بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) 12 الاحزاب
اليوم لا اريد النظر في هذه الآية وما يحيط بها من متعلقات بقدر ما اريد الحديث عن عبارة فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فقط
فهذه العبارة تكررت احدى عشر مرة وهي كالاتي:
1. في سورة البقرة : فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10).
2. في سورة المائدة : فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ(52).
3. في سورة الانفال: إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49).
4. في سورة التوبة: وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)
5. في سورة الحج: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53)
6. في سورة النور أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ (50)
7. في سورة الاحزاب: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)
8. في سورة الاحزاب: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60)
9. في سورة محمد : وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20).
10. في سورة محمد: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29)
11. في سورة المدثر: وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)
ومرة واحدة بصورة مفردة في سورة الاحزاب: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)
ورغم هذا الكم من الآيات التي تشير الى حقائق جمة لم اجد تفسيراً –ولن ادعي انني راجعت الكثير من التفاسير لكن اغلبها يعتمد نفس الطرح- يبين انواع الامراض التي اشار اليها القران الكريم بطرح مفصل ومبسط ومنسجم مع الواقع, لذا وجب عليَّ الاشارة الى ذلك ولو اجمالاً..
اما انواع الامراض فهي ثلاثة انواع:
1. الامراض الجسدية: واقصد بها الامراض التي تصيب جسد الانسان وقد ورد ذكرها في القران الكريم في اكثر من موضع ومما ورد الآية 20 من في سورة المزمل (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) وهنا اشارة واضحة للمرض الجسدي بدليل جمع المرضى والذين يضربون في الارض _الفلاحون ويقصد بهم هنا العاملون عموماَ_ والمقاتلون وكل هؤلاء يكونوا متعبين جسدياَ بينما الزخم الروحي موجود وقوي لديهم بدليل مواصلتهم للعمل والقتال ومقارعة المرض بالسبة للمرضى.
2. الامراض العقلية: قال تعالى تنزيهاً لنبيهِ -ص- (فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) الطور) ذكر الجنون من باب اطلاق الجزء على الكل لأنه اوضح صورة من صور الامراض العقلية ومنها الانفصام وغيره مما يجعل المريض بهذا المرض غير مسؤول عما يفعله حيث ينعزل عن الواقع ويستند للوهم والخيال, وهذه الامراض قطعاً اخطر من سابقتها حيث ان فقدان العقل اخطر على الانسان من أي اخر فعندما يفقد الانسان عقلة لا يميزه عن الحيوان الا الشكل ولذا السبب ذهب الشرع والعقلاء الى تحريم تعاطي الخمر وكل ما يذهب العقل, ونجد التأريخ يحدثنا عن اناس قبل الاسلام لا يتعاطون شرب الخمر ولا غيره من المسكرات خوفاً من ذهاب عقلهم ومنهم ما روي عن جعفر الطيار -ع- ولا ادري كيف يعيش انسان في هذا الزمن ورغم معرفه مخاطر الخمر والمخدرات نراه يلجأ إليها.
3. الامراض النفسية: وقد اشارت لهذه الامراض الآيات المذكورة وهذه الامراض لا يشعر بها المريض انه مريض بها ولا ابالغ ان ادعي انها خطره جداً وتكاد ان تكون الاخطر بين انواع الامراض والسبب لأن الاولى يشعر بها المريض فعندما يمرض أي عضو من اعضائه يمكنه تلافي ذلك من خلال العلاج والوقاية وغيرها فالإنسان يمتلك طاقاته الذهنية رغم قساوة الامراض الجسدية, اما المريض بالمرض العقلي فان المرء يفقد طاقاته الذهنية ويعيش في حالة من الهوس وغالبا ما يكون منفصلا عن الواقع لذا لا يكون مسؤولا عن افعاله امام الله وامام المجتمع عن سلوكياته غير المتزنة, اما اصحاب الامراض النفسية فهم يعيشون بيننا ولا تبدو عليهم أي اثار للامراض وهم ايضاً يرون أنهم يحسنون صنعاً!!
المصابون بالامراض النفسية تجد منهم القادة والاساتذة وصناع القرار وعوام المجتمع, وقد لا يخلو منهم زمان او مكان حيث ان الامراض النفسية تعيش يننا ولكن اغلب طبقات المجتمع لا تدرك حقيقة المريض النفسي –أعاذنا الله وإياكم- بل المريض نفسه لا يدرك ذلك!!.
لكن رغم كل ذلك تظهر إشارات تبين سلوك المريض النفسي, وهنالك امثلة كثيرة نذكر منها على سبيل المثال مرض: الكذب فهو مرض نفسي وترى البعض عندما تنصحه يبرر لك ذلك وقد يكون عبارة عن كذبه اخرى والثالثة ورابعة..
(ورد في الحيث النبوي الشريف: (ما يَزالُ العَبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرّى الكَذِبَ حَتّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذّابا
وقول أمير المؤمنين عليه السلام: (ما يَزالُ أحَدُكُمْ يَكْذِبُ حَتّى لاَ يَبْقى في قَلْبِهِ مَوْضِعُ إبْرَةِ صِدْقٍ، فَيُسَمّى عِنْدَ اللهِ كَذّاباً)
صوره اخرى من صور الامراض النفسية : الشك ..
كنت قد تعرفت على استاذ وكنت احترمه كثيراً لكن عندما اقتربت منه تبين انه كثير الشك بالاخرين وليت الامر ينتهي الى هنا, بل انه يبني عليه, تصور معي إنه يشك بأن احد زملائه مرتشٍ ثم تصرف بناءً على هذا الشكر رغم وجود أي دليل !!
قلت له ناصحاً: وكيف تلقى ربك ولم يثبت ذلك بدليل!!
فأخذ يسرد لي قصص من نسج خياله ولم يأتَ بدليل واحد.
وهنالك صور اخرى كثيرة للأمراض النفسية لذلك ذكر القران الكريم صورة الطمع في النساء لأنها الاكثر وضوحاً في مجتمعاتنا وقد ترى هذا المرض مستشرٍ في ايامنا اكثر مما سبق من العصور لأسباب كثيرة.
وهنالك من تحاول نصحه للقضاء على هذا المرض تراه –خصوصاً إذا كان محسوباً على المؤمنين- يستدل بدليل او بأخر على ان ما يشعر به اتجاه هذه او تلك شرعياً وانه لا يخرج عن الشرع قيد انملة بل هو يطلب ما هو حقه شرعاً فالمولى –عز وجل- احل له الزواج باربع نساء وعينه لاتقع على الحرام بل من حقه شرعاً النظر الى من يريد الزواج بها اما اذا كان امامياً فسلاحه حاضر بأن المتعة حلال!!
ورغم خطورة هذه الامراض النفسية إلا امن لها حلولاً لكن هذه الحلول تحتاج الى ارادة قوية, لكن قبل اتكون له ارادة يجب على المريض النفسي ان يعرف انه مريض وهنا تكمن المشكلة..
وقد يكون كاتب هذه السطور اشد مرضاً من الاخرين..
نسأل الله ان يحفظنا وأياكم من كل مرض وكل سوء, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat