يمكن للمخرج ضمن التصور الإسلامي أن يوظف جميع الأشكال الفنية المناسبة والهادفة، بشرط ألا تتناقض تلك الأشكال والتجارب السينوغرافية مع تعاليم الشرع الإسلامي، إذ يمكن للمخرج والسينوغراف معاً أن يوظفا السينوغرافيا الواقعية أو الطبيعية أو الرمزية أو التاريخية أو الأسطورية أو التكعيبية أو المستقبلية أو التراثية... ولكن في انسجام تام مع روح الإسلام، ويمكن أن نستثمر اللوحات التشكيلية والإكسسوارات الهادفة والجداريات المعبرة الدالة، والبعيدة عن العبث واليأس والنظرة السوداوية أثناء تقديمها للعروض الدرامية الجادة والمسؤولة.
ويمكن للمسرح الإسلامي أن يستعين بالتكنولوجيا المعاصرة والإعلاميات الرقمية الدقيقة في بناء الديكور والمناظر والتأثيث الدرامي، كما يمكن له أن يعمد إلى عرض مجموعة من العروض المسرحية، والأشكال الدرامية الفطرية الواعية واللاواعية، كأن يستفيد من الممارسات الطقسية الفلكلورية والعروض الكرنفالية، واستحضار المشاهد الاستعراضية الفنية والجمالية الهادفة، واسترجاع عبر الحبكة الفنية والإيحائية والدراما الملاحم والمعارك والبطولات التاريخية الإسلامية اليانعة، وتمثيل حياة الأئمة والصحابة والشخصيات التي خدمت الإسلام سواء من قريب أم من بعيد على مستوى التشخيص.
كما ينبغي لهذا المسرح أن يستهدي بالموسيقى الروحانية، والأوراد الصوفية، والابتهالات الدينية، والمدائح النبوية، وتشغيل المؤثرات الموسيقية المحلية المعبرة، مع التركيز السينوغرافيا على الإضاءة السيميائية المعبرة التي تتأرجح بين الظلمة والنور للتعبير أخلاقياً وعقائدياً عن ثنائية الضلالة والهداية، ويمكن أن تستعين المسرحية الإسلامية بكل أنواع الإضاءة اللونية للتعبير الأدائي، وتبيان التحرك الدرامي وتحديد الدور تمركزاً وتموقعاً وتموضعاً وتخطيطا، وكل ذلك بطبيعة الحال من أجل تشخيص المواقف الدرامية الجادة والهادفة.
ويشترط في المسرحية أن تكون وظيفية ومعبرة وأخلاقية وهادفة من حيث المعنى والمبنى، فلا ينبغي أن نوظف الجسد بأي حال من الأحوال في إثارة الغرائز، وتهييج الأهواء من أجل التأثير سلباً على المتلقي والراصد على حد سواء.
يشترط في المخرج ضمن التصور المسرحي الإسلامي أن ينطلق في إخراجه من نص هادف وجاد، فيحوله إلى عمل درامي ذي منبع إسلامي، وبالتالي، يشكل هذا المنطلق أو المصدر في الحقيقة رؤية متكاملة ومتوازنة، كما يعد نسقاً متكاملاً يشمل الحق والخير والجمال، فتتداخل فيه الصياغة والدلالة والقصدية بشكل متماسك اتساقاً وانسجاماً.
وعلى المخرج المسرحي، أيضاً، أن يتقن عمله باستمرار وبشكل جيد، فينتقي الممثلين الملتزمين والممثلات المتحجبات، ثم يدرب الجميع على التمثيل البناء الصادق والتشخيص الهادف، على مستوى الأداء الداخلي الصادق، أو يلتجئ إلى الأداء الخارجي لتقديم العرض المسرحي، أو يستفيد من النظريات القائمة على التغريب أو عدم الاندماج الواعي اليقظ .
هذا ويستلزم الواجب المنطقي والفني والجمالي والعملي في هذه الأداءات التشخيصية والدرامية على أن نحقق التطهير الأخلاقي، والتغيير السلوكي، ومداواة النفوس من أمراضها ووساوسها وأحقادها الدفينة، وتحريرها من عقدها الشعورية واللاشعورية؛ لأن المهم في المسرح الإسلامي هو الرسالة الإنسانية الهادفة قبل كل شيء، فالتقنيات في هذا المسرح الهادف والبناء ليست في الحقيقة سوى مكملات فنية وجمالية.
ويستحسن أن يكون المخرج مرناً في تعامله مع الممثلين بدون ممارسة لسلطة القمع والإخضاع والتجبر والإقصاء، فيشجع ممثليه الأكفاء على الخلق والابتكار والإبداع، ثم يساعدهم على الموقع الحسن، والموقف الجيد، والظهور في أحسن الحالات التشخيصية البناءة والهادفة.
كما ينبغي على المخرج أن يبتعد عن الاجترار والمحاكاة والتقليد، بل عليه أن ينتقل مباشرة إلى مرحلة التفسير والاجتهاد والإبداع والابتكار، ولن يتحقق له ذلك إلا بالانطلاق من رؤية التأصيل والبحث عن الذات، وتوظيف القالب الجمالي العربي الإسلامي في الفن والجمال والزينة، فيوظف جميع الأشكال الاحتفالية والطقسية المعروفة في تراثنا العربي والإسلامي كفن لعبة البقال (البقال بازي)، والقصة خون، ومسرح المقامات، وخيال الظل، ومسرح الراوي الشعبي، ومسرح الأخبار والفكاهات والحكايات الشعبية... الخ.
وبذلك، يذهب المفكر والباحث العراقي عمر محمد الطالب إلى أن المسرح العربي الإسلامي ليس حديث العهد، بل هو مسرح موغل في القدم، فيصرح قائلاً: (إن ما يؤكد وجهة نظرنا بوجود مسرح عربي إسلامي قديم، أن المسرح الحديث تأثر تأثراً كبيراً بالتراث العربي حيث وجدوا في القصص الشعبية كألف ليلة وليلة، والسير التاريخية الشعبية مادة أولية جاهزة تعينهم على تحقيق الهدف الذي ينشدونه في المسرح، نعني تحقيق التسلية والترفيه، وذلك لما في هذه القصص من مغامرات عجيبة وموضوعات مثيرة، وأجواء خيالية حافلة بعناصر التشويق والمفاجآت التي تتوجه إلى فضول المشاهد، وتخلق عدة عوامل منها: الدهشة والتوقع والانتظار، ومن ثم المتعة والسرور...
ومن الواضح أن أغلب هذه القصص التي قامت عليها العروض المسرحية كانت قصصاً شائعة معروفة لدى الجمهور الذي ما برح يجد متعة كبرى حين يرى هذه القصص التي يعرفها جيداً، تمثل أمامه في المسرح).
ولا يعني هذا أن المخرج ينبغي أن ينطوي على ذاته وتراثه شكلاً ومضموناً، بل عليه أن ينفتح أيضاً على التجارب الدرامية العالمية والأشكال الفنية توظيفاً واستثماراً، وتتطور هذه التجارب بشكل سريع بفضل مؤهلات التكنولوجيا المعاصرة والثورة الرقمية المعاصرة.
المصــادر والمراجـــع:
• الدكتور جميل حمداوي - من أجل نظرية مسرحية اسلامية جديدة.
• أحمد ظريف - فلسفة التجاذب في الفن المسرحي.
• حكمت صالح - نحو مسرح إسلامي معاصر.
• عمر محمد الطالب - ملامح المسرحية العربية الإسلامية.
• محمد عزيزة - الإسلام والمسرح.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat