لا قيمة لحُسْنِ فرعٍ اصلهُ قبيح
عبد الناصر السهلاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبد الناصر السهلاني

🏴 عن الامام علي بن الحسين زين العابدين (صلوات الله وسلامه عليه) بعد تلاوته للآية (47 من سورة الانبياء):
"وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ"
قال (عليه السلام): "اعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين، ولا تنشر لهم الدواوين، وإنما يحشرون إلى جهنم زمرا، وإنما تنصب الموازين وتنشر الدواوين لأهل الاسلام، فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله تعالى لم يحب زهرة الدنيا لاحد من أوليائه، ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها، فإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها أيهم أحسن عملا لآخرته، وأيم الله لقد ضربت لكم فيه الأمثال وصرفت الآيات لقوم يعقلون، فكونوا أيها المؤمنون من القوم الذين يعقلون. ولا قوة إلا بالله." (تحف العقول: ص251)
هذا النص من الامام (عليه السلام) جاء موافقاً لمبدأ واضح في القرآن الكريم، بل هم (عليهم السلام) عن القرآن يصدرون وبه يحكمون، فهذا صريح قول الله تعالى :
"أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا" (الكهف: 105)
ويقول عز وجل في موضع آخر:
"وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا" (الفرقان: 32)
وكذلك ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):
"ان الله عز وجل يحاسب كل خلق إلا من أشرك بالله فإنه لا يحاسب يوم القيامة ويؤمر به إلى النار" (عيون اخبار الرضا: ج1، ص37)
والخلاصة ان من يلقى الله تعالى كافرا به او مشركاً، فلا ينظر له ويساق الى جهنم بلا حساب، فلا يقام لاعماله وزناً مهما كانت حسنة بمنظار الناس، فانها لم تكن لوجه الله تعالى ولا التزاما بأوامره، وانما الميزان والحساب لمن آمن بالله تعالى، فاصل الايمان بالله تعالى ووحدانيته هو الاصل الذي يفترق عنده من يستحق الحساب من عدمه.
🏴 اذن مالم يكن الاصل سليماً فلا ينظر الى ماتفرع منه، فما قيمة ان تصلي صلاة الليل في دار او ارض مغصوبة ليس لك فيها حق !!! فغصبك للارض جعل من صلاتك هباءً منثورا.
وهذا لا يعني ان كل من عبد الله تعالى و وحده سيكون في أمان من ان يمسه العقاب (ولو لفترة محددة)، بل لابد ان يخضع للحساب ليرى هل وفّى بحق ما يستوجبه هذا الاصل السليم ام غلبته نفسه الامارة على ذلك، فهذا يخضع للمحاسبة وعند ذلك توزن الاعمال بميزان العدل الالهي. ومع ذلك ستكون الرحمة الالهية حاضرة لمستحقيها، وكذلك شفاعة الشافعين لمن ارتضى عز وجل.
مع ملاحظة ان الكلام يختص بمآل من يحشر يوم القيامة كافرا او مشركاً بالله تعالى، ولا ينجر ذلك الى ترتيب موقف شامل منهم في الدنيا، فقد بينت الشريعة الخاتمة كيفية التعامل معهم وقننت ذلك بحسب المواضيع والموارد.
فاحتمال اهتداء بعض المشركين والكفار في حياتهم الى صراط الله المستقيم امر وارد، فالمشرك في يوم القيامة مصيره الى الخسران بلا شك، ولكني لا اعلم واقعا ان هذا المشرك الذي اراه امامي الان، هل سيبقى على شركه الى ان يلقى الله ام انه سيهتدي الى الحق؟ لذا لا يحق لاحد ان يحدد مصير شخص بعينه وهو حي يرزق، من اي مشرب او اتجاه كان، لانه لا يمكن لاحد ان يتنبأ بمصير الآخر الا المعصوم الذي عنده علم ذلك.
ولكن هذا لا يمنع من القول بضلالهم بلحاظ الحال والفعل الذي يقومون به، والتحذير منه وامرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وبيان اباطيلهم وانحرافاتهم لردعهم وحماية غيرهم من التاثر بهم، والتصريح بانهم على الباطل والضلال.
فلا يصغى بعد ذلك لبعض المتمرجعين الذي يقول بخلاف ما تذكره النصوص الشريفة الآنفة الذكر، من كون بعض المنكرين لوحدانية الله تعالى (من مشركين ووثنيين وملحدين) اكرم عند الله تعالى من المسلمين غير الملتزمين، بحجة انهم عندهم دليل على شركهم والحادهم، او انهم اكثر التزاما باعتقاداتهم وان كانت ضالة، او انهم ذا اخلاق حسنة !!!!!
حتى شملهم ذلك الجاهل بآية: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ " في مهزلة يندى لها جبين العلم، فهل تقوى الله تعالى ميزانها وجود الدليل على الشرك بالله او انكاره ؟!! او ميزانها حسن السلوك مع الآخرين؟!! فهل يوجد شطط عن الحق كهذا الشطط ؟!!!
هكذا بعض المهرطقين التائهين يبتدعون في دين الله تعالى ويضلوا عن سبيله، ببث ضلالاتهم بين الناس، وسيخيبون كما خاب من كان قبلهم ولم يتعضوا به وذهب الى مزابل التاريخ ولا يقام لهم وزن، وكل هذا ببركة هذا التاصيل المبارك من قبل الله تعالى والانبياء والاوصياء (صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين)، ومنهم صاحب الذكرى الامام زين العابدين عليه السلام.
فالسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا ورحمة الله تعالى وبركاته.
واعظم الله تعالى اجوركم
والحمد لله اولاً وآخراً وصلى الله على محمد وآله ابدا.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat