دكتور منصور محمد حسب النبي، استاذ ورئيس قسم الطبيعة الأسبق، كلية البنات، جامعة عين شمس
البصرة: دار الزهراء للنشر والتوزيع
(والكتاب ترجمة لكتاب The Glorious Quran and Modern Science بقلم المؤلف نفسه). ويذكر الكاتب أن باعثه لتأليف كتابه الأصلي دعوة غير المسلمين لدين الاسلام وذلك باستخدام الاسلوب الموضوعي القائم على تبيان الاعجاز العلمي للقرآن بما يثبت نبوة الرسول الكريم(صلى الله عليه واله) لكل من ينكرها. كما يساعد المسلمين في ايجاد اجوبة علمية لكثير من التساؤلات لأثبات أن الاسلام دين علم لاسيما وأن عصرنا لا يؤمن بغير العلم لغة ووسيلة للتخاطب الذي يفضي إلى الاقناع.
وقد نشأت فكرة الكتاب من اعتناق المؤلف لعقيدة الاسلام- كما يقول. وكذلك من خلال ما قام به الجراح الفرنسي الدكتور موريس بوكاي في كتابه(الانجيل والتوراة والقرآن والعلم) عام 1976.
ومما لا شك فيه أن المعارف العلمية الحديثة تيسّر فهم بعض الآيات القرآنية التي لم تنل تفسيرا دقيقا حتى وقت قريب. وهذه حقيقة تؤكد على المصدر الالهي للقرآن ومن المتعذر أن يكون من وضع البشر.
والقرآن يختلف عن الكتب السماوية السابقة في كونه يدعو إلى المواظبة على الاشتغال بالعلم من خلال احتوائه على تأملات تخص الظواهر الطبيعية وبصورة تتفق مع معطيات العلم الحديث. فهو يحتوي على أكثر من سبعمائة آية ترتبط بالعلوم بصفة عامة. كما أنه يكرم العلماء. هذا ناهيك عن أن الرسول الكريم(صلى الله عليه واله وسلم) يعد العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.
كوكب الأرض
ثمة آيات في القرآن الكريم تثير دهشة القارئ في القرن العشرين وما بعده. فمثلا قوله تعالى في سورة الزمر الآية 5، هنالك اشارة واضحة للشكل الكروي للأرض ودورانها حول نفسها: (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ). كما أن الاعتقاد الخاطئ الذي كان سائدا حتى في القرون الوسطى فيما بعد يشير إلى كون الأرض ثابتة وأن الشمس تدور حولها، لم يظهر في القرآن الكريم مطلقا. تأمل الآيات التالية:
(يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا)( الأعراف| 54)، (وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ)(يس| 37)، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيْلَ فِى ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِى ٱلَّيْلِ)(لقمان| 29)، (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ)( النور| 44).
وفي الآية 40 من سورة يس: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) يذكر القرآن أمرا جليا ألا وهو وجود مدار لكل من الشمس والقمر، وهو ما لم يُكتشف إلا حديثا. كما أن التعبير(أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا) في الآية 24 من سورة يونس، يشير إلى لحظة تكون نهارا في أح نصفي الكرة الأرضية وليلا في النصف الآخر منها.
هذا ناهيك عما يذكره القرآن الكريم من مدّ الظل والمشرق والمغرب والمشارق والمغارب مما يشير صراحة إلى دوران الأرض حول الشمس، مما يضيق المجال عن ذكره هنا.
الجبال
كشفت دراسة الزلازل عن وجود ثلاث طبقات لباطن الأرض هي القلب والرداء والقشرة. ويتكون القلب من مادتي الحديد والنيكل في حالة صلبة ودرجة حرارة تصل إلى خمسة آلاف درجة مئوية. ويبلغ القلب في المركز نصف قطر مقداره 800 ميل، ثم يليه القلب الخارجي بسمك 1350 ميلا ويكون فيه الحديد والنيكل بحالة سائلة. ويبلغ سمك الرداء 1800 ميلا ويقع بين القلب الخارجي والقشرة. ويتكون الرداء من صخور منصهرة . ويبلغ سمك القشرة بين 20 إلى 25 ميلا، لكنه يزداد إلى الضعف تحت الجبال العالية.
وتحدث في القشرة ظاهرة الالتواءات التي تكوّن سلاسل الجبال orogensis، حيث يكون الجبل مرتبطا ومثبتا بأساس ممتد في عمق القشرة الأرضية داخل الرداء. وذلك واضح في قوله تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا)(النبأ| 6-7). فالوتد قطعة خشب أو حديد تستخدم لتثبيت الخيمة. وتكمن أوجه التشابه بين الجبال والأوتاد في كون الأوتاد تغوص تحت الأرض بقوة الطَّرق، في حين تغوص الجبال تحت الأرض بقوة الجاذبية. كما أن الأوتاد تمسك بالخيمة وتثبتها، في حين تعمل الجبال كهيكل عظمي يمسك بأنسجة الأرض التي تحيط به. ناهيك عن أن الجبال تساهم في تثبيت الغلاف الجوي وتكنعه من الهروب.
ومن حيث التوازن، يؤكد العلماء على ظاهرة الاتزان الايسوستاتيكي الذي يعني طفو الكتل القارية والجبال الأقل كثافة على طبقة في باطن الأرض أكبر كثافة، كرسو السفن. ومن الغريب أن يشار إلى ذلك بدقة في الآية 32 من سورة النازعات:(وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا) وفي الآية 15 من سورة النحل: (وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ).
فكيف يعجز الانسان عن ادراك الهدف من وجوده في الحياة وهو يرى هذه الحقائق العلمية التي تبرر وجود الأشياء من حوله؟
والجبال عوامل توازن للأرض التي نعيش عليها كيلا تميد وتتأرجح، كما في نص الآية 15 من سورة النحل: (وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ) أي تضمن استقرار الأرض.
والفعل (ألقى) يشير إلى الجبال الرسوبية التي تتكون بالقاء الرواسب وتراكمها طبقة فوق أخرى. وقد يشير إلى ما يلقى من السماء من نيازك ضخمة وهو ما أشار إليه العالم الجيولوجي الفاريز من جامعة كاليفورنيا عام 1979.
كما أن القرآن الكريم استخدم الفعل(جعل) كما في الآية 31 من سورة الأنبياء: (وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ) وهو يشمل جميع أنواع الجبال الرسوبية والنارية.
ثمة علاقة بين الجبال العالية والماء العذب، كما في الآية 27 من سورة المرسلات: (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَٰسِىَ شَٰمِخَٰتٍۢ وَأَسْقَيْنَٰاكُم مَّآءً فُرَاتًا). فقمم الجبال تعمل عمل الاسفنج في تجميع الماء العذب وتخزينه وترشيحه. فارتفاعات قمم الجبال العالية تساعد في تكثيف بخار الماء في الهواء الرطب تحت درجة حرارة منخفضة فيتكثف الماء على هيئة ثلوج تغطي تلك القمم. ثم ينصهر الثلج تحت الطبقات الثلجية المتراكمة ويتحول إلى ماء عذب منحدرا من السفوح مكونا الأنهار في الوديان الخصبة التي تعد أصلح الأماكن لشق الطرق. ويشير القرآن الكريم إلى ذلك في الآية 15 من سورة النحل بوضوح جلي: (وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون).
أما عن حركة الجبال، فيقرر القرآن حقيقة جلية تخص الجبال في قوله تعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)(النمل: 88). وفيها اشارة إلى ثلاثة أشياء:
- تعرية الأرض: فقد أكد علماء طبقات الأرض(الجيولوجيا) مثل جيمس هاتون وتشارلز لايل على التغير التدريجي المستمر لسطح الأرض عبر الأحقاب الجيولوجية الطويلة uniformitarianism وهو ما أثار جدالا مع رجال الكنيسة في القرن السابع عشر فقد ظنوا أن نظرية هاتون تعطي انطباعا عن خطأ الإنجيل. كما أن الآية 88 من سورة النمل: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)تشير إلى التقدير الالهي الذي يتقن كل شيء بإحكام. فالجبال ليست دائمة، بل أنها تتشكل وتزول عبر ملايين السنين، وقد تزول فجأة في الكوارث الطبيعية.
- حركة الأرض: وفي الآية 88 من سورة النمل التي مر ذكرها ما يشير إلى كون حركة الجبال دليلا على حركة الأرض. وهذا ما لم يجري التعرف عليه الا في العصر الحديث. فقد كان الاحساس العام منذ زمن بطليموس في القرن الثاني الميلادي أن الأرض ساكنة، وهي مركز الكون، وبقي سائدا حتى جاء كوبرنيكوس في القرن السادس عشر القائل بمركزية الشمس وليس الأرض. واصطدم العلم مع رجال الكنيسة، فحوكم جاليليو وغيره من العلماء.
فالأرض وما عليها تتحرك كما تشير الآية المذكورة. كما أن ثمة حركات أخرى للأرض: حول محورها وحول الشمس وحول مركز المجرة. قال تعالى في الاية 38 من سورة يس: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).
-تحركات القشرة الأرضية(إزاحة القارات): يتكون سطح الأرض من الداخل من طبقتين: طبقة الليثوسفير بسمك 60 ميلا، وطبقة الاثينوسفير. فتتحرك القارات بجبالها على ألواح ضخمة (الليثوسفير) على طبقة الأثينوسفير بما يسمى زحزحة القارات.
وقد فسّر القدماء هذه الآية على أنها تعبّر عما سيحدث يوم القيامة حين تزول الجبال كالسحاب.
أصل الجبال وعمرها: ولو تساءلنا عن عمر هذه الجبال، فقد يقال هو عمر الأرض. بيد أن تاريخ بعض الجبال يعود إلى زمن الالتواءات والانثناءات وقوى الرفع. فقد دلت الدراسات الجيولوجية على أن معظم الجبال بدأت بتكوين الأحواض الرسوبية عبر أحقاب زمنية طويلة. فقد نشأت من تراكم الرواسب وحمم لافا البراكين والصخور الجرانيتية والبازلتية في قيعان البحار القديمة، ثم انضغطت بقوى هائلة أدت إلى بروز الصخور فوق السطح لتصبح جبالا شامخة. فكانت ألواح القشرة الأرضية(الليثوسفير) تتحرك طافية على طبقة الأثينوسفير. ومن هنا جاءت التسمية في القرآن الكريم(الجبال الرواسي) أو الراسية أي الطافية.
لو تأملنا الآيات الثلاث التالية: 16-19 من سورة الحجر: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) والآيتين 6-7 من سورة ق: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) والآيتين 2-3 من سورة الرعد: (الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنونوَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) هنالك وصف لعملية معينة مشتركة وأساسية عن مد الأرض قبل إنشاء الجبال. وهنالك إشارة في آيات سورة الحجر للخلق الأول للجبال(تقدر حاليا قبل 570 مليون إلى 400 مليون سنة). وفي آيات سورة ق إشارة إلى مد الأرض وإلقاء الرواسي (قبل 250 مليون إلى 400 مليون سنة). وفي آيات سورة الرعد إشارة إلى الجبال الحديثة (منذ 650 مليون سنة). فذكر الأنهار والثمرات يوحي بالتضاريس الحديثة.
وبهذا فيشير القرآن إلى اختلاف أعمار الجبال. وعندما يقول سبحانه في الآية 21 من سورة الحشر: (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، فهو يؤكد أن الجبال رغم ارتفاعها وصلابة صخورها، تخر متواضعة أمام هذا القرآن. فثمة سبب لذلك المثل، كما يقول سبحانه في سورة العنكبوت الآية 43: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ).
هذا غيض من فيض. فالكتاب مفعم بالمعلومات المستمدة من القرآن الكريم بما يتوافق مع ما توصل إليه العلم الحديث.
قراءة
أ د حميد حسون بجية
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat