمر في برج العقرب روايتان:

الأولى- عن محمد بن الحسن الطوسي عن علي بن أسباط عن إسماعيل بن منصور عن إبراهيم بن محمد بن حمران عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال:« من تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى»٢

روى الصدوق بإسناده عن محمد بن حمران عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: « من سافر أو تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى»٣

والثانية: وفي أخبار عيون الرضا والعلل عن محمد بن أحمد بن السناني عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي :عن سهل بن زياد الآدمي عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: عن علي بن محمد العسكري عن أبيه محمد بن علي عن أبيه الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه عليهم السلام برواية طويلة قال: من تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى،.. وقال "ع": من تزوج في محاق الشهر فليسلم لسقط الولد»٤

الملاحظ في رواية الطوسي المتوفى" ٤٦٠هــ" الواردة في التهذيب أن سند الرواية عن إبراهيم بن محمد بن حمران عن أبيه عن أبي عبد الله بينما نسخة الصدوق المتوفى" ٣٨١هــ "ينقل سند الرواية عن محمد بن حمران وقد وقع الخلاف أن الراوي محمد بن حمران بن أعين نفسه محمد بن حمران النهدي فهل هما متحدان بنفس الأسم أم متغايران ؟!

اختار السيد الخوئي:« إلا أنه لا يمكن الالتزام بالاتحاد، لأن النهدي والشيباني متغايران، ومن المطمأن أن الكتاب لواحد يسمى بمحمد بن حمران قد اعتقد النجاشي: أنه محمد بن حمران النهدي، واعتقد الشيخ أنه محمد بن حمران بن أعين، والظاهر أن ما ذكره النجاشي هو الصحيح»٥

وفيه : أن النجاشي لم ينفِ محمد بن حمران بن أعين وإنما ذكر مباشرة نسب محمد بن حمران النهدي الكوفي الثقة، فذكر الطوسي له محمد بن حمران بن أعين مولى بني شيبان لا يفضي للتغاير بل الاشتراك والاتحاد والوجه في ذلك : أن بعض المحققين من علماء الرجال: ذكروا أن أعين كان رجلاً من الفرس فقصد أمير المؤمنين (عليه السلام) ليسلم على يديه، ويتوالى إليه فاعترضه في طريقه قوم من بنى شيبان فلم يدعوه حتى توالى إليهم ، مما يرجح أن تكون أصوله نهدوية وفي الوقت ذاته توليه لبني شيبان بسبب الاعتراض الذي حصل لجده وإلّا من المستبعد بحق الشيخ الأجل النجاشي المعروف بجلالته وتخصصه بعلم الأنساب والآثار وأخبار القبائل أن يغيب عنه توثيق محمد بن حمران بن أعين وما ذلك إلا ذلك لكونهما متحدان بنفس الاسم وهو محمد بن حمران الوارد بكثرة في الروايات .

الاختلاف الحاصل بين نسخة الطوسي والصدوق باعث على اضطراب الرواية وإن كان طريق الصدوق إلى محمد بن حمران صحيحاً كما ذكر ذلك في مشيخته، أما طريق الطوسي لمحمد بن حمران فضعيف ببن المفضل وابن بطه أما الرواية الثانية ففي طريقها سهل بن زياد ضعيف على مبنى وفيه كلام والأقوال فيه متضاربة .

ومع غض النظر عن السند فإن مضمون الروايات بحد ذاته فيه اشكالات لا تساعد على المطلوب أمور:

الأول : لم يثبت في الروايات الواردة عنهم" ع" ولا رواية واحدة في تعليم الناس على منازل أو بروج القمر! التي هي من أختصاص الفلكيين وأصحاب الحسابات بل دلّ العكس في بعضها كما نشير من قبيل :

عن سهل بن يعقوب الملقب بأبي نواس عن العسكري عليه السلام في حديث[ قال] قلت: يا سيدي في أكثر هذه الأيام قواطع عن المقاصد لما ذكر فيها من النحس والمخاوف فتدلني على الاحتراز من المخاوف فيها فإنما تدعوني الضرورة إلى التوجه في الحوائج فيها؟

فقال لي: يا سهل إن لشيعتنا بولايتنا لعصمة لو سلكوا بها في لجة البحار الغامرة وسباسب البيداء الغائرة بين سباع وذئاب وأعادي الجن والإنس لامنوا من مخاوفهم بولايتهم لنا، فثق بالله عز وجل وأخلص في الولاء لأئمتك الطاهرين وتوجه حيث شئت واقصد ما شئت »٦

عن أمير المؤمنين "ع"«أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلا ما يهتدى به في بر أو بحر فإنها تدعو إلى الكهانة، والمنجم كالكاهن والكاهن كالساحر»٧

الثاني : لو صحت الروايات المذكورة- جدلاً- فإنها محمولة على التقية لمجارتها أبناء العامة كما ذكر هذا القول بعض العلماء يقول العلامة الطباطبائي:
«وحمل بعضهم هذه الروايات المسلمة لنحوسة بعض الأيام على التقية، وليس بذاك البعيد فإن التشاؤم والتفاؤل بالأزمنة والأمكنة والأوضاع والأحوال من خصائص العامة يوجد منه عندهم شيء كثير عند الأمم والطوائف المختلفة على تشتتهم وتفرقهم منذ القديم إلى يومنا وكان بين الناس حتى خواصهم في الصدر الأول في ذلك روايات دائرة يسندونها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يسع لاحد أن يردها كما في كتاب المسلسلات...»٨ وإلا في بعض الروايات الواردة عن الائمة" ع" فيها نهي لشيعتهم عن الاعتقاد بنحوسة الأيام من قبيل:
رواية تحف العقول قال الحسين بن مسعود: دخلت على أبي الحسن علي ابن محمد (عليه السلام) وقد نكبت إصبعي وتلقاني راكب وصدم كتفي، ودخلت في زحمة فخرقوا عليّّ بعض ثيابي فقلت: كفاني الله شرك من يوم فما أيشمك فقال عليه السلام لي:
يا حسن هذا وأنت تغشانا ترمي بذنبك من لا ذنب له؟
قال الحسن: فأثاب إلي عقلي وتبينت خطأي فقلت: يا مولاي أستغفر الله.

فقال :يا حسن ما ذنب الأيام حتى صرتم تتشاءمون بها إذا جوزيتم بأعمالكم فيها؟ قال الحسن: أنا أستغفر الله أبداً، وهي توبتي يا ابن رسول الله قال: ما ينفعكم، ولكن الله يعاقبكم بذمها على ما لا ذم عليها فيه، أما علمت يا حسن أن الله هو المثيب والمعاقب والمجازي بالاعمال عاجلاً وآجلاً؟ ..»٩

ومن خلال مفردات هذه الرواية يظهر أن التشاؤم مسألة اجتماعية راكزة في ذلك الوقت، ولم تكن جذورها دينية وشرعية، وإنما عادات تعارف عليها الناس ويحتمل أن تكون أصولها راجعة من الأمم السابقة قبل الاسلام .

ثالثاً : تنافي هذه الروايات مع مقاصد الدين وفلسفته والتي منها مبدأ التوكل والوثوق والاعتماد على الله تبارك وتعالى الذي قال في ترغيبه ومدحه للتوكل ـ«ومن يتوكل على الله فهو حسبه»١٠ وقال «وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين»
وقال تعالى: «وعلى الله فليتوكل المؤمنون» وقال: «إن الله يحب المتوكلين» وقال تعالى: «ومن يتوكل على الله فإن الله عزيزٌ حكيم» في الرواية عن النبي" صلى الله عليه وآله": «من سره أن يكون أغنى الناس، فليكن بما عند الله أوثق منه بما في يده» وعنه "ص": «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقتم كما ترزق الطيور تغدو خماصاً وتروح بطاناً»١١

فتحصل مما تقدم بشكل مقتضب أنّه لم ترد رواية صريحة بخصوص كراهة إجراء العقد، إنما أقصى القول أنّه متصيد من مجموعة روايات وردت في نحوس الأيام من الشهر، وبمجموعها استفاد العلماء أنّ سبعة أيام في كل شهر تعد الأيام النحسة مطلقاً، وبما أن الزواج أمر مبارك فقد رتب المتأخرون عليه الكراهة بخصوص كراهة إجراء العقد، ومن خلال التتبع اليسير أن روايات نحوسة الأيام ما عدا روايات كراهة السفر وإجراء العقد جاءت من كتب ثلاثة جمعها فيما بعد العلامة المجلسي وهي كتاب (مكارم الأخلاق) للطبرسي المتوفى سنة" ٥٤٨هــ" و(الدروع) و(زوائد الفوائد) للسيد ابن طاووس "٦٦٤هــ" وروايات هذه الكتب ليست مسندة بل مرسلة ومرفوعة، وإنما رتب عليها الاعلام الأثر والتحذير من باب التسامح في أدلة السنن أو يمكن الأخذ بها برجاء المطلوبية أي برجاء صدورها من الائمة" ع" بل كراهة الأيام السبعة لم ترد في كتب الفقهاء حتى زمن الفقيه المحدث يوسف البحراني .

وبغية ايضاح الأسئلة المتقدمة التي افتتحنا بها المقال : الليالي الكوامل تطلق على سبعة أيام من الشهر: الثالث، والخامس، والثالث عشر والسادس عشر والحادي والعشرون والرابع والعشرون والخامس والعشرون ،" ومعنى القمر في العقرب يكون مواجهاً لمجموعة من النجوم يطلق على الهيئة الحاصلة بالعقرب والتقاويم الفلكية تشير إلى هذه الأيام والله العالم"١٢ ..أما محاق الشهر فذكر صاحب الجواهر: الليلتان أو ثلاث من آخر الشهر وهو ما يمحق فيه الهلال عن الرؤية، وذكر السيد الخوئي في بعض الاجابات: أن أقل مدة المحاق ستة وثلاثون ساعة من حين استتار القمر في قرص الشمس إلى حين انجلائه .

أما الصدقة من دون شك تؤثر في دفع البلاء، وقد ورد في ذلك روايات كثيرة جداً فعن أبي عبد الله الصادق" ع" يقول من تصدق بصدقة دفع الله عنه نحس ذلك اليوم" والحمد لله أولاً وآخراً ..

ـــــــــــــــــــــــ

١-العروة الوثقى ج٥،ص٤٧٩

٢-تهذيب الأحكام ،ج٦،ص٤٠٦،ح ١٦٢٨

٣-من لا يحضره الفقيه ج٣، ص٣٩٤،ج٤٣٨٨

٤-عيون أخبار الرضا ج٢،ص٢٦٠،ح٣٦

٥-معجم رجال الحديث ج١٧، ص٤٧، ح١٦٦٦

٦-تفسير الميزان ج١٩،ص٧٣

٧- نهج البلاغة ج١ ص١٢٨

٨-تفسير الميزان ج١٩، ص٧٤

٩- المصدر السابق

١٠- سورة الطلاق آية ٣، وآل عمران ١٥٩،

١١- جامع السعادات ج٣، ١٧٧


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد قاسم الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/12/09



كتابة تعليق لموضوع : نحوسة الأيام في المنظار الفقهي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net