الوحدة النفسية مفهومها أشكالها وأسبابها وعلاجها ح3
فضيلة عرفات محمد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
فضيلة عرفات محمد

اتجه الباحثون إلى دراسة الوحدة النفسية باعتبارها نتاجا للعلاقات الانفعالية والاجتماعية غير المرضية فضلا عن اتسامها بخاصية الإشباع الى جانب ذلك وصف بعض الباحثين الوحدة النفسية بأنها حالة تترسب تدريجيا في نفسية الفرد نتيجة تعرضه لظروف ذات خاصية معينة . كما رأت روكاتش 2004: ان الوحدة النفسية حالة إنسانية حتمية يتعذر الهروب منها يعاني من آلامها بدون استثناء الغني والفقير الحكيم والجاهل، المؤمن بالله والملحد السليم جسميا والعليل في هذا الكون. كما ترى أنه من الممكن أن يكون الإنسان وحيدا بدون أن ينفرد بنفسه ومن الممكن أيضا أن يكون الإنسان منفردا بنفسه، ولا يشعر بالوحدة النفسية لأن الانفراد بالنفس والذي يعني البعد عن الآخرين والأهل والأصدقاء يختلف عن الوحدة النفسية الذي يعاني منها الفرد حتى ولو كان بين أهله وأصدقائه.
- مفهوم الوحدة النفسية
الوحدة النفسية خبرة شخصية مؤلمة يعيشها الفرد نتيجة شعوره بافتقاد التقبل والحب والاهتمام من قبل الآخرين، بحيث يترتب على ذلك العجز عن إقامة علاقات اجتماعية مشبعة بالألفة والمودة والصداقة الحميمة وبالتالي يشعر الفرد بالوحدة بالرغم من كونه محاطا بالآخرين.
والشعور بالوحدة النفسية خاصية مرادفة للانعزال عن الجماعة، ويكون فيها الفرد غير سعيد وتصاحبها مشاعر الحاجة إلى الرفقة والعشرة .ويرى فايس 1973 أن الوحدة النفسية تنجم عن العزلة الاجتماعية، وتكون نتيجة انعدام الروابط الاجتماعية وتعتبر خبرة مؤلمة يصاحبها أعراض التوتر والاكتئاب وعدم الراحة. ويتضح أن هناك تداخلاً بين مفهوم الوحدة النفسية وبين كل من مفهوم الاغتراب والانعزال والاكتئاب والانطواء .وان لكل من هذه المفاهيم عناصر مكونة، أو تسهم في تكوين الوحدة، وان من الخطأ استعمال أي من هذه المفاهيم منفصلة للتعبير عن الوحدة النفسية .
وفيما يأتي توضيح لهذه المفاهيم:
أ- الاغتراب (Alienation) :
وهو اضطراب نفسي يعبر عن اغتراب الذات عن هويتها وعن الواقع والمجتمع، وهو غربة عن النفس وعن العالم، ومن أهم مظاهره (العجز، اللاجدوى، أللانتماء، الانسحاب، الانفصال، السخط، الرفض، العنف، احتقار الذات، كراهية الجماعة، والتفكك) ولها عدة أشكال منها الاغتراب الديني، الاغتراب الفكري، والاغتراب الاجتماعي، والاغتراب الثقافي، والاغتراب التقني، والاغتراب التعليمي .
ب- الاكتئاب: (Depression)
ينشأ الاكتئاب نتيجة للتعب الانفعالي، ويمكن أن تكون خبرة محطمة، وقد تكون تعبيراً عمّا يعانيه الفرد من إرهاق. كما يشير (حامد زهران 1977) إلى أن الوحدة النفسية تُعد أحد أسباب الاكتئاب، وتمثل عرضاً من أعراضه .
جـ. الانعزال: (Isolation)
هو عدم الاتصال بالجماعات البشرية بسبب عوامل جغرافية أو اجتماعية، ويعني عدم مشاركة الفرد في شؤون الجماعة لعدم قدرته أو رغبته في ذلك .
وتتمثل حاجة الفرد للاختلاء بنفسه حاجة ملحة أخرى، وقد يشعر الفرد المنعزل بالقلق المفرط إذا نظر إليه الآخرون، ويؤدي الاكتفاء بالذات والاختلاء بالنفس إلى تطمين حاجته البارزة في الاستقلال التام بذاته .وتمثل العزلة النواحي الأكثر إيجابية لكون الشخص وحيداً. فالوحدة إما أن تكون حالة كيانية مرتبطة بحضور الشخص نفسه، أو حالة عقلية . كما إن الوحدة النفسية مختلفة جدا عن العزلة؛ فالشخص يمكن أن يشعر بالوحدة في الزحام. وتتضمن الوحدة عدم القدرة على كسر الحواجز الاجتماعية والذهنية التي يحيط الناس أنفسهم بها ولكن الوحدة قد تؤثر على الناس مثلما تؤثر العزلة الاجتماعية عليهم .
د- الانطواء :
هو نمط من أنماط الشخصية، والمنطوي فردٌ يُؤثر العزلة والاعتكاف، ويجد صعوبة في الاختلاط بالناس، يقابل الغرباء بحذر وتحفظ وهو خجول، شديد الحساسية، يجرح شعوره بسهولة، وكثير الشك، ويكلم نفسه، يستسلم لأحلام اليقظة، يهتم بالتفاصيل ويضخم الصغائر، دائم التأمل في نفسه وتحليلها، ولديه رغبة في الانعزال والوحدة، ويتجنب التماس مع الواقع إلاّ بأقل قدر لازم .
- أشكال الوحدة النفسية:
1- الوحدة العاطفية:
تنشأ جرّاء الافتقار إلى صلة حميمة ووثيقة بشخص آخر، فالأفراد الذين قد انفصلوا عن أزواجهم بالوفاة أو أنهوا علاقة طويلة، يعيشون هذا النوع من الوحدة النفسية .وكذلك فقدان العلاقات الودودة والحميمة بشخص معين، كالوالدين، أو شريك يشاطر الشخص تجاربه العاطفية العميقة، ويشاركه السكن، ويتحمل معه أعباء ومسؤوليات العمل التي لا يستطيع أن يتحملها بمفرده، قد تؤدي إلى الشعور بالوحدة العاطفية.
2- الوحدة الاجتماعية :
أما هذا النوع من الوحدة فينشأ من الافتقار إلى شبكة من العلاقات الاجتماعية، يكون الفرد فيها جزءاً من جماعة الأصدقاء ويتشاطر معهم مصالح واهتمامات مشتركة والأفراد الذين ينتقلون منذ فترة قصيرة إلى بيئة اجتماعية جديدة (كمدينة جديدة أو عمل جديد) يعيشون هذا النوع من الوحدة، حيث يفتقدون مجموعة من الأصدقاء والأشخاص الذين كانت تربطهم بهم صداقات أو علاقات اجتماعية بسبب الانتقال إلى مكان جديد او تغيير سكن او غيرها، فإن الفرد في هذه الحالة يتولد لديه شعور بالوحدة الاجتماعية.
علاج الوحدة النفسية:
قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في نهج البلاغة: ((خالطو الناس مخالطة إن مُتُّم بكوا عليكم وإن عشتم حنوا إليكم) وهناك الوحدة الإيجابية، فمنهم من يستحب العزلة عند فساد الناس والزمان والخوف من فتنة في الدين، ووقوع في حرامٍ وشبهات ونحوها، قال تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) سورة الذاريات: الآية 50،
وسئِل رسول الله ص: أي الناس أفضل؟ قال: مؤمنٌ يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه. قال: ثم من؟ قال: مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله ويدع الناس من شره. وفي رواية أخرى رجلٌ معتزلٌ في شِعب من الشعاب يعبد ربه ويتقي ويدع الناس من شره) . (مسلم، ب/ت : 1503)
إن تراحم الناس وتوادهم وتعاطفهم يقوي الروابط الاجتماعية بينهم، ويعمل على تماسك وحدة المجتمع واستقراره. فالأفراد إنما هم لبنات في بناء المجتمع، إذا تفككت بينهم الروابط، وانقطعت بينهم الصلة بسبب البغضاء والشحناء، تفكك المجتمع وانهار كما ينهار البناء إذا تفككت أجزاؤه. وقد أدرك الرسول ص بفطنته وحكمته تلك الحقيقة، فحث المسلمين على التعاون والتآخي والتماسك حتى يظل بناء المجتمع الإسلامي مستقرا ثابتا قويا، لا تؤثر فيه عوامل التدمير والتخريب التي يوجهها إليه أعداء الإسلام. فارتباط الإنسان بالآخرين بالمودة والمحبة، يقوي انتماءه إلى الجماعة، ويخلصه من الشعور بالقلق الذي ينتج عن الوحدة والعزلة عن الجماعة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat