أمريكا..جثة متروكة في قبو رطب..!
قاسم العجرش
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قاسم العجرش

ثمة أسئلة تبدأ ولا تنتهي، حول ما حدث ويحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، وما ستؤول اليه التطورات.
معظم الأسئلة قد بنيت على افتراض خاطئ، وهو أن هذا البلد الذي يخلو من عمق تاريخي، يمثل واحة للديمقراطية، وان "ديمقراطيته" تمثل نموذجا صالحا للاقتداء به من قبل الشعوب الأخرى، بل أن الكثير من أصحاب هذه الافتراضات، يذهبون الى "وجوب" نشر التجربة الأمريكية على العالم، بعنوان "الحلم الأمريكي".
قسم كبير من أصحاب نظرية "نشر" التجربة الأمريكية عالميا، يذهبون في أسلوب النشر الى أبعد من وسائل التبشير المتعارف عليها إنسانيا، فهؤلاء يرون وجوب "فرض" الرؤية الأمريكية على الشعوب الأخرى، بمختلف السبل والوسائل، وطبعا يعتبرون "القوة" من بين أهم تلك الوسائل، لأن مفهوم "القوة" راسخ أولا في العقيدة الأمريكية، إذ أن "الكيان" الأمريكي كيان أنشئ بالقوة، حيث قام على إبادة شعب موجود في تلك الأرض من أزمنة سحيقة إبادة تامة، ولم يتبق من هذا الشعب إلا نماذج قليلة، تشبه تلك التي توضع في متاحف التاريخ الطبيعي.
في جانب البناء الفكري للعقيدة الأمريكية، كانت عقول واصابع اليهود تعمل بنشاط كبير، لنسج تلك العقيدة وفقا للتصورات الصهيونية، التي بموجبها تتحقق الهيمنة اليهودية على العالم اقتصاديا، وهذا مسار نافذ بعمق في التركيبة الأمريكية، الى حد تحول فيه الى أن يكون الركن الأعظم في تلك التركيبة.
هكذا فإن هنالك معنى يهوديا خاصا لأمريكا، يقوم على عقيدة التفوق الالهي، وتفوق النوع والثقافة، ويقود هذا التفوق الى معتقد اشد خطورة، وهو أن للأمريكي مهمة أكبر، هي تحقق"الخلاص" للعالم على يدهم، وبما يفضي الى أن يكون التوسع الأمريكي في العالم "حقا" طبيعيا لا نزاع فيه، على اساس أنه قدر إلهي لا مراء في صحته، وطبعا من البديهي أن تكون القوة والقضاء على المخالفين "حقا" أمريكيا خالصا، وهذا هو المعنى الفكري لمصطلح الإستكبار..!
هذا المعتقد الذي بناه اليهود الصهاينة في المجتمع الأمريكي؛ تحول الى تيار جارف وعقيدة دينية، انتشرت بشكل كبير وواسع وعميق في المجتمع الأمريكي، الأمر الذي يفسر الملايين الخمسة والسبعين التي انتخبت ترامب على الرغم من مساوئه التي لا تعد.
ملاحظة هنا لابد من إيضاحها، وهي أن الأحزاب في امريكا ليست أحزابا بالمعنى التنظيمي السياسي المتعارف عليه للأحزاب، بل هي "مجتمعات" منظمة اجتماعيا وسياسيا وإداريا وعقيديا واقتصاديا، ولكل من الحزبين الرئيسيين في امريكا دولته العميقة، ولذلك تحصل عمليات التغيير الكلي للإدارات الفيدرالية، مع مجيء أي رئيس أمريكي جديد. الولايات المتحدة إذاً ليست دولة مؤسسات، بل هي عبارة عن دولتين تتبادلان الأدوار..!
فيما يتعلق بمنطقتنا وبنا كمسلمين، فإن"الإنجيليين" الذين يشكلون العمود الفقري لهؤلاء الذين يؤمنون بما يطلق عليه "الحلم الأمريكي"، وهم عموما اتباع الحزب الجمهوري الذي ينتمي اليه ترامب، يؤمنون بأن قيام دولة إسرائيل، يأتي "وفقًا لتعاليم الإنجيل"، وأن "المسيح" سيعود للحياة بعد تجمع كل اليهود في تلك الأرض، واكتمال حدودها، أي على كامل تراب فلسطين التاريخية من الفرات الى النيل.!.
الانتخابات الأمريكية الأخيرة، وما أسفرت عنه من نتيجة بخسارة ترامب أيقونة العقيدة الصهيومسيحية (الإنجيلية) التي أشرنا اليها، أحدثت اكثر من شرخ في المجتمع الأمريكي، بل هي بالمحصلة انقسام عمودي كبير وخطير وعميق، ستكون له تداعياته التي ليست لها حدود على مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية كدولة موحدة.
على مستوى النظر التاريخي، من المؤكد أن تتشظى الى دول عديدة، تلك الدولة التي قامت أثر حرب أهلية تعد الأكثر دموية في تاريخ الولايات المتحدة الذي لا يزيد عن 270 سنة فقط.. حرب طاحنة بين ولاياتها الخمسين، استمرت من عام 1861 إلى 1865
هذا النظر بات قريب الوقوع، ولن ننتظر طويلا لنراه، فالميليشيات الأمريكية تملأ شوارع المدن الأمريكية، والكابيتول هول تحول الى منطقة خضراء كتلك التي عندنا في بغداد، وفي واشنطن وحدها اكثر من 25000 نقطة تفتيش، وقوات خاصة أمريكية تقوم بتفتيش الحرس الوطني الأمريكي الذي يحمي مراسم تنصيب بايدن..!
لقد فقدوا الثقة ببعضهم البعض، وامريكا في طريقها الى التفسخ، كجثة تركت في قبو رطب..!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat