صفحة الكاتب : د . محمد سعيد التركي

سلسلة المعرفة الحلقة الحادية عشر المَطْلَب من الحياة
د . محمد سعيد التركي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يستحيل على الإنسان العيش من دون أن يكون له مطلب أعلى في الحياة، وليس من البشر من يعيش بدون مطلب خاص به،، هذا المطلب، هو الغاية التي تظل تحت مظلتها كل أهداف الإنسان وأفعاله وأقواله، التي يسعى إلى تحقيقها في حياته .

وقد تتضح الغاية عند الإنسان وتتحدد، وتمثل المطلب الذي يعيش من أجله في الحياة، وقد تكون الغاية مبهمة وغير محددة، وقد تكون غايته غايةً مُضلّة، وقد تكون الغاية غاية هادية لصاحبها

.

*تزيد سعادة الإنسان وتسمو كلما تحددت غايته من الحياة واتضحت، وتزداد سعادته كل ما كانت غايته هادية له غير مُضلة، وتتم السعادة كلما استطاع الإنسان أن يعيش بهذه الغاية، لا يمنعه منها أحد من قريب أو بعيد (نظام أو حاكم)

.

* ويشقى الإنسان كلما كانت غايته في الحياة ومن الحياة مبهمة، ويزيد شقاؤه كلما زاد عمره بها، ويتم شقاؤه عندما يموت وهو لم يتعرف على غاية محددة له في الحياة، يُدرج أعماله تحت مظلتها، ويفني عمره في سبيلها

.

* أما إن كانت الغاية محددة المعالم ولكنها مُضلة، فهي خير من أن تكون غير محددة، لأنها ستكون غير محددة ومُضلة في آن واحد، وهذا غاية الشقاء وأسّه

.

والغاية في الدنيا غايتان، لا ثالث لهما عند الإنسان، والتي من خلالهما يسعى لتحقيق سعادته، فالغاية الأولى هي عقيدة الإنسان بتحقيق أكبر نصيب من المتع الجسدية في الحياة، من الأموال والشهوات، بكافة ألوانها وأنواعها، وفيها تكون نفس الإنسان لذاته هي الأهم والأعظم والأجدر بكل خير في هذه الحياة الدنيا، وما دون ذاته ليس لها أي احترام أو قيمة أو اعتبار، فتكون هذه هي عقيدته، وهي موطن سعادته، وهي إلهه، وبها يرسم أهدافه وعلمه وعمله وعلاقاته، هذه الغاية غالباً أو دائماً ما تكون عند صاحبها رافضة للإيمان بوجود خالق لهذا الكون، ومشرّع لحياة الإنسان. والحياة الغربية في العالم اليوم أعظم مثال ودليل على هذه الفكرة. هذه الغاية الرافضة أصلاً وفرعاً أن يكون للدين أي سبيل في تقرير حياة الإنسان وسلوكه، قد كانت وأصبحت هي المطلب الأعظم للإنسان الغربي الفرد ومجتمعاتهم ودولهم.


أما الغاية الثانية فهي في اتجاه آخر تماماً، ومخالفةٌ لما ذكرنا، حيث يسعى الإنسان لتحقيق سعادته من خلال جعل بلوغ رضوان الله سبحانه وتعالى هي الغاية التي يعيش من أجلها وفي ظلها، فيعيش الإنسان راجياً ومستشعراً رضا الله ومحبتِه ورحمتِه في كل فعل يفعله، وفي كل علم يطلبه، وفي كل سلوك يسلكه في الحياة، يقوم به طالما أن هذا يوافق طاعة الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، حتى لو كان هذا الفعل يجلب عليه من التكاليف والمشاق ما يستطيع أن يكون في غنى عن فعله، لو كانت غايته غير غايته، ومطلبه من الحياة غير مطلبه

.

هذه الغاية هي عقيدة صاحبِها وموطن سعادته، وهي المطلب الأعظم له في حياته، ودون مماته، وفي دعوته، وهي التي بها تستقيم أمورُه، وبغيرها تَفْسَدُ حياتُه

.

وقد أوجد الإسلام هذا المطلب في نفس كل من يدخل الإسلام ويشهد الشهادتين، حتى بات هذا المطلب ينصهر مع روح كل مسلم بشكل تلقائي، وذلك لأن الدخول في هذه العقيدة يستند إلى الإيمان العقلي المستند إلى الحواس الخمس، والذي لا يدع مجالاً للشكوك في حقيقة وجود الله وفي أمر رسالته إلى الناس .

إلا أن هذه المطلب الأعظم وهو دين الله ورسالته، والحكم بما أنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبالكيفية التي أورثها رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين بعد وفاته في صورة دولة خلافة تحكم بما أنزل الله، أصبح هذا المطلب الأعظم للمسلمين مغيّباً، بل ولم يعد هو المطلب الأعظم، ولم يعد حتى المطلب الأدنى، أو لم يعد هو المطلب أصلاً، بل غلب على المسلمين المطلب الذي فرضته السعادة بالمفهوم الغربي، الذي يقول بأن يغرف المسلم من المتع الجسدية له ولأبنائه ما يشاء، تاركاً وراء ظهره المطالب الشرعية التي تأمره بطلب العلم الشرعي، والدعوة والعمل لأن يكون الحكم بما أنزل الله، والعمل على إنكار ما دون ذلك من الأحكام في عظائم الأمور أو سفاسفها

.

 ولقد تم الإخلال بهذا المطلب، وتم إحراف المسلمين عنه بفضل النجاح الباهر الذي سجله الحكام اليوم، الذين لا يحكمون بما أنزل الله، هم وأعوانهم من علماء السوء ومدرسي المدارس بكافة صفوفها، وبفضل دكاترة الجامعات والمثقفين العلمانيين (الكفار(، حيث نجحوا في إحراف المطلب أو إلغائه أو توجيهه عما ذكرنا في عقول أبنائنا، وفي عقول شبابنا وشيبنا ونسائنا

.

وبالتالي برزت المطالب في الحياة في عقول المسلمين اليوم التي لا تتحدث إلا عن بلوغ المناصب أو الشهادات العليا، أو تربية الأبناء لدخول الجامعة وحصولهم على الوظائف وتزويجهم، وتجميع الأموال وشراء الأراضي أو البيوت، أو إقامة المشاريع التجارية، وتوفير وسائل الترويح عن النفس، بأشكالها وألوانها في البلاد السياحية المختلفة، حتى ينتهي مشهد المسلم بموتٍ هانئ في أحد الفلل أو القصور، أو حتى في أحد الدور، ولكن بعد أن يزفر زفرات الموت الأخيرة، وهو يفاخر للناس ويُشهدهم بما وفره لأبنائه وزوجه من خير، محققاً لنفسه ولهم كما يظن أعظم المطالب

.

لذلك يجب أن يراجع المسلمون غايتهم من هذه الحياة، ويصححوا مطلبهم، ويعيدوا رسم أفعالهم وأقوالهم وحياتهم بما يتوافق مع المطلب الحقيقي، الذي يُنجيهم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، كما أمر الله سبحانه وتعالى ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم .

 

قال الله تعالى في سورة هود 15-16

مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ،  أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ

وقال سبحانه وتعالى في سورة الإسراء 19

وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد سعيد التركي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/02/03


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • الحلقة الثالثة والأربعون كيفية تغيير واقع الأمة المنهج الإصلاحي  (المقالات)

    • سلسلة المعرفة :صفة الدولة الإسلامية (دولة الخلافة)، مطلب المسلمين الأعظم (42)  (المقالات)

    • سلسلة المعرفة الحلقة الواحد والأربعون النظام الاجتماعي في الإسلام – الجزء الأول  (المقالات)

    • الحلقة الأربعون السياسة الخارجية والجهاد صفة الدولة الإسلامية (دولة الخلافة)، مطلب المسلمين الأعظم  (المقالات)

    • سلسلة المعرفة الحلقة التاسعة والثلاثون سياسة التعليم  (المقالات)



كتابة تعليق لموضوع : سلسلة المعرفة الحلقة الحادية عشر المَطْلَب من الحياة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net