صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

السائق والشهيد!...
عبدالاله الشبيبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قال عزوجل في محكم كتابه العزيز: وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ... سأل احد الاخوة عن معنى السائق والشهيد، من هما؟ والى أي شيء يدلان؟. اذ قلت له السائق الذي يسوق النفس الى محشرها والشهيد الذي يشهد على عملها، والمخاطب هو الانسان بما كان يعمل في الحياة الدنيا، كما يمكن ان يقال ان السائق هي النفس نفسها والشهيد هو العقل، من حيث جاءت كلمة نفس بصيغة التنكير ومن هنا نفهم ان الذي يجي يوم القيامة الانسان بما يحمل معها من الاعمال التي تسوقه الى مصيره النهائي وتشهد عليه بما كان يقترف من الاعمال.
وقد قال العلامة الطباطبائي في تفسيره عن معنى قوله تعالى: وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ، السياقة حث الماشية على المسير من خلفها بعكس القيادة فهي جلبها من أمامها.
فقوله: وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ أي جاءت إلى الله وحضرت عنده لفصل القضاء، والدليل عليه قوله تعالى: إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ.
وحضرت عنده تعالى كل نفس معها سائق يسوقها وشاهد يشهد بأعمالها ولم يصرح تعالى بكونهما من الملائكة أو بكونهما هما الكاتبين أو من غير الملائكة، غير أن السابق إلى الذهن من سياق الآيات أنهما من الملائكة.
وكذا لا تصريح بكون الشهادة منحصرة في هذا الشاهد المذكور في الآية بل الآيات الواردة في شهداء يوم القيامة تقضي بعدم الانحصار، وكذا الآيات التالية الذاكرة لاختصام الإنسان وقرينة دالة على أن مع الإنسان يومئذ غير السائق والشهيد.
ويذكر ابن ابي الحديد في شرحه للنهج: سائق يسوقها إلى محشرها وشاهد يشهد عليها بعملها، وقد قال بعض المفسرين إن الآية لا تقتضي كونهما اثنين بل من الجائز أن يكون ملكاً واحدا جامعا بين الأمرين كأنه قال جاءت كل نفس معها ملك يسوقها ويشهد عليها، وكلام أمير المؤمنين يحتمل ذلك أيضاً لأنه لم يقل أحدهما لكن الأظهر في الأخبار والآثار أنهما ملكان. المصدر: شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد، ص348.
ويقول السمرقندي وَجَاءتْ أي: جاءت يوم القيامة كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ سائق يسوقها إلى المحشر، ويسوقها إلى الجنة، أو إلى النار. وَشَهِيدٌ يعني: الملك يشهد عليها. وقال القتبي: السائق هاهنا، قرينها من الشياطين، يسوقها. سمي سائقاً، لأنه يتبعها، والشهيد: الملك. ويقال: الشاهد أعضاؤه. ويقال: الليل، والنهار، والبقعة، تشهد عليه. المصدر: بحر العلوم، السمرقندي، ج4، ص187.
فالسائق يسوقه نحو محكمة عدل الله، والشهيد يشهد على أعماله! وهي كمحاكم هذا العالم إذ يسوق المأمورون المتّهمين ويأتون معهم للمحكمة ويشهد عليهم الشهود.
وإحتمل بعض المفسّرين أنّ السائق هو من يسوق الصالحين نحو الجنّة والطالحين نحو جهنّم، ولكن مع ملاحظة كلمة الشهيد معها يكون المعنى الأوّل وهو السوق نحو محكمة عدل الله أنسب.
ولكن من هما السائق والشهيد؟ أهما ملكان من الملائكة أو سواهما، هناك تفاسير متعدّدة.
قال بعضهم: إنّ السائق هو الملك الذي يكتب الحسنات، والشهيد هو الملك الذي يكتب السيّئات، فيكون المراد بهما الملكين.
ويستفاد من بعض الرّوايات أنّ السائق ملك الموت والشهيد رسول الله (ص). وقيل أنّ السائق أمير المؤمنين(عليه السلام)، والشهيد رسول الله(ص) ولكن هذه الرّواية مع ملاحظة لحن الآيات تبدو ضعيفة. وقال بعضهم: السائق الملك الذي يسوق كلّ إنسان والشهيد عمل الإنسان.
كما قيل أنّ السائق ملك والشهيد أعضاء جسم الإنسان أو صحيفة أعماله أو الكتاب الذي في عنقه.
ويحتمل أنّ السائق والشهيد ملك واحد، وعطف اللفظين بعضهما على الآخر هو لإختلاف الوصفين، أي أنّ مع الإنسان ملكاً يسوقه إلى محكمة عدل الله ويشهد عليه أيضاً.
إلاّ أنّ أغلب هذه التفاسير مخالف لظاهر الآية، وظاهر الآية كما فهم منه أغلب المفسّرين أنّ ملكين يأتيان مع كلّ إنسان، فواحد يسوقه والآخر يشهد على أعماله.
ومن الواضح أنّ شهادة بعض الملائكة لا تنفي وجود شهادة اُخرى لبعض الشهود في يوم القيامة، الشهود الذين هم من قبيل الأنبياء وأعضاء البدن، وصحائف الأعمال والزمان والمكان الذين وقع عمل الإنسان فيهما أو أثم فيهما. المصدر: تفسير الامثل، ج17، ص34.
وقال السعدي عن معنى الاية: وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ، يسوقها إلى موقف القيامة، فلا يمكنها أن تتأخر عنه، وَشَهِيدٌ يشهد عليها بأعمالها، خيرها وشرها، وهذا يدل على اعتناء الله بالعباد، وحفظه لأعمالهم، ومجازاته لهم بالعدل، فهذا الأمر، مما يجب أن يجعله العبد منه على بال، ولكن أكثر الناس غافلون.
وقال صاحب التحرير والتنوير: والسائق الذي يجعل غيره أمَامه يزجيه في السير ليكون بمرأى منه كيلا ينفلت وذلك من شأن المشي به إلى ما يسوء قال تعالى: كأنما يساقون إلى الموت، وقال: وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا، وأما قوله: وسيق الذين اتّقوا ربّهم إلى الجنّة زمرا، فمشاكلة. وضِد السوق: القَودْ.
أنَّه في يوم القيامة وعند الحساب يُؤتى بما يُحاسب عليه الفرد، أي: نحاسبه عليه، فنثبت الجريمة، ثُمَّ هكذا نورد العقاب أو نثبت الفضل، ثُمَّ نثبت عليه الثواب أو العقاب، وهذا لا يكون إلّا بضبطٍ، أي: بعلمٍ وحجّةٍ شرعيّةٍ ونحو ذلك من الأُمور، فجانب الإثبات للأعمال هو الكتاب، أي: أُسلوب التعرّف عليها، والله سبحانه وتعالى حشدّ أُموراً كثيرة في الكون للتعرّف على الأعمال، بالرغم من أنَّنا جالسون هنا كالنعامة واضعين رؤوسنا في الرمل، حتّى كأنَّنا لا نتخيّل أنَّ أحداً ناظرٌ إلينا. فليس الله فقط ناظراً إلينا، بل كثيرٌ من المخلوقين ينظرون، بلّ لعلّ كلّ المخلوقين ناظرون‏ إلينا. المصدر: منة المنان، ج‏4، ص86.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/12/28



كتابة تعليق لموضوع : السائق والشهيد!...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net