صفحة الكاتب : د . حميد حسون بجية

أبو ذر الغفاري سالك طريق الحق الذي لم توحشه وحدته
د . حميد حسون بجية

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

هو جندب بن جنادة (رضوان الله عليه)(... -32 هجرية| .... – 652 ميلادية)
قال عنه رسول الله (صلى الله عليه واله):
- ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر.
- رحم الله أبا ذر، يعيش وحده، ويموت وحده، ويحشر وحده.
- في أمتي أبو ذر شبيه عيسى بن مريم في زهده. من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر.

هو جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد، من بني غفار، من كنانة بن خزيمة. وهو من كبار الصحابة. وقيل أنه رابع من أسلم، وقيل خامسهم. وهو أول من حيا رسول الله(صلى الله عليه واله) بتحية الإسلام. استخلفه الرسول(صلى الله عليه واله) على المدينة في أثناء عمرة القضاء سنة 7 هجرية.
خبر إسلامه:
لما بلغ أبو ذر مكة، قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي واعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء... . ولما رجع الأخ إلى أبي ذر، قال: رأيته يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويأمر بمكارم الأخلاق وسمعت منه كلاما ما هو بالشعر. لكنه لم يدرك بغيته فيما قال له أخوه. فذهب بنفسه ملتمسا النبي في المسجد. لكنه كره أن يسأل. فالتقى الامام علي(عليه السلام) فدلَّه على النبي(صلى الله عليه واله). فعرض عليه النبي(صلى الله عليه واله) الاسلام ، فأسلم. ثم قال له النبي(صلى الله عليه واله): ارجع إلى قومك فأخبرهم واكتم أمرك عن أهل مكة. فقد كان النبي(صلى الله عليه واله)يخشاهم عليه. لكن أبا ذر قال: والذي نفسي بيده لأصوتُنَّ بها بين ظهرانيهم. فنادى بالشهادتين بأعلى صوته. فثار عليه القوم وضربوه ضربا مبرحا، فخلصه منهم العباس بن عبد المطلب قائلا لهم إن الرجل من غفار حيث طريق تجارتكم إلى الشام. فكررها أبو ذر في اليوم التالي، فضربوه وانقذه العباس منهم. وكان أبو ذر يقول إنه الرابع في الإسلام.
وفي المؤاخاة، آخى رسول الله(صلى الله عليه واله) بينه وبين المنذر بن عمرو، وقيل بينه ونين سلمان الفارسي(رضوان الله عليهما). وقيل أن الرسول (صلى الله عليه واله) اشترط عليه ألا يعصي سلمان.
هاجر بعد وفاة النبي إلى بادية الشام. عاد عندما ولي عثمان الخلافة. سكن دمشق، وكان ديدنه تحريض الفقراء على مشاركة الأغنياء في الأموال. فشكاه معاوية والي الشام آنذاك إلى عثمان. استقدمه الأخير إلى المدينة. فقال لعثمان: (إنه لا ينبغي أن يقال مال االله ولا ينبغي للأغنياء أن يقتنوا مالا.) فكان جواب عثمان: (يا أبا ذر عليّ أن أقضي ما اليّ وآخذ معلى الرعية ولا أجبرهم على الزهد وأن أدعوهم إلى الاجتهاد والاقتصاد). فاستمر أبو ذر في دعوته. لذلك أمره عثمان بالرحيل إلى الربذة حيث مات. وعندما أمره بالرحيل، نودي ألا يكلم أحد أبا ذر، ولا يشيعه. وخرج معه مروان بن الحكم. لكن الامام علي(عليه السلام) وعقيل والحسن والحسين (عليهما السلام) وعمار خرجوا يشيعونه. فاعترض على ذلك مروان. فحمل عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) وضرب بالسوط بين أذني راحلته وهو يقول: تنح لحاك الله إلى النار. فأخبر مروان عثمان فاستنكر ذلك.
قال له أمير المؤمنين (عليه السلام) قولته الشهيرة وهو يودعه إلى منفاه: (يا أبا ذر، إنك غضبت لله فارجُ من غضبتَ له. إن القوم خافوك على دنياهم، وخفتَهم على دينك، فاترك في أيديهم ما خافوك عليه، واهرب منهم بما خفتهم عليه. فما أحوجهم إلى ما منعتَهم، وما أغناك عما منعوك. وستعلمُ من الرابح غداً، والأكثر حُسَّداً. ولو أن السماوات والأرضين كانتا على عبد رتقا ثم اتقى الله لجعل الله له منهما مخرجا، ولا يؤنسنك إلا الحق، ولا يوحشنك إلا الباطل. فلو قبلتَ دنياهم لأحبوك، ولو قرضتَ منها لأمَّنوك.)
وفي الربذة مات ابنه ذر، فوقف على قبره قائلا: رحمك الله يا ذر، لقد كنت كريم الخلق بارا بالوالدين، وما عليّ في موتك من غضاضة... . ثم قال: اللهم إنك فرضت لك عليه حقوقا وفرضت لي عليه حقوقا، فإني قد وهبت له ما فرضت عليه من حقوقي فهب له ما فرضت عليه من حقوقك فإنك أولي بالحق وأكرم مني.
نقل عن أم ذر أن أبا ذر لما حضرته الوفاة، بكت. فقال: ما يبكيك؟ قلت: ما لي لا أبكي وأنت تموت بهذه الفلاة بلا كفن؟ قال: أبشري ولا تبكي، فقد سمعت رسول الله(صلى الله عليه واله) يقول: لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة فيصبران ويحتسبان فيريان النار أبدا وقد مات لنا ثلاثة من الولد. وأني سمعته(صلى الله عليه واله) يقول لنفر أنا منهم: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين.... فأنا ذلك الرجل فوالله ما كذبت ولا كذبت فأبصري الطريق....
ولم يكن أبو ذر يمتلك مالا في بيته ليكفَّنَ به. وفي رواية صلى عليه عبد الله بن مسعود. وقد شهد موته حجر بن عدي الكندي ومالك بن الحارث الأشتر وفتى من الأنصار، وغمّضوا عينيه وغسّلوه وكفّنوه(الأمين، 2003: 118)
روى له البخاري ومسلم 281 حديثا عن رسول الله(صلى الله عليه واله). استقطب اهتمام المفكرين والباحثين، فقد ألَّف عنه البادرائي نقلا عن النجاشي كتابا بعنوان(أخبار أبي ذر). وألف عنه ابن بابويه القمي كتابا بنفس العنوان. كما ألف عنه علي ناصر الدين كتابا بعنوان(أبو ذر الغفاري).

وكان أبو ذر مواليا لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام). قيل أنه مرض فأوصى إلى علي (عليه السلام). فلما سئل عن ذلك، قال: والله لقد أوصيت إلى أمير المؤمنين حق أمير المؤمنين! والله إنه للربيع الذي يُسكن إليه ولو قد فارقكم، لقد أنكرتم الناس وأنكرتم الأرض. فهو-أي علي- أحب إلي لأنه الأحب إلى رسول الله(صلى الله عليه واله).
ولا بد من أن نذكر أن أبا ذر ظل وفيا لآل بيت النبوة في حياته وبعد مماته. فهذا مولاه جون الذي فارقه بعد موته، لكنه وفى لما توقعه منه أبو ذر، أبى أن يفارق الحسين(عليه السلام) في يوم محنته. لقد وفى جون لرسول الله(صلى الله عليه واله) ليموت ذودا عن أبنائه ونسائه وتعاليمه. لقد التمس له الحسين(عليه السلام) العذر: أنت إنما تبعتنا للعافية فلا تبتل بطريقتنا. فقال جون(رضوان الله عليه): أنا في الرخاء على قصاعكم وفي الشدة أخذلكم؟! فقتل بين يدي الحسين(عليه السلام) محققا هدف سيده أبي ذر الذي رباه على مبادئ الإسلام الحقة.

رسالته إلى حذيفة بن اليمان
كتب أبو ذر كتابا إلى حذيفة بن اليمان يشكو إليه ما صنع به عثمان:
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد يا أخي . فَخَف الله مخافة يكثر منها بكاء عينيك، وحرِّر قلبك، وأسهر ليلك، وانصَب بدنك في طاعة الله. فحق لمن عَلِم أن النار مثوى من سخط الله عليه، أن يطول بكاؤه، ونَصَبُه، وسهر ليله، حتى يعلم أنه قد رضي الله عنه. وحق لمن علم أن الجنة مثوى من رضي الله عنه، أن يستقبل الحق كي يفوز بها ، ويستصغر في ذات الله الخروج من أهله وماله، وقيام ليله، وصيام نهاره، وجهاد الظالمين الملحدين بيده ولسانه، حتى يعلم ان الله أوجبها له، وليس بعالِم ذلك دون لقاء ربَّه. وكذلك ينبغي لكل من رغب في جوار الله، ومرافقة انبيائه، أن يكون .
يا أخي، أنت ممن أستريح الى التصريح اليه ببثي وحزني. وأشكو اليه تظاهر الظالمين علي .إني رأيت الجور يعمل به بعيني وسمعته يقال، فرددته فحرمت العطاء وسيرت إلى البلاد، وغربت عن العشيرة والإخوان، وحرم رسول الله(صلى الله عليه واله).
وأعوذ بربي العظيم أن يكون مني هذا شكوى أن ركب مني ما ركب، بل أنبأتك أني قد رضيت ما أحب لي ربي وقضاه علي، وأفضيت ذلك إليك لتدعو الله لي ولعامة المسلمين بالروح والفرج وبما هو أعم نفعا وخير مغبة وعقبى والسلام.
فأجابه حذيفة:
بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد يا أخي فقد بلغني كتابك تخوفني به، تحذرني فيه منقلبي، وتحثني فيه على خط نفسي، فقديما يا أخي كنت بي و بالمؤمنين حفيا لطيفا، وعليهم حدبا شفيقا، ولهم بالمعروف آمرا، وعن المنكرات ناهيا، وليس يهدي إلى رضوان الله إلا هو، لا إله إلا هو، ولا يتناهى من سخطه إلا بفضل رحمته وعظيم منه، فنسأل الله ربنا لأنفسنا وخاصتنا وعامتنا وجماعة أمتنا مغفرة عامة ورحمة واسعة، وقد فهمت ما ذكرت من تسييرك يا أخي وتغريبك وتطريدك، فعزَّ والله علي يا أخي ما وصل إليك من مكروه، ولو كان يفتدى ذلك بمال لأعطيت فيه مالي، طيبة بذلك نفسي، يصرف الله عنك بذلك المكروه، والله لو سألت لك المواساة ثم أعطيتها لأحببت شطر ما نزل بك، ومواساتك في الفقر والأذى والضرر، لكنه ليس لأنفسنا إلا ما شاء ربنا، يا أخي فافزغ بنا إلى ربنا، ولنجعل إليه رغبتنا، فإنا قد استحصدنا، واقترب الصرام، فكأني وإياك قد دعينا فأجبنا، وعرضنا على أعمالنا فاحتجنا إلى ما أسلفنا، يا أخي ولا تأس على ما فاتك، ولا تحزن على ما أصابك، واحتسب فيه الخير، وارتقب فيه من الله أسنى الثواب، يا أخي لا أرى الموت لي ولك إلا خيرا من البقاء، فإنه قد أظلتنا فتن يتلو بعضها بعضا كقطع الليل المظلم، قد ابتعثت من مركبها ووطئت في حطامها، تشهر فيها السيوف، وينزل فيها الحتوف فيها يقتل من اطلع لها والتبس بها، وركض فيها، ولا تبقى قبيلة من قبائل العرب من الوبر والمدر إلا دخلت عليهم، فأعز أهل ذلك الزمان أشدهم عتوا، وأذلهم أتقاهم، فأعاذنا الله وإياك من زمانٍ هذه حال أهله فيه، لن أدع الدعاء لك في القيام والقعود والليل والنهار، وقد قال الله ولا خلف لموعوده: " ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" فنستجير بالله من التكبر عن عبادته، و الاستنكاف عن طاعته، جعل الله لنا ولك فرجا ومخرجا عاجلا برحمته، والسلام عليك.
من أقواله:
- يا باغي العلم إن هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شر، فاختم على فمك كما تختم على ذهنك، وعلى ورقك.
- يا أيها الناس إني لكم ناصح، إني عليكم شفيق، صلوا في ظلمة ليل لوحشة القبور، صوموا في الدنيا لحر يوم النشور، تصدقوا مخافة يوم عسير. - سئل (رضوان الله عليه): يا أبا ذر ما لنا نكره الموت؟ فقال: لأنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة، فتكرهون أن تنتقلوا من عمران إلى خراب!
يعدّ أبو ذر أول اشتراكي في الإسلام، قال بأنَّ للفقراء حقا في أموال الأغنياء. بل لعله أول اشتراكي طاردته الحكومات. فاجتمع كثير من الفقراء حوله. فأثار ذلك حفيظة عثمان بن عفان، كما ذكرنا، فنفاه إلى الربذة حيث توفي(رضوان الله عليه).

المصادر:
-الأمين، السيد محسن 2003 أبو ذر الغفاري الصحابي المجاهد. بيروت: دار المرتضى.
- بعلبكي، منير 1995 موسوعة المورد. المجلد الأول. بيروت: دار العلم للملايين.
- الزركلي، خير الدين 2007 الأعلام: قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين. الجزء الثاني. بيروت: دار العلم للملايين.
- الموسوعة العربية الميسرة المجلد الأول 2001 بيروت: دار الجيل.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حميد حسون بجية
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/05/04



كتابة تعليق لموضوع : أبو ذر الغفاري سالك طريق الحق الذي لم توحشه وحدته
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net