الحضارة السومرية وأصولها... نقاشات مشروعة
احمد العبيدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
احمد العبيدي

إن الأدلة لا يمكن أن تؤيد كون العرب هم أصل للشعوب السامية القريبة منها في المكان واللغة، فكيف بالشعوب البعيدة والحضارات الكبيرة في كل بقاع الأرض، وحتى بعض التعاطف الديني، الذي كان السبب في وضع مثل هذه الرؤى في كتب السيرة مثلاً، حيث جعلوا آدم (ع) يتكلم العربية مرة، ومرةً أن (يعرب) كان أول من أعرب لسانه، وتكلم بهذا اللسان العربي (وهو رأي القحطانيين) الذين يقولون: إن العدنانيين قد تعلموا منهم العربية، ومرة يقولون: إنها من تعليم الله لإسماعيل (ع)، وكان أول من فتق لسانه بالعربية وهو ابن 14 سنة، هي مجرد وجهات نظر شخصية، لم تثبت بأنها من الواجبات الدينية، ولصق العربية بالنبي إسماعيل (ع)، يبدو انه الأقرب للواقع من الناحية الزمنية؛ لأن النبي إبراهيم (ع) نشأ في مدينة (أريدو) السومرية في عصورها المتأخرة، فربما يكون إسماعيل (ع) وضع، وصحح، وهذب لغة أهل الجزيرة، بعد أن وصل إليهم وسكن هناك، فتبلورت على يديه اللغة العربية المتطورة التي أصبحت هي لغة العرب الرسمية، والتي بدأ بها الشعر والأدب يظهر بقوة في العصر الجاهلي، وهنا هل من الممكن أن تكون الحضارة السومرية والمصرية من أصل عربي؟ ونقصد هنا العرب البائدة (قوم عاد).
من المؤكد أن هناك تساؤلاً عن أصل حضارة سومر، ولقد ذهب الباحثون إلى عشرات النظريات لتفسير أصولهم المجهولة، حتى تبلورت أخيراً نظرية الأصل الداخلي، التي أثبتت الحفريات بوجود أقوام هم الفراتيون الأوائل، والدجليون الأوائل، والسوبريون، يسكنون حوض الميزوبوتاميا (العراق القديم، بلاد ما بين النهرين). والمدهش ما عرضه الأستاذ (خزعل الماجدي) في مؤتمر علمي، للكشف عن حضارة السوبريين.
وفي جولة سريعة في كتاب (المفصل)، سنجد موسوعة متكاملة عن العرب البائدة، وشرح دقيق لكل أخبارهم، وما وصل إلينا عنهم، وهنا يذهب الدكتور (جواد علي)، إلى أن قوم عاد، لا يبتعدون بالتاريخ بأكثر من مولد المسيح (ع)، ويؤيد ذلك بتحليلات كثيرة، وسبب التضارب الكبير لهذه الأخبار؛ إنها أخبار قريبة العهد، واعتمدت على القرآن كمصدر وحيد للمعلومات عنهم، وبما أن القرآن لم يخبرنا عن تاريخهم وموقعهم؛ لأنها قصص كانت للعبرة والموعظة، فقد ذهب كل قوم بتحليلاته وفهمه الخاص، بين عاد الأولى والثانية وإرم وثمود، ومكانهم بين اليمن والشام في الأحقاف، وطرق هلاكهم وغيرها.
وبعد البحث عن المصادر التي من المحتمل أن تربط قوم عاد بالحضارات القديمة مثل سومر ومصر، وجدنا بالفعل كتابين يذهبان إلى هذا الرأي، ولم تكن صدفة بأن الكتابين لا يحتويان على معلومات جديدة، أو أدلة آثارية؛ لأنها لو كانت موجودة، لعرفنا الكثير عن تاريخ عاد وثمود، بل هما تأويلات للقرآن الكريم، وهذا طبيعي؛ لأن القرآن للآن هو المصدر الوحيد الموثوق لهذه القصص، الكتاب الأول أسمه (حول رموز القرآن الكريم) لمؤلفه بهاء الدين الوردي، حاول به ربط بلاد سومر بالأصل الجزيري، حيث يقترح في كتابه، أن الساميين ذهبوا في هجرة جماعية إلى العراق، حيث أصبحوا سومريين، والى مصر أصبحوا فراعنة، وفي الشام صاروا الحيثيين، طبعاً وبسبب اختلاف اللغات السامية عن المقطعية والصورية، واجهت هذه النظرية مشاكل أساسية حاسمة.
الكتاب الثاني هو (الفراعنة لصوص الحضارة)، لكاتبه سمير عطا، ويبرهن من خلال تأويله للآيات القرآنية، أن قوم عاد العمالقة، هم من بنى الأهرامات بسبب كبر حجمهم، وأن الفراعنة زوروا النقوش عليها؟ وبما أن هذه الكتب اعتمدت على المصدر القرآني، فيكون الرد عليها وتفنيدها من القرآن وارداً جداً، وعليه سنثبت النقاط التالية:
1- تشير الآيات القرآنية إلى أن قوم عاد قد تم إهلاكهم جميعاً، ولم تبقَ لهم باقية، فوجود الحضارة المصرية والسومرية بهذا الوضوح، هو تكذيب صريح للقرآن الكريم.
2- عدم وجود أي آثار أو إشارات تاريخية مكتوبة عن هؤلاء القوم، هو دليل على صدق القرآن الكريم الذي أخبر عن هلاكهم.
3- كان قوم عاد يسكنون الأحقاف، وهي مرتفع رملي، بينما أرض الرافدين ووادي النيل مناطق زراعية خصبة، وبالعودة إلى المصادر التاريخية نستمر بتفنيد هذا الطرح كالآتي:
1- اختلاف اللغة السامية عن السومرية والمصرية بالجذر العائلي، مصدر حاسم.
2- امتداد الحضارة السومرية قبل الطوفان، بالوثائق والكشوفات الكثيرة، مصدر حاسم أيضا.
3- طبيعة الحياة المدنية المتطورة في سومر ومصر التي تختلف عن حياة العرب وطرق عيشهم بصورة جذرية.
4- اختلاف النظام الديني، والطقوس والعبادات، بشكل جذري.
5- السومريون سكان أهوار وصيّادو سمك، والبدوي في الصحراء له بيئته المعروفة.
6- يتميز السومريون بأحجام صغيرة متوسطة، والآثار في سومر طينية، والمعابد مدرجة (الزقورة)، بينما تفترض النظرية أن قوم عاد عمالقة، لذلك بنوا الأهرام بسهولة.
7- لا يوجد أي ذكر لهم لا من قريب، ولا من بعيد في كل المدونات السومرية والمصرية، ولا بسطر واحد، بينما كانت السجلات المكتشفة في الرقم الطينية، تهتم بجرود المحاصيل الزراعية، أو نقل جندي من كتيبة إلى أخرى.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat