الوحدة النفسية مفهومها أشكالها وأسبابها وعلاجها ح5
فضيلة عرفات محمد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
فضيلة عرفات محمد

قد ترجع الوحدة إلى التكوين النفسي للفرد نفسه؛ حيث يفضل بعض الأشخاص الوحدة والعزلة والانسحاب من معترك الحياة الاجتماعية، أو يفتقدون الشعور بالثقة في أنفسهم أو يشكون في نوايا الآخرين نحوهم، أو يشعرون بالتعالي عن الآخرين، أو لشعورهم بالفقر، أو العجز عن مجاراة زملائهم، أو رفض مخالطة أقران السوء، وقد يكون الشخص الذي يشعر بالوحدة فيه من السمات والخصائص المُنفّرة، مما تجعل الناس ينفرون منه، وينصرفون عنه، ولا يقيمون معه علاقات لإتصافه بالكذب والاستغلال والابتزاز والوشاية والغيبة والنميمة. ويقترح سيرمات (1978): ان مشاعر الوحدة تنتج من الحاجة إلى فرصة الارتباط بآخرين على أساس من الود، وأن يكون الفرد قادراً على التعبير عن أفكاره وعواطفه بحرية تامة، ومن دون خوف من الرفض أو سوء الفهم .أما آدلر (1870-1939) فقد فسَّر الشعور بالوحدة النفسية بأنها: حالة عَرَض مرضي عصابي، يحدث بسبب نقص الاهتمام الاجتماعي للفرد، بحيث يكون غير مرغوب فيه اجتماعياً، ويعبر عنه بأنه خطأ في أسلوب حياة الفرد الذي تكون في طفولته. وفسَّر كارل يونج (1875-1961) الشعور بالوحدة النفسية: عملية تفرد وسعي شخصي، ينمو من خلال العلاقة مع الآخرين ويهدف إلى تكوين ارتقاء البني الأساسية للشخصية وهي (القناع، الظل، الانيما، الانيموس) التي تحدد الصور والرموز النوعية المرتبطة بكل بنية، أي إن الشعور بالوحدة النفسية يعبر عن محاولة للتوافق النفسي مع الحياة .
أما الوحدة النفسية من وجهة نظر نظرية السلوكية؛ فيرى جون واطسون (1878-1958): ان الشعور بالوحدة النفسية نمط سلوكي لم يتوفر له تعزيز اجتماعي إيجابي .أما سكنر (1904) فيعتقد: ان الشعور بالوحدة النفسية سلوك يتخذه الفرد على أساس إدراكه لاستجابات الآخرين في البيئة الاجتماعية .
وقد أوعز أصحاب نظرية التعلم الاجتماعي: الشعور بالوحدة النفسية ناشئ على أساس التعلم بالملاحظة، ويؤدي وظيفة، لأنه سلوك ارتبط بالتعزيز من خلال أنموذج حقق نتائج، وهو عبارة عن إحساس الفرد بضعف فعالية الذات وتوقعه عدم القدرة على السيطرة في المواقف الاجتماعية بجهوده الذاتية .
كذلك كان للعلماء العرب آراؤهم في الصحة النفسية والعلاج؛ ويعد الفيلسوف (ابن سينا) من أوائل المعالجين النفسانيين، وكان (الرازي) من أهم أطباء النفس، وممن استخدم التحليل النفسي في علاج كثير من الأمراض النفسية. اما (الفارابي) فيرى: ان شعور الإنسان بالأمن وتمتعه بالصحة النفسية يأتي من خلال تماسك الجماعة كوسيلة للتخفيف من القلق ولتقويم الذات وتحديد السلوك الصحيح السوي، أما (ابن خلدون) الذي تحدث عن تأثير المناخ ومستوى الخصب وطراز الحكم السائد ومستوى التطور في السمات الشخصية وما ينشأ ذلك من الآثار الجسمية والنفسية على الفرد.
هناك بعض المؤشرات التي تشير إلى التوافق والصحة النفسية للفرد:
1- النظرة الواقعية للحياة:
تجد الفرد مقبلا على الحياة بكل ما فيها من أفراح وأتراح، واقعيا في تعامله متفائلا مقبلا سعيدا متوافقا اجتماعيا نفسيا.
2- مستوى طموح الفرد:
لكل فرد مطامح وآمال، وبالنسبة للمتوافق تكون طموحات الفرد عادة في مستوى إمكانات تحقيقها، ويسعى من خلال دافع الانجاز لتحقيق مطامحه المشروعة في ضوء إمكاناته، ويشير هذا إلى توافق هذا الفرد والعكس هو صحيح .
3- الإحساس بإشباع الحاجات النفسية:
حتى يتوافق الفرد ويتمتع بالصحة النفسية فان احد مؤشرات ذلك ان يحس بأن حاجاته النفسية مشبعة لديه.
4- توافر مجموعة من سمات الشخصية.
علاج الوحد النفسية:
يشير محمد نجاتي (في كتابه الحديث وعلم النفس) إلى أثر الصلاة في جانبها النفسي فيقول: (للصلاة تأثير فعَّال في علاج الإنسان من الهم والقلق، فوقوف الإنسان في الصلاة أمام ربه في خشوع واستسلام وفي تجرد كامل عن مشاغل الحياة ومشكلاتها، إنما يبعث في نفس الإنسان الهدوء والسكينة والاطمئنان، ويقضي على القلق وتوتر الأعصاب الذي أحدثته ضغوط الحياة ومشكلاتها.. ويبعث في النفس الأمل، ويقوي فيها العزم والهمة.. وللصلاة تأثير في علاج الشعور بالذنب الذي يسبب القلق.. وعلى الجملة فإن للصلاة فوائد.. تساعد على شفائه من أمراضه البدنية والنفسية وتزوده بالحيوية والنشاط). ويؤكد ذلك فارس علوان بقوله: (إن الطمأنينة النفسية والسكينة الروحية وشعور الأمن والاستقرار التي تضفيها الصلاة في قلوب المتقين، وألباب الخاشعين، تجعل الأمراض النفسية والشعور بالخوف والقلق والغضب والحزن والوحدة القاتلة والأمراض العقلية كالخرف نادرة الحدوث في مجتمع المصلين، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا من ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} النحل 97.., وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} الأنعام 82, وأما عن غيرهم فقد قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} طه 124، هذه بعض الآثار لهذه العبادة العظيمة, ولحكمة يعلمها الله عز وجل جعلها تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات".
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat