قراءة في تساؤل..... وبيان وجيز
علاء تكليف العوادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علاء تكليف العوادي

إجابة وجيزة على أهم تساؤلات الكاتب المستفهم ونوكل التفصيل إلى من وجه لهم الاستفهام
اولاً نذكر التساؤل ثم نجيب
أكثر من 183 سنة مفقودة من تاريخ الإسلام.. أين اختفت؟
أود أن الفت عناية كل من يقرأ هذا الموضوع أني لا أقصد الإساءة أو الإهانة لكائن من يكون، وتحديدا المشايخ والفقهاء باختلاف مكانتهم، إنه بحث موضوعي علمي تاريخي يطرح أسئلة، ويحتاج إلى الإجابات الواضحة التي لا تقبل الشك على قدر ما سوف أطرحه من أسئلة وعلامات استفهام غاية في الأهمية من وجهة نظري …!!!
الموضــــــوع:
***
يستند السواد الأعظم من المسلمين في أحاديث الرسول (ص) إلى مراجع وكتب كصحيح مسلم والبخاري والترمذي وغيرهم استنادا رئيسيا كاملا لا يقبل التشكيك وفق ما يعتقدونه.. فلننظر للحقائق التاريخية هذه..
انتقل النبي (ص) إلى جوار ربه سنة 11 هجرية.
1- صحيح البخاري: مؤلفه هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفي الملقب بالبخاري. وسمي بالبخاري نسبة لأصل ومكان مولده في مدينة بخارى في خراسان الكبرى (أوزبكستان حاليا)، ولد سنة 194 للهجرة وتوفى في 256 للهجرة (عمره 62 سنة) …ولد بعد وفاة النبي بـ 183 سنة؟
2- صحيح مسلم: مؤلفه هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري المولود في مدينة نيسابور في بلاد فارس سنة 206 هجرية. وتوفى بها سنة 261 هجرية (عمره 54 سنة) ولد بعد وفاة النبي بـ 195سنة؟
3- سنن النسائي: مؤلفه هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر بن سنان النسائي، المولود سنة 215 هجرية في مدينة بنساء. وهي بلدة مشهورة بـ خراسان (أوزباكستان حاليا)، وتوفي في مدينة الرملة بفلسطين سنة 303 هجرية (عمره 88 سنة) ولد بعد وفاة النبي بـ 204 سنة؟
4- الترمذي: مؤلفه هو محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي الملقب بأبو عيسى الترمذي، المولود في ترمذ وهي مدينة جنوب أوزبكستان المولود سنة 209 هجرية والمتوفى سنة 279 هجرية (عمره 70 سنة). ولد بعد وفاة النبي بـ 198 سنة؟
5- ابن ماجه: مؤلفه هو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة الربعي القزويني المولود في بلاد فارس سنة 209 هجرية وتوفي في رمضان سنة 273 هجرية (عمره 64 سنة). ولد بعد وفاة النبي بـ 198 سنة.
هؤلاء السادة من أهم مراجع أسس الحديث لدينا، وهم من يعتقد انهم الأصدق نقلا وهم من اجمع عليهم كل علماء الأمة على حقيقة وصدق نقلهم وتوثيقهم لكل أحاديث الرسول (ص). وجميعهم ليسوا عربا.. ولا أقصد التشكيك بعقيدتهم لكنهم ليسوا عربا اي لم يولدوا في أرض الجزيرة العربية أصل ومنبع الإسلام …
حسنا لننظر الآن للأهم؟
هل تستوعبون ماذا تعني أرقام (183 و195 و204 و198) من السنوات في الحياة البشرية؟ فقد حدد علماء الأحياء الفترة الزمنية لـلجيل ب33 سنة، بمعني ان الفاصل بين بين وفاة النبي وظهور مؤلفي الأحاديث هؤلاء هو 6 أجيال … فالزمن يتطور والبشر يتغير زائد التحولات الشخصية لرواة الحديث التي لا يمكن الوثوق فيها ،ومن دوام اتزانها أو استمراريتها … بمعنى ربما يكون في هذا اليوم عاقلا وغدا مجنونا أو اليوم فاسقا فاجرا وغدا ربما قد يتحول الى إنسان ورع وتقي … وأصل البشر مذنبون وخطاؤون يصيبون ويخطؤون ،يجمعون ما بين الخير والشر والصواب والخطأ والحسنات والسيئات وليسوا ملائكة معصومين منزهين … إذن موضوعنا وأصل الخلاف هو وجود أكثر من 6 أجيال وسنوات ،وهي حقبة زمنية مفقودة لا أحد يعلم عنها شيئا وغير ثابتة بالأدلة والبراهين العلمية التي لا تقبل الشك أو اللبس … وحتى أكون دقيقا فإن البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه ،جميعهم لم يروا ولم يعرفوا ولم يعايشوا بل لم يولدوا أصلا في عهد الرسول او في عهد صحابته او حتي في عهد تابعيهم .
1- أبو بكر الصديق – حكم من 11 هـ إلى 13 هـ = 632م
2- عمر بن الخطاب – حكم من 13 هـ إلى 23 هـ = 634م
3- عثمان بن عفان – حكم من 23 هـ إلى 35 هـ = 644م
4- علي بن أبي طالب – حكم من 35 هـ إلى 40 هـ = 661م
5- معاوية بن أبي سفيان: 41 – 60هـ = 661 – 680م
6- يزيد الأول بن معاوية: 60 – 64هـ = 680 – 683م
7- معاوية الثاني بن يزيد: 64هـ = 683 – 684م
8- مروان بن الحكم: 64 – 65هـ = 684 – 685م
9- عبد الملك بن مروان: 65 – 86هـ = 685 – 705م
10- الوليد الأول بن عبد الملك: 86 – 96هـ = 705-715م
11- سليمان بن عبد الملك: 96- 99هـ = 715 – 717م
12- عمر بن عبد العزيز: 99- 101هـ = 717 – 720م
13- يزيد الثاني بن عبد الملك: 101 – 105هـ = 720 – 724م
14- هشام بن عبد الملك: 105-125هـ = 724 – 743م
15- الوليد الثاني بن يزيد الثاني (قتل): 125-126هـ = 743 – 744م
16- يزيد الثالث بن الوليد الأول: 126 – 126هـ = 744م
17- إبراهيم بن الوليد الأول (قتل): 126 – 127هـ = 744م
18- مروان الثاني بن محمد (قتل): 127 – 132هـ = 744 – 750م
19- عبد الله بن محمد – السفاح أبو العباس: 132هـ – 136هـ = 750م – 754م
20- عبد الله بن محمد – أبو جعفر المنصور: 137هـ – 158هـ = 754م – 775م
21- محمد بن عبد الله – أبو عبد الله – المهدي: 158هـ – 169هـ = 775م – 786م
22- موسى بن محمد – الهادي: 169هـ – 170هـ = 786م – 787م
23- هارون بن محمد – هارون الرشيد: 170هـ – 193هـ = 787م – 809م
24- محمد بن هارون – الأمين: 193هـ – 198هـ = 809م -
البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه، جميعهم لم يروا ولم يعرفوا ولم يعايشوا كل الخلفاء الراشدين وخلفاء المسلمين وولاة أمورهم!!! بل لم يولدوا بعد ولم يولدوا حتى في الجزيرة العربية … إذن من أين جاؤا بأحاديث النبي الرسول...؟ وما هي مصادرهم ومراجعهم؟ ومن هم شهودهم على كل حديث؟ وأين هي وثائقهم التي خطوها بأياديهم بأصلها؟ بمعنى ان تأتي بـ 200 أو 300 أو 500 حديث، فيجب أن يقابلهم نفس الرقم بمخطوطات أصلية فأين هي تلك المخطوطات؟ إنه دين وعقيدة وشريعة وليست وجهات نظر نختار منها ما يحلوا لنا ونترك منها ما لا تهواه قلوبنا؟
أين هي خطب الجمعة؟
لن أقول إن الرسالة استمرت 21 سنة بل سأقول وسأفترض أنها فقط 10 سنوات ولنحسبها … الشهر فيه 4 أسابيع فيه 4 أيام جمعة × السنة 12 شهرا = 48 × 10 سنوات = 480 خطبة جمعة … من المفترض أن تكون موجودة في كتب البخاري ومسلم وغيرهم فأين تلك الخطب ...؟ … فهل من المعقول ان كتب البخاري ومسلم وغيرهم جاءت بآلاف الأحاديث العامة والشخصية التي نسبت للنبي ولم تستطع او ضعفت وعجزت عن سرد خطب الجمعة...؟!!!؟ ولا خطبة واحدة ...!! انه فعلا امر غريب ...!!
الأسئلــــــــــــــة
1 – اين كتبة الرسول (ص) وأين ما خطته أيديهم ...؟
2- أين ما كتب ونقل عن آل البيت جميعا؟؟
3- أين ما كتبه صحابة الرسول...؟
4- أين الحفظة والثـقاة من شخصيات الصحابة والتابعين العرب؟
5- هل رجال الدين عقدوا صفقات مع الخلفاء على حساب الدين؟
6- هل العهد الأموي الغير مستقر كان السبب بحجب تلك الأحاديث أو تزويرها؟
7- من حرق أو أتلف المخطوطات الأصلية للأحاديث والسيرة بدقتها وبشهودها؟
8- من كانت له مصلحة حجب الحقائق...؟
9- هل صراع الأمويين مع خصومهم وغيرهم كان سبب ذلك الحجب ...؟
10- لو لم تجدوا مؤلفات البخاري ومسلم أمامكم فماذا ستكون حياتكم في أيامكم هذه؟
11- من له مصلحة بأن يستبعد القرآن الكريم ويستبدله بالأحاديث النبوية التي تقولت على النبي وجاءت بتحريم ما لم يحرمه رب العالمين أصلا في كتابه؟
أيعقل أن أمة الاسلام من بعد وفاة الرسول (ص) بأكثر من 6 أجيال، وبأكثر من 183 سنة وبعد أكثر من 24″ خليفة” للمسلمين، انه لم يوجد تجميع للأحاديث؟ حتى جاء مسلمون وغرباء عن ثقافة العرب وخصائصهم من خراسان وبلاد فارس حتى يعلموا المسلمين عن كل ما نقل عن الرسول وكأنه لم يوجد من آل البيت ولا الصحابة ولا الثقاة ولا الكتبة.. وكأن أمة العرب التي خرج الاسلام من رحمها في الجزيرة العربية كانوا كلهم أمواتا!!!
نريد أن نعرف الحقيقة عن حقبة 6 أجيال و183 سنة، ماذا حدث فيها وأين كل ما كتب يدويا عن الرسول...؟ لا تقبل بالشك ولا بأحاديث ظنية ورواة مجهولين وأغلبها وجهات نظر شخصية.. مع التنبيه والتذكير أن الكثير من مخطوطات وآثار الحضارات السومرية والبابلية والفرعونية التي تعد أهم حضارات عرفتها البشرية لا تزال قائمة إلى يومنا هذا رغم آلاف السنين التي تفرقنا عنهم، رغم أن عهد الرسول جاء بعدهم بفاصل زمني كبير وهو أقرب لعصرنا نسبيا ...!! فاغلب وثائقه مفقودة ...!!؟؟؟
أفيدونا يامن يسمون أنفسهم بعلماء الأمة هل هناك مؤامرات وسرقات وخيانات تمت على الدين نفسه من أهل الإسلام أنفسهم؟.. لأننا ما قرأنا يوما أن الروم أو التتار أو المغول أو الفرس أو كائن من يكون قد غزا مكة والمدينة واحتلهما احتلالا ولا حتى ليوم واحد...!! في حين ان خلفاء مسلمين عرب دمروا الكعبة وقتلوا صحابة الرسول وتابعيهم …!!
فإن كانت هناك خيانات ومؤامرات وسرقات وإتلاف وحرق متعمد لأحاديث النبي فالأمر يجب ان يفضح ...!! مع العلم ان المخطوطات الأصلية للأحاديث غير موجودة ولم يجري الحديث عنها في اي مرجع ...!! فهل هذا يعني أن كل كتب البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه كتب لا يعتد بها وغير موثوقة وربما هي مزورة أو تم تحريفها ...!! باب الاحتمالات في هذا الموضوع مفتوح على مصراعيه … وإن كنتم تخافون يامن تدعون انفسكم بعلماء الأمة من أن الأمة قد تفتن أو يفلت زمام أمورها من بين أيديكم إذا عرفوا الحقيقة فهذا عذر أقبح من ذنب ….!! فلا يجوز بأي حال من الأحوال ومهما كانت الأسباب والمبررات بأن نتقول على رسول الله عليه الصلاة والسلام، ونأتي بأحاديث غير مؤكدة المصدر ودون سند تاريخي مادي وحقيقي … وبالتالي فالأمر قد لا يخلوا من التزوير والتحريف مثلما تم تزوير حقائق تاريخية إسلامية كثيرة وسرد قصص كاذبة وخيالية لا نعرف مصدرها الحقيقي وهذا ليس بموضوعنا؟
وبما أنني مسلم موحد يؤرقني أن أعرف الحقيقية كاملة وهذا حقي الفكري والمنطقي والشرعي.. ماذا حدث في 183 سنة الغائبة؟
الإجابة على التساؤل باختصار.
وان كان لابد ان يخرج الجواب ممن يتبع تلك المدرسة التي وجهت لها هذه التساؤلات لكن بعد ان سألني بعض الاخوة عما هو عندنا، بينا هذا بإيجاز فنقول بعد التوكل على الله تعالى:
حقيقة الكاتب للمقال قد شخص كثير من الخلل الذي شاب تلك الفترة التي حاول اتباع غير مدرسة اهل البيت التعامل معها مع ان النبي (صلى الله عليه وآله) قد حث على كتابة الحديث وتدوينه وقد وردت روايات بذلك الشأن منها:
كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من كتب عني علماً»، و: «اكتبوا هذا العلم»، و: «استعن على حفظك بيمناك»، و: «قيدوا»، و: «اكتب ولا حرج».
وروى حذيفة عن رسول الله أنه قال له: «اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام»، فكتبنا له ألفاً وخمسمائة رجل.
فلو كان الاسلام ينهى عن الكتابة فما هذه المواقف عن الله ورسوله فيها؟.
وانما كان المنع لأسباب منها محاولة منهم لطمس التراث الديني والروائي
لم يتخذ إجراء المنع عن التدوين، بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا بعد فترة طويلة، حتى أن أبا بكر أقدم - في تلك الفترة المتصلة بوفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم - على تدوين الحديث.
لقد ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ، ل (1 / 5)، حيث قال: ولما بدا له أن يمنع التدوين - فبدأ بإبادة تلك الأحاديث التي جمعها، وكانت تبلغ الخمسمائة حديث - لم يقدم تبريرا لعمله ذلك إلا خشيته أن يكون قد كتب ما حدثه رجل قد وثق به ولم يكن كما حدثه!
وما يشهد على المنع أيضاً في زمن الشيخين ما تذكره كتب القوم وخصوصا في عهد عمر بن الخطاب حيث دعى كل من لديه حديث عن رسول الله فليأتي به ثم بعد جمعها قام بإحراقها جميعها، ففي (طبقات ابن سعد): عبد الله بن العلاء قال سألت القاسم يملي علي أحاديث فقال: ان الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فانشد الناس ان يأتوه بها فلما اتوه بها أمر بتحريقها. (الطبقات 5: 140). وفي (تقييد العلم) للخطيب البغدادي: قال القاسم بن محمد بن أبي بكر: ان عمر بن الخطاب بلغه أنه قد ظهر في أيدي الناس كتب فظنوا انه يريد أن ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف فاتوه بكتبهم فاحرقها بالنار ثم قال امنية كأمنية أهل الكتاب. (تقييد العلم: 25).
قال عمر بن الخطاب لأبي هريرة: " لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس " البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 160، وتدوين السنة الشريفة: 431.
وقال له أيضا: " لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض الفيح يعني أرض قومه " أخبار المدينة المنورة لابن شيبة: 3 / 800.
قال الشيخ محمد محمد أبو زهوفي كتابه الحديث والمحدثون، ص 3 - 234: "إن امتناع بعض الصحابة عن كتابة الحديث، ومنعهم منها، لم يكن سببه نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كتابة الحديث، بدليل أن الآثار الواردة عنهم في المنع أو الامتناع من كتابة الحديث، لم ينقل فيها التعليل بذلك، وإنما كانوا يعللون بمخافة أن يشتغل الناس بها عن كتاب الله، أو غير ذلك من الأغراض".
وتارة اخرى بالتعمد بالتضليل وتزوير نفس كلام النبي (صلى الله عليه وآله) بان باتوا يزيدون أو ينقصون في الكلام ليخرج الحديث عن روح الحديث النبوي وبعد كل ذلك عمدوا لأن يحصروا الأحاديث التي رواها ابو هريرة الذي لم يعاصر النبي وان عاصره فلم يعاصره إلا بعض الوقت ولكن روي عنه ما يقارب ١٤٧٥ حديث على ما حققته بعض دور الحديث عندهم.
واستمرت الحالة بعد الشيخين بالنهي إلى عهد عثمان ومعاوية ومن تبعهم، فجاءت خطتهم لدعم موقف الشيخين، إذ أنهم نهوا عن التحديث عن رسول الله إلاّ بما عمل به على عهد الشيخين.
قال محمود بن لبيد سمعت عثمان على المنبر يقول: " لا يحل لأحد يروي حديثا عن رسول الله لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا عهد عمر " فما أجازه الخليفتان واعتبراه من سنة الرسول فهو منها بالفعل، وما لم يجيزاه فليس من سنة الرسول" الطبقات لابن سعد ج 2 ف 2 ص 100، ومسند أحمد ج 1 ص 362 - 363، وتدوين السنة ص 472.
ومن هنا يتضح الجواب عن أغلب التساؤلات التي ذكرت من انه اين ما كتبه الصحابة واين الحفظةُ، وبقيت تلك التساؤلات، نجد انه قد احرقت كتاباتهم وقد هدد من لم يمتنع عن التدوين بالقتل، والى غيرها من ادوات الترهيب التي استعملت في تلك الحقب المتعاقبة، هي التي ادت لما حصل وما يحصل من ضياع ذلك الارث الروائي الكبير والعظيم من ايدي هؤلاء.
والامر الاخر الذي كان سببا لمنع الحديث هو لإضاعةِ وطمس وإخفاء فضل اهل البيت (عليهم السلام) التي كثيرا ما تكلم به النبي (صلى الله عليه وآله) ودونته ايادي الرواة في ذلك الوقت وللحد منه عمد هؤلاء من زمن أولهم إلى أخر عهد نجد فيه ضياع لذلك الإرث المفقود، ينص علي علي (عليه السلام) بالولاية والإمامة، وكانت النصوص غضة، نضرة، تنبض مشاهدها بالحياة، ويرن صداها في الأسماع.
فلو كان مسموحا للأمة أن يتداولوها، ويحدثوا بها، ويكتبوها، ويضبطوها لكانت ترتسم في الأذهان، وتعلق بالأفكار، وتنعقد عليها القلوب، وتبنى بها قواعد العقائد، فيكون لذلك تأثير سياسي عميق على نظام الحكم، بلا ريب.
فكان المنع الرسمي للحديث أفضل تدبير سياسي، للوقوف في وجه ذلك.
فالمصلحة المنشودة من هذا التدبير، هي: إخفاء الأحاديث النبوية التي تدل على خلافة علي (عليه السلام) وإمامة أهل البيت (عليهم السلام)، بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم إن معاوية يفصح ضمنا عن الغاية من منع رواية وكتابة سنة الرسول (صلى الله عليه وآله) التزم معاوية بالموقف الذي اتخذه الخلفاء الثلاثة من سنة الرسول، وأفصح ضمنا عن الغاية التي ابتغوها من وراء منع رواية وكتابة سنة رسول الله، والاعتماد على القرآن والقرآن وحده، فقد أصدر معاوية مرسوما عممه على كافة عماله على كافة الأقاليم الخاضعة لحكمه هذا نصه: " أن برئت الذمة ممن روى شيئا في فضل أبي تراب وأهل بيته " شرح النهج ج 3 ص 595 - 596 تحقيق حسن تميم.
وأن الفكرة المبرر الذي أوجدوه لم يكن إلا قشة يتمسكون بها لا حقيقة لها، لذا تراه ادار البوصلة من كتابة الحديث النبوي الشريف وما يحمل من عمق إلى إلهاء الكتاب بكتابة مناقب مصطنعة لعثمان، وكتب إلى عماله في جميع الآفاق أن:
انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم، واكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته.
ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات، والكساء والحباء والقطائع.
ثم كتب إلى عماله:
إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا، فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة.
فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة، مفتعلة لا حقيقة لها، وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى، حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، والقي إلى معلمي الكتاتيب، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتى رووه، وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم، فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر". شرح نهج البلاغة (١١ / ٤٤ - ٤٦).
وفي المقابل أخذ ينشر الأكاذيب على الإمام علي (عليه السلام) وبث الافتراءات بان علي لم يكن يؤمن يوماً وإنه لتارك للصلاة ولا يصلي، حتى أخذ بمرسومه الذي عممه على ولاته بأن يسب علي (عليه السلام) على منابر الجمعة واستمرت تلك الحقبة حتى ثمانين عام توارثها من لحق به إلى زمن عمر بن عبد العزيز فمنع السباب وأمر بتدوين الحديث بعد ان لاقى ضغوطاً من علماء قومه فرفع الحضر عن كتابة الحديث وتدوينه.
قد ذكرت إنه يتضح الجواب على أغلب التساؤلات لأشير إلى ما اشار إليه الكاتب من ذكر زمن وعهد الإمام علي (عليه السلام)، قائلاً مستدركاً.
لكن لو نظرنا من جهة اخرى الى مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) لوجدنا السلسلة بين النبي (صلى الله عليه وآله) لم تنقطع ابداً، حيث يقول السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة ج1، ص89، قال ابن شهرآشوب: أول من صنف في الإسلام الإمام علي بن أبي طالب، ثم سلمان الفارسي، ثم أبو ذر، والاثنان من شيعة علي (عليه السلام) على الرغم من الحذر الشديد المفروض على المسلمين في تدوين الحديث من قبل السلطات الحاكمة آنذاك.
وعن السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي في تدوين الحديث وتأريخ الفقه الشيعي، ص33، ذكر إن السيوطي يروي: أن عليا والحسن بن علي ممن أباحوا كتابة العلم بين الصحابة وفعلوها.
ومع كل ذلك الحث من أمير المؤمنين (عليه السلام) على التدوين، فإن تلك السلسة الذهبية التي يعتمدها فقهاء امتنا سالمة بتمامها بعد التفحص برجالاتها، ولو لاحظ المتتبع لمنهج الرواة في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) لرأى ان الرواية لا تقبل عندنا إلا بتصحيح لسندها والبحث في وثاقة راويها وبهذه الجنبة قد خالفنا اصحاب المدارس الاخرى، اذ لم ندعي صحة غير كتاب الله تعالى كما صححوا هم الصحاح الستة واهمها الصحيحين البخاري ومسلم بل اتبعنا في تحديد الرواية تحديد هوية الراوي وسابقته بالوثاقة في الرواية.
ومع كل ذلك التدقيق الذي عمد فقهاؤنا ورجال حديثنا على اتباعه فنحن لم ننقطع ابداً عن روح النقل لرواية النبي (صلى الله عليه وآله) بل إن الائمة (عليهم السلام) كانوا ينبوع تلك السلسلة النورانية الحقة المتصلة والتي الى يومنا هذا نحن نغترف من نبعها الصافي العذب.
فلذا تجد ان خطب النبي (صلى الله عليه وآله) قد وصلت إلينا وكلماته تتداول في كتبنا نرويها عن ابنائه (عليهم السلام).
وما تناقلته كتب الشيعة من الحديث هو التراث النبوي الصحيح في صميمه، بلغ الشيعة في يسر.
السيد علاء تكليف العوادي
كربلاء المقدسة
17/ شهر رمضان / 1439هـ
2/ 6 /2018م
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat