لماذا يستهدف الإرهاب الشيعة قبل غيرهم؟
نصير فليح

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

جذور الإرهاب عديدة، ومنها ما يرتبط بالوضع العالمي ومنها بالإقليمي والمحلي. ونتناول في هذه المقالة تحليل الأرضية التي تجعل الإرهاب يستهدف الشيعة أساساً في بلدنا بوجه خاص، بدءاً من القاعدة فالزرقاوي فداعش من عام 2003 والى يومنا. ولن نتناول في هذه المقالة ما هو معروف من عمليات إرهابية على امتداد الأعوام الماضية، وإنما تحليل العناصر السياسية والفكرية والطائفية الأساسية التي تجعل الإرهاب استهدف ويستهدف الشيعة بالدرجة الأولى، وهو ما جعل الشيعة أيضا القوة الرئيسية في التصدي له ودحره.

لا بد من الإشارة أولاً الى أن من يطلع على التأريخ سيجد للإرهاب الإسلاموي – ولا نقول "الإسلامي" - المعاصر جذرين رئيسيين، الأول هو الوهابية وعقيدتها المتطرفة، والثاني هو حركة الإخوان المسلمين وما ارتبط بها ونجم عنها، وصولا الى تمظهراته الواضحة في العقود الاخيرة بصيغة طالبان والقاعدة وما أعقبهما.

وبالعودة الى موضوع المقالة بخصوص بلدنا، نجد ثلاثة عوامل رئيسية لعبت دوراً مهماً في تقوية الإرهاب ودعمه واحتضانه.

العامل الأول هو أجهزة النظام البائد الأمنية والقمعية والعسكرية، التي تم حلها، ولكنها تماهت وانسجمت كثيرا مع الإرهاب لأن لديها في سلوكها وفي طبيعتها عقلية اجرامية متماثلة معه. وعلى حد قول النائب مثال الآلوسي في أحد تصريحاته التي شاهدتها على التلفاز والتي تختصر الموضوع بدقة، إن كل ما فعله أعوان النظام البائد هو انهم "أطالوا اللحى وقصروا الدشاديش". فالمنظومة النفسية الإجرامية المترسخة هي نفسها في الحالتين، رغم ان العقيدة الرسمية التي كان يروج لها النظام البائد - على مستوى الشعارات لا الافعال - هي عقيدة قومية، بينما الإرهاب ذو صبغة ومزاعم إسلاموية بوجه عام.

العامل الثاني هو الطائفية. فقد تأسست الدولة العراقية الحديثة بعد عام 1921 أصلا على حكم وسيطرة مكون معين من الأقلية. وهذا بحد ذاته امتداد لقرون طويلة من الحكم العثماني وما سبقه. وليس من السهل نفسيا على من تعود الإستئثار بالحكم أن يتقبل مبادئ وأفكاراً تتيح مشاركة الجميع في الحكم حسب النسب العددية. ولهذا كان التحول في التركيبة السياسية للحكم بعد 2003 بمثابة صدمة كبرى كانت ولا تزال تمثل كارثة بمعنى الكلمة لمن تعودوا على حصة الاسد من السلطة بغض النظر عن نسبتهم العددية في المجتمع. وهنا نجد تماهيا وتكاملا بين العاملين الأول والثاني، وأيضا مع العامل المهم الآخر الذي سنتناوله الآن.

العامل الثالث هو الإقليمي والدولي. وتجدر الاشارة بدءاً الى أن الشيعة عاشوا تاريخياً في البلدان التي يكونون قسما فيها بوضع مواطن الدرجة الثانية، سواء في البحرين أو السعودية أو اليمن أو لبنان أو العراق. بل أن نظاما مثل النظام السعودي ينظر الى المكون الشيعي داخل السعودية بتوصيفات مثل رافضة وخوارج ومجوس وزنادقة وفرس وما شابه مما هو معروف. وهذه في الحقيقة نظرة شائعة ومتغلغلة في نفوس المسلمين غير الشيعة مع انها لا تُعلن بوضوح وصراحة دائما. وهي نظرة تأخذ بالطبع حدة كبيرة إذا كان الحكم أصلا متطرف العقيدة، مثل حكم آل سعود أو إذا كان الشيعة هم المكون الأكبر (كما هو الحال في العراق والبحرين مثلا، وفي البحرين تصل نسبتهم الى حوالي 70 بالمئة)، فلا يظل للأقلية الحاكمة سوى التمادي في بث الكراهية والقمع ضدهم، ورفض أي شكل من أشكال الحقوق السياسية التي ستأتي بهم الى الحكم باعتبارهم اكثرية. ولكن وضع الشيعة في الكويت افضل بوضوح مقارنة بهذه البلدان القمعية.

وإذا ما قارنّا بين السعودية والبحرين من جهة، واسرائيل واميركا من جهة اخرى، سنجد أن الموضوع الطائفي لا يشكل بحد ذاته عقدة تأريخية في نفوس الإسرائيليين والأميركان طبعا، ولكنه في الواقع السياسي الفعلي أصبح من هواجسهما المقلقة المهمة لأن حركات تحرر الشيعة من الظلم المزمن ارتبطت ولا تزال بالعداء لإسرائيل وراعيها الأميركي. ولهذا نجد تلاقي المصالح بين هذه الدول، رغم بعض الفروقات.

إن كل مطلب شيعي، طبيعي ومشروع انسانياً، بالحصول على الحقوق المشروعة، يواجه من أعدائه فوراً بتهم المؤامرة والتبعية لإيران والتشكيك بقوميتهم وعقيدتهم واخراجهم من ملة العرب والمسلمين. هذه حقيقة لا يتم التصريح بها الى العلن كثيرا، ولكنها موجودة وراسخة في النفوس. وعندما تظهر بعض الحالات من تكفير الشيعة وطعنهم في وطنيتهم الى العلن، فانها ليست مجرد صدفة عابرة، بل هي حقيقة كامنة وراسخة ولكن لا تعلن ومسكوت عنها، فلا تظهر الى السطح إلا قليلاً.

الباحثون الأجانب، على سبيل المثال، لا يترددون في تشخيص الموضوع بالشكل الذي ذكرناه في هذه المقالة (يمكن على سبيل المثال النظر الى كتب (The Arab Shia: The Forgotten Muslims ( = الشيعة العرب: المسلمون المنسيون) أو The Sectarian Gulf ( = الخليج الطائفي) أو After the Sheikhs: The Coming Collapse of Gulf Monarchies (ما بعد المشايخ: السقوط المقبل لملكيات الخليج))، بينما العرب والعراقيين يصعب عليهم قولها بصراحة. فأعداء الشيعة يسعون بالطبع الى التكتم على حقيقة الأمور والنفوس بمسميات شتى ابرزها الشعارات الوطنية المزعومة (المفصلة على مقاييسهم وحدهم). كما إن قسما كبيرا من الشيعة أنفسهم صار يخشى مسبقا اتهامات من هذا النوع، فيصمت أو يسارع بكل الطرق مسبقا الى اثبات وطنيته، وكأنها أصلا وطنية مشكوك بها وانها موضع اتهام مسبقا. وهي حالة نفسية-فكرية نجمت من طول عهود الاضطهاد والتعتيم.

إن الطائفية بلوى كبيرة، وجرح نتن، ولا ينفع مع استفحال الجرح والبلوى الا كشفه والبحث عن طريقة لعلاجه او تحسينه ولو جزئيا. وليس تجاهله وكأنه غير موجود بينما يعاني الجسد من الالتهاب والحمى واستفحال الآلام، كما يشير الى ذلك بصواب علي الوردي.

العوامل الثلاثة التي ذكرناها – فضلا عن عوامل اخرى لا يتسع لها المقال، فهذا ما يتطلب مقالات وبحوثا وكتباً عديدة – تهيئ الارضية النفسية والفكرية لنمو الإرهاب، واحتضانه من جهات معينة دون غيرها ودعمه المباشر او اللوجستي. هذا الإرهاب الذي رغم انه يستهدف كل من يعاديه، فإنه يظل يستهدف الشيعة اساسا، كما يمكن أن نلاحظ بسهولة، ولأن الشيعة بالمقابل ايضا اصبحوا القوة الرئيسية التي تصدت له والحقت به هزائم كبيرة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نصير فليح

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/02/03



كتابة تعليق لموضوع : لماذا يستهدف الإرهاب الشيعة قبل غيرهم؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net