حقبَ أمتعتهُ ليغادر المدينة التي ولد ونشأ وترعرع فيها..!
كَانَ يعملُ مفسرًا للأحلام
يُردد على مسامع قاصديه..
الحلمُ مسرح أفكاركمْ ومشاعركمْ
ورغباتكمْ المكبوتة التي لا تستطيعون تحقيقها بالواقع
حضر إليه مسؤول رفيع في الحكومة المحلية للمدينة التي يسكن فيها
قال له المسؤول: إني رأيت في المنام كأني أؤذن؟
طلب من المسؤول أن يبعد مرافقيه وحرسه الشخصي لكي يفسر حلمه
استغرب المسؤول من طلبه هذا..؟!
أجابهُ المفسر بالقول:-
إن التفسير لرؤياك ينطوي على شيء من الإحراج.
أصدر المسؤول توجيها لمرافقه الأقدم بإبعادهم
واختلا المفسرُ بالمسؤول..
همس المفسر بأذنه:ـ
سيدي الكريم، إنك سارق..!
ضحك المسؤول قائلاً:ـ
كيف..؟
أجابهُ المفسر:ـ
ألم تقرأ قوله تعالى في محكم كتابه الكريم:ـ
((ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ)) {يوسف/70}
علقَ المسؤول بالقول:ـ
ولماذا طلبت مني إبعاد حاشيتي؟
قال المفسر:ـ حفاظاً على هيبتك سيدي الكريم، فأنت اليوم رئيس للسلطة التنفيذية..؟!
ردّ المسؤول باستهزاء واستخفاف مخاطباً مفسر الأحلام..
اطمئن أيها العبقري، انهم أدواتي لتحقيق الرؤيا..!!
الأديب والأخرس:
مرّ الأديب البارع ذات صباح باكر؛ لزيارة المحفل الثقافي، فألقى الباب مغلقاً،
انتحى ناحية مقهى مجاور.
جلس الى جانب شخص، بدا له أول الأمر أنه من عارفيه، حين وجدهُ يقف على قدميه بكل الاحترام والتقدير، فاسحاً له المجال بالجلوس، والبشر طافح على وجهه
وما كان للأديب أن حدثهُ، حتى علم أنه أخرس؟
ولكن هذا الأمر لم يكن يمانع من أن يتجاذبا أطراف الحديث بالإشارات والايماءات، ويُشرق أحدها ويُغرب الآخر، ويصعدا وينزلا بأيدهمْ، واتجاهات عيونهمْ، وما كان يظهر على سحناتٍ وجوههم من تغضن وبشر وانطلاق وسرور، ويطولُ الحديثُ بينهما، وهما لا يدريان، أكان صحيحاً ما يفسره أحدهما للآخر من إشارات؟
وهل كان حقاً ما كان يُفهم من قول أحدهم للآخر بطريق الايماءة والاشارة؟ وحركة اليدين، واستخدام تعابير الوجه لنقل المعاني والمدلولات المختلفة، لكن الاثنين كانا منسجمين متوادّين متآلفين، وقد أنس أحدهما بالآخر، وزاد أُنسهما ليستغرقا في الضحك الطويل، حتى كان الأخرس يضرب بكفه على فخذ الأديب من شدة الضحك
لدرجة يحس الأديب بها الألم، فيجمع رجله وينكمش ولا يتمالك نفسة من الضحك هو الآخر..!
ولا يهم الطرفين الأديب والاخرس بعد ذلك إن كان هذا الذي يعنيه احدهما
وانشرحتْ له أساريرُ الآخر.
ابتسامة ممزوجة بالحزن حتى المثوى الأخير:
أخذ منها كل ما يريد.
لم تبخل معه يوما قط.
في كل محطة من حياته يحتاجها فيها ليشيد عرش حياته
تقدم له يد مبسوطة بالعطاء والسخاء، وهي تشعر بالغبطة والسرور.
تحزن لفراقه، وتتشوق لعودته ورؤيته، لكنه لا يمر إلا إذا اقتضت مصلحته وأنانيته.
كان يقابلها بعقوق منقطع النظير.
في اللقاء الأخير، استقبلته بابتسامتها المعهودة ممزوجة بشيء من الحزن والأسف؛
لأنها المرة الوحيدة التي لا تستطيع أن تقدم فيها شيئاً له.
بعد أن سلبها كل نعمها، وما بقيت سوى جثمان يحث السير ليوارى الثرى.
قال لها على غير عادته:
إني بعد كل هذه السنين التي انقضت وانصرمت
وبعد أن جردتك من كل ما تملكين، لا ابتغي اليوم سوى حنان حضنك الدافئ..
ردت عليه: مرحى بك، هلمّ معي فأنا ذاهبة إلى مثواي الأخير.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat