سلسلة المعرفة الحلقة الواحد والأربعون النظام الاجتماعي في الإسلام – الجزء الأول
د . محمد سعيد التركي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
صفة الدولة الإسلامية (دولة الخلافة)، مطلب المسلمين الأعظم
لا بد للمسلمين مجدداً من التعرف على النظام الاجتماعي في الإسلام، في دولة الإسلام، لجهلهم بالنظام الاجتماعي، ولعلمهم المحصور بما نُقل إليهم من صورة مشوهة وتضليل عن حقيقة النظام الاجتماعي في الإسلام، وعن صورة المجتمع الإسلامي الحقيقي، حيث أصبح التصور عن النظام الاجتماعي أنه مجرد علاقة الرجل بالمرأة، الذي تكون فيه السيادة المطلقة للرجل على المرأة، وله الحق في تعدد الزوجات، أو أن المرأة وغطاءها وحجابها وبقاءها في بيتها هو المقصود كل القصد بالنظام الاجتماعي، أو أن المقصود بالنظام الاجتماعي هو الزواج والطلاق وتربية الأبناء من المرأة، والنفقة على البيت من الرجل، أو على الأقل الظن القائم أن الصورة الحالية في الحياة الاجتماعية في بلدان المسلمين هي الصورة التي تمثل نظام الإسلام في الحياة الاجتماعية.
هذا التصور هو تماماً ما يخالف صورة النظام الاجتماعي في الإسلام من ناحية : أولاً أن النظام الاجتماعي شأنه شأن باقي أنظمة الدولة الاقتصادية والتعليمية والسياسية لا يمكن تطبيقه منفرداً، بل هو كغيره من الأنظمة نظام مكمل لغيره من أنظمة الدولة الإسلامية، ولا يمكن تطبيقه إلا تحت مظلة دولة إسلامية كاملة الصفات، مطبق فيها كل أحكام الله وتشريعاته في جميع جوانب الحياة، وهذا بالمشاهد المحسوس خلاف الواقع الذي نعيشه اليوم، فلا دولة إسلامية ولا نظام اجتماعي إسلامي بالبداهة .
ثانياً أن النظام الاجتماعي هو مجموعة من القوانين التي ترسم هيأة الوحدة العائلية المسلمة، كما ترسمه للمجتمع الإسلامي بأكمله، عند كل المسلمين كافة، وليس في قطر واحد من الأقطار الإسلامية الممزقة القائمة اليوم، وليس النظام الاجتماعي قوانين متفرقة تخضع لآراء هذا وآراء ذاك، وإنما هي أحكام شرعية أصلها القرآن وسنة نبينا محمد ، وكيانها يتحقق في التطبيق العملي في الواقع .
فالنظام الاجتماعي في الإسلام نظام يقرر كل التعاريف والقوانين المتعلقة بحياة المسلمين الاجتماعية، إبتداء بتعريف المرأة والرجل كل على حدة، وتعريف نظرته إليهما، وتحديد ماهية الصلة التي تربط المرأة والرجل، وكيفية تنظيم هذه الصلة في الحياة الخاصة، وتنظيمها في الحياة العامة، وتعريف ماهية الحياة الخاصة، وتعريف ماهية الحياة العامة، وترتيب الوضع الاجتماعي للمسلمين بأحكام معينة تحافظ على تحقيق هذه الصلة بضوابط معينة، كتعريف مسائل الاختلاط الشرعي والغير شرعي، والخلوة الشرعية والغير شرعية، وتعريف العورات، وكيفية التعامل معها حتى بالنظر إليها، وتنظيم عملية العلاقة بين الرجل والمرأة في داخل منزلهما وخارجه، ثم تعريف المحرمات من النساء والمحرمين من الرجال، ووضع ضوابط كيفية ارتباط الرجل بالمرأة، وتعريف عملية الزواج وعملية الطلاق، وماهية الحياة الزوجية، وحقوق الزوجين والأبناء، وما يتعلق بكل هذه المسائل من مسائل النسب والرضاعة والولاية والكفالة والنفقة، وكل ما يتعلق بتعدد الزوجات، إضافة إلى ذلك موقف الإسلام في مسائل العمل خارج المنزل أو داخله، خاصة فيما يتعلق بالمرأة، وانتهاء بمسائل صلة القربى والأرحام وعلاقاتهم وحقوقهم تجاه بعضهم البعض، ومسائل أخرى كثيرة .
وقد فقدت كل هذه المسائل جميع القنوات التي تكفل العلم بهذه المسائل مجتمعة أو متفرقة، وفقدت الإقرار بالحكم بها والإرادة لتنفيذها، منذ أن أسقط في يد المسلمين وتلاشت دولتهم، وفتحت تلقائياً كل القنوات النظامية والفكرية والأدبية التي تقول وتطبق وتسمح لكل ما يخالف أحكام الإسلام في النظام الاجتماعي، فظهر وتفشى بين المسلمين خليط من الأفكار، منها ما لا يرى بأساً من تحرر المرأة تحرراً على المقياس الغربي بالتكشف والتعري والاختلاط بالرجال الأجانب، والظهور في الإعلام والأفلام بشكل سافر ومريع، وظهرت أفكار أخرى متشدّدة خضعت للأهواء لا تقل سوءاً عن نقيضتها المتحررة، وهو بمنع المرأة من ممارسة الأعمال التجارية أو الصناعية أو غيرها خارج منزلها، وبمنعها من الاختلاط المباح في الحياة العامة، وعرّفوا عورة المرأة أنها كلها عورة بدون استثناء وجهها وكفيها، مما دفع هذا التشدد إلى الجمود في التفكير والانهيار في الخلق، وتسبب في نزاعات وشقاقات داخل الأسرة الواحدة وخارجها، وقلق الأسرة الإسلامية، وتسبب في غلبة روح التذمر والتأفف على أعضاء الأسرة، وتسبب ذلك كله إلى شلّ المرأة عن المشاركة في النهضة، وتجميدها عن العمل والإنتاج، ومنعها من الاكتشاف والتطوير، وأصبحت بلاد المسلمين رجولية صرفة، تديرها يد واحدة فقط .
قبل أن نتحدث عن نظام الدولة الإسلامية الاجتماعي أتحدث عن النظام الاجتماعي القائم اليوم، وعن الفلسفة والفكر التي يقوم عليها هذا النظام، فهو يستند على فكرتين رئيسيتين يشكلان روح هذاالنظام :
1) السعادة بالمفهوم الغربي (الغير إسلامي)
2) الحرية الشخصية الغربية
وحيث أن مفهوم السعادة الغربي يسير بتكافؤ مع فكرة الحرية الشخصية، فالنظام الاجتماعي في الغرب يستمد أفكاره وقوانينه من هاتين الفكرتين: فمن لم يؤمن بأن الله هو السيد المشرع الذي يقرر حياة الناس الاجتماعية، تبقى وتظل السعادة عند هذا تتجسد في الأخذ بأكبر نصيب من المتع الجسدية، لأن التشريع إن لم يأت من عند الله سبحانه وتعالى، فسيأتي حتماً من عند غير الله، أي من الإنسان، وحيث أن الحرية الشخصية قد تَقرَّرَ شرعها من عند الإنسان لنفسه، آن للإنسان أن يقرر نظاما اجتماعيا لنفسه، ويقرر كل التعاريف المتعلقة بالنظام الاجتماعي، كتعريف المرأة وتعريف الرجل، ويقرر ماهية العلاقة التي تربطهما ببعضهما، ويقرر مفهوم العورات، ويضعه بنفسه لنفسه، ويقرر من هم المحارم من عدمهم، ويقرر عمليات الإرث على أساس هذه المفاهيم.
لذا فإن الإنسان الكافر قرر حياته الاجتماعية ويقررها بحسب ما تملي عليه نزعته إلى الأخذ بأكبر نصيب من المتع الجسدية، ليحقق كما يظن سعادته، دون مراعاة أي قيم روحية أو إنسانية أو أخلاقية، إلا الجزء الذي اضطر الغرب إلى محاولة تصليحه وترقيعه ثم إلزام الناس به بالقانون، بعد نتاج الفساد والظلم الاجتماعي الذي ظهر من خلال هذه الحرية بين الناس أنفسهم، وخاصة الفساد والظلم الذي وقع ويقع عادة على الطرف الضعيف في هذه المعادلة، وهم النساء والأطفال والشيوخ والعجائز والفقراء، والجزء الذي حاولوا ترقيعه تحت شعار أن حرية الإنسان تتوقف عند مساس حرية الغير .
على هذه الأصل قام النظام الاجتماعي الغربي، وبُني عليه كل الأفكار والقوانين والأنظمة، وتأسست على قواعده الأعراف والعادات والتقاليد .
أما في البلدان الإسلامية اليوم فإن أصل النظام الاجتماعي غير إسلامي على الإطلاق، وأشبه ما يكون بالنظام الغربي، اللهم أنه مقيد بقيود اجتماعية تعتمد على الاجتهاد الفردي من المسلمين، ومقيد ببعض الأعراف والتقاليد والعادات الاجتماعية الموروثة عندهم، والآخر مقيد بالسلطة المعطاة لرجال الدين في أحد الأقطار الحالية من البلاد الإسلامية المختلفة، ليرسموا للناس من الأحكام الاجتماعية ما يتوافق مع سياسة الدولة ونظامها، ونبذ ما لا يتوافق معها ومع القوانين الدولية، والآخر ما تعرض للتشويه المريع ولكن بالقدر الذي لا يستفز نقمة المسلمين هناك أو حقدهم، أو يوافق ادعاءهم أنهم يحكمون بغير الإسلام .
ففي السعودية أحكام اجتماعية تختلف عنها في تونس، أو في الأردن، أو في تركيا أو في باكستان، بالرغم من أنهم جميعهم مسلمين، ولذا نجد أن النظام الاجتماعي القائم ما هو إلا خليط من الأحكام التي لا تقوم على القواعد والمقاييس الإسلامية على الإطلاق، بل تقوم على الإعتبارات التي ذكرنا، وبالتالي فهي ليست من النظام الاجتماعي في الإسلام من شيء، وبالتالي فإن صورة الحياة الاجتماعية التي نراها عند المسلمين ليست هي صورة المجتمع الإسلامي الحقيقي الذي يُبنى عليه ويُحكم به .
قال الله تعالى في سورة آل عمران آية 5 - 7
إنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء، هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ
وقال الله تعالى في سورة آل عمران آية 77 – 78
إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
د . محمد سعيد التركي

صفة الدولة الإسلامية (دولة الخلافة)، مطلب المسلمين الأعظم
لا بد للمسلمين مجدداً من التعرف على النظام الاجتماعي في الإسلام، في دولة الإسلام، لجهلهم بالنظام الاجتماعي، ولعلمهم المحصور بما نُقل إليهم من صورة مشوهة وتضليل عن حقيقة النظام الاجتماعي في الإسلام، وعن صورة المجتمع الإسلامي الحقيقي، حيث أصبح التصور عن النظام الاجتماعي أنه مجرد علاقة الرجل بالمرأة، الذي تكون فيه السيادة المطلقة للرجل على المرأة، وله الحق في تعدد الزوجات، أو أن المرأة وغطاءها وحجابها وبقاءها في بيتها هو المقصود كل القصد بالنظام الاجتماعي، أو أن المقصود بالنظام الاجتماعي هو الزواج والطلاق وتربية الأبناء من المرأة، والنفقة على البيت من الرجل، أو على الأقل الظن القائم أن الصورة الحالية في الحياة الاجتماعية في بلدان المسلمين هي الصورة التي تمثل نظام الإسلام في الحياة الاجتماعية.
هذا التصور هو تماماً ما يخالف صورة النظام الاجتماعي في الإسلام من ناحية : أولاً أن النظام الاجتماعي شأنه شأن باقي أنظمة الدولة الاقتصادية والتعليمية والسياسية لا يمكن تطبيقه منفرداً، بل هو كغيره من الأنظمة نظام مكمل لغيره من أنظمة الدولة الإسلامية، ولا يمكن تطبيقه إلا تحت مظلة دولة إسلامية كاملة الصفات، مطبق فيها كل أحكام الله وتشريعاته في جميع جوانب الحياة، وهذا بالمشاهد المحسوس خلاف الواقع الذي نعيشه اليوم، فلا دولة إسلامية ولا نظام اجتماعي إسلامي بالبداهة .
ثانياً أن النظام الاجتماعي هو مجموعة من القوانين التي ترسم هيأة الوحدة العائلية المسلمة، كما ترسمه للمجتمع الإسلامي بأكمله، عند كل المسلمين كافة، وليس في قطر واحد من الأقطار الإسلامية الممزقة القائمة اليوم، وليس النظام الاجتماعي قوانين متفرقة تخضع لآراء هذا وآراء ذاك، وإنما هي أحكام شرعية أصلها القرآن وسنة نبينا محمد ، وكيانها يتحقق في التطبيق العملي في الواقع .
فالنظام الاجتماعي في الإسلام نظام يقرر كل التعاريف والقوانين المتعلقة بحياة المسلمين الاجتماعية، إبتداء بتعريف المرأة والرجل كل على حدة، وتعريف نظرته إليهما، وتحديد ماهية الصلة التي تربط المرأة والرجل، وكيفية تنظيم هذه الصلة في الحياة الخاصة، وتنظيمها في الحياة العامة، وتعريف ماهية الحياة الخاصة، وتعريف ماهية الحياة العامة، وترتيب الوضع الاجتماعي للمسلمين بأحكام معينة تحافظ على تحقيق هذه الصلة بضوابط معينة، كتعريف مسائل الاختلاط الشرعي والغير شرعي، والخلوة الشرعية والغير شرعية، وتعريف العورات، وكيفية التعامل معها حتى بالنظر إليها، وتنظيم عملية العلاقة بين الرجل والمرأة في داخل منزلهما وخارجه، ثم تعريف المحرمات من النساء والمحرمين من الرجال، ووضع ضوابط كيفية ارتباط الرجل بالمرأة، وتعريف عملية الزواج وعملية الطلاق، وماهية الحياة الزوجية، وحقوق الزوجين والأبناء، وما يتعلق بكل هذه المسائل من مسائل النسب والرضاعة والولاية والكفالة والنفقة، وكل ما يتعلق بتعدد الزوجات، إضافة إلى ذلك موقف الإسلام في مسائل العمل خارج المنزل أو داخله، خاصة فيما يتعلق بالمرأة، وانتهاء بمسائل صلة القربى والأرحام وعلاقاتهم وحقوقهم تجاه بعضهم البعض، ومسائل أخرى كثيرة .
وقد فقدت كل هذه المسائل جميع القنوات التي تكفل العلم بهذه المسائل مجتمعة أو متفرقة، وفقدت الإقرار بالحكم بها والإرادة لتنفيذها، منذ أن أسقط في يد المسلمين وتلاشت دولتهم، وفتحت تلقائياً كل القنوات النظامية والفكرية والأدبية التي تقول وتطبق وتسمح لكل ما يخالف أحكام الإسلام في النظام الاجتماعي، فظهر وتفشى بين المسلمين خليط من الأفكار، منها ما لا يرى بأساً من تحرر المرأة تحرراً على المقياس الغربي بالتكشف والتعري والاختلاط بالرجال الأجانب، والظهور في الإعلام والأفلام بشكل سافر ومريع، وظهرت أفكار أخرى متشدّدة خضعت للأهواء لا تقل سوءاً عن نقيضتها المتحررة، وهو بمنع المرأة من ممارسة الأعمال التجارية أو الصناعية أو غيرها خارج منزلها، وبمنعها من الاختلاط المباح في الحياة العامة، وعرّفوا عورة المرأة أنها كلها عورة بدون استثناء وجهها وكفيها، مما دفع هذا التشدد إلى الجمود في التفكير والانهيار في الخلق، وتسبب في نزاعات وشقاقات داخل الأسرة الواحدة وخارجها، وقلق الأسرة الإسلامية، وتسبب في غلبة روح التذمر والتأفف على أعضاء الأسرة، وتسبب ذلك كله إلى شلّ المرأة عن المشاركة في النهضة، وتجميدها عن العمل والإنتاج، ومنعها من الاكتشاف والتطوير، وأصبحت بلاد المسلمين رجولية صرفة، تديرها يد واحدة فقط .
قبل أن نتحدث عن نظام الدولة الإسلامية الاجتماعي أتحدث عن النظام الاجتماعي القائم اليوم، وعن الفلسفة والفكر التي يقوم عليها هذا النظام، فهو يستند على فكرتين رئيسيتين يشكلان روح هذاالنظام :
1) السعادة بالمفهوم الغربي (الغير إسلامي)
2) الحرية الشخصية الغربية
وحيث أن مفهوم السعادة الغربي يسير بتكافؤ مع فكرة الحرية الشخصية، فالنظام الاجتماعي في الغرب يستمد أفكاره وقوانينه من هاتين الفكرتين: فمن لم يؤمن بأن الله هو السيد المشرع الذي يقرر حياة الناس الاجتماعية، تبقى وتظل السعادة عند هذا تتجسد في الأخذ بأكبر نصيب من المتع الجسدية، لأن التشريع إن لم يأت من عند الله سبحانه وتعالى، فسيأتي حتماً من عند غير الله، أي من الإنسان، وحيث أن الحرية الشخصية قد تَقرَّرَ شرعها من عند الإنسان لنفسه، آن للإنسان أن يقرر نظاما اجتماعيا لنفسه، ويقرر كل التعاريف المتعلقة بالنظام الاجتماعي، كتعريف المرأة وتعريف الرجل، ويقرر ماهية العلاقة التي تربطهما ببعضهما، ويقرر مفهوم العورات، ويضعه بنفسه لنفسه، ويقرر من هم المحارم من عدمهم، ويقرر عمليات الإرث على أساس هذه المفاهيم.
لذا فإن الإنسان الكافر قرر حياته الاجتماعية ويقررها بحسب ما تملي عليه نزعته إلى الأخذ بأكبر نصيب من المتع الجسدية، ليحقق كما يظن سعادته، دون مراعاة أي قيم روحية أو إنسانية أو أخلاقية، إلا الجزء الذي اضطر الغرب إلى محاولة تصليحه وترقيعه ثم إلزام الناس به بالقانون، بعد نتاج الفساد والظلم الاجتماعي الذي ظهر من خلال هذه الحرية بين الناس أنفسهم، وخاصة الفساد والظلم الذي وقع ويقع عادة على الطرف الضعيف في هذه المعادلة، وهم النساء والأطفال والشيوخ والعجائز والفقراء، والجزء الذي حاولوا ترقيعه تحت شعار أن حرية الإنسان تتوقف عند مساس حرية الغير .
على هذه الأصل قام النظام الاجتماعي الغربي، وبُني عليه كل الأفكار والقوانين والأنظمة، وتأسست على قواعده الأعراف والعادات والتقاليد .
أما في البلدان الإسلامية اليوم فإن أصل النظام الاجتماعي غير إسلامي على الإطلاق، وأشبه ما يكون بالنظام الغربي، اللهم أنه مقيد بقيود اجتماعية تعتمد على الاجتهاد الفردي من المسلمين، ومقيد ببعض الأعراف والتقاليد والعادات الاجتماعية الموروثة عندهم، والآخر مقيد بالسلطة المعطاة لرجال الدين في أحد الأقطار الحالية من البلاد الإسلامية المختلفة، ليرسموا للناس من الأحكام الاجتماعية ما يتوافق مع سياسة الدولة ونظامها، ونبذ ما لا يتوافق معها ومع القوانين الدولية، والآخر ما تعرض للتشويه المريع ولكن بالقدر الذي لا يستفز نقمة المسلمين هناك أو حقدهم، أو يوافق ادعاءهم أنهم يحكمون بغير الإسلام .
ففي السعودية أحكام اجتماعية تختلف عنها في تونس، أو في الأردن، أو في تركيا أو في باكستان، بالرغم من أنهم جميعهم مسلمين، ولذا نجد أن النظام الاجتماعي القائم ما هو إلا خليط من الأحكام التي لا تقوم على القواعد والمقاييس الإسلامية على الإطلاق، بل تقوم على الإعتبارات التي ذكرنا، وبالتالي فهي ليست من النظام الاجتماعي في الإسلام من شيء، وبالتالي فإن صورة الحياة الاجتماعية التي نراها عند المسلمين ليست هي صورة المجتمع الإسلامي الحقيقي الذي يُبنى عليه ويُحكم به .
قال الله تعالى في سورة آل عمران آية 5 - 7
إنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء، هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ
وقال الله تعالى في سورة آل عمران آية 77 – 78
إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat