صفحة الكاتب : عزيز الخزرجي

ألحركات ألأسلاميّة و تجربة ألحكم! – ألقسم ألأوّل
عزيز الخزرجي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ألمقدمة :

 ألحركات ألأسلاميّة ألمُعاصرة في مخاض عسير و هي تُواجه تحدّيين خطيرين و بآلعمق بعد تأقلمها مع آلوضع ألعالميّ ألجديد؛

ألأوّل: خارجيّ.
ألثّانيّ:دّاخـليّ.

فهل ذلك ستُغيّر مسارها و أهدافها ألتي بدأتْ تندمج قسراً في سياق ألأهداف ألأسْتراتيجيّة للمنظمة ألأقتصاديّة ألعالميّة!؟

ما مدى إمكانيّة نجاحها لتحقيق أهدافها – أيّ الحركات و آلانتفاضات - ألمركزيّة آلتي وُجدتْ لأجلها, أو خلاصها على آلأقل من حالة ألتّبعية ألتي إستقرّتْ عليها رغم إرادتها بسبب تنكيل آلحكومات بها و آلضغوط ألدّوليّة و آلعالميّة!؟

و ما آلسبب في كلّ هذا آلبلاء ألذي واجهتها و تواجهها منذ تأسيس آلحركات ألأسلاميّة و معها آلمسلمون أساساً!؟

فعلى آلصّعيد ألخارجيّ؛ تبيّن للعالم بأنّ آلغرب إسْتَخْدمتْ أساليب جديدة للتعامل مع مُجمل آلتّطورات و آلأحداث و آلحركات ألجارية في آلشرق ألأوسط .. تختلفُ من دولة لأخرى و من حركة لأخرى ضمن مُعطيات ألواقع و آلقوى و آلظروف ألطارئة ألّتي إكتنفتْ مسيرة و متبنيّات ألحركات ذات ألطابع "ألأسلامي" أو "ألوطني", بإتّجاه مصالح تُجّار ألحرب و آلمال في آلمنظمة ألأقتصاديّة ألعالمية ضمن آلأطر و آلأتفاقيّات ألتي أبرمتها خلال العقود ألثلاثة ألأخيرة مع آلحكومات ألقلقة ألسّابقة, و إعتبرتها خطوط حمراء في إستراتيجيتها خصوصاً فيما يتعلق بـ "آلمنطقة ألكبرى" و قلبها آلنابض بآلنّفط(1).

و قد زاد إهتمام ألغربيين بمنطقة آلخليج بشكلٍ مُكثّف بعد إنتصار ألثّورة ألإسلامية في إيران ألّتي قلبتْ ألمعادلات في ألعالم حين أعطتْ زخماً هائلاً للحركات و آلشعوب ألمقهورة و لجميع مستضعفي ألأرض للمطالبة بحقوقها الطبيعية المغصوبة على آلأقل, لذلك نراها - أيّ ألغرب - أعادتْ حساباتها و تقييمها بشكل أدقّ للمنطقة و للوضع ألعالمي ألجّديد و للطلائع ألحركيّة و هويّة قياداتها فرداً فرداً من خلال مدى قُربهم أو بُعدهم من مُتبنيّات آلثّورة كحدثٍ جديدٍ لم يُحسب لها حساب من قبل, فتعاطفت و إحتظنتْ تلك آلتي تَبَنّتْ في مُعتقداتها و نهجها أصولاً تبتعد قليلاً أو تتقاطع مع أصول تلك آلثّورة ألأسلاميّة مذهبيّاً كآلأخوان ألمسلمون و آلسّلفيّيون ألوهابيّيون مثل حركة ألطّالبان و ألقاعدة و جند ألصّحابة بعد تأسيسها بدعم و توجيه ألمخابرات ألدوليّة و طُلاب ألمدرسة ألحقّانيّة في باكستان و مدارس الوهابية, كما حاولتْ من آلجّانب ألآخر إستمالة ألحركات و آلأحزاب ألتي تبنّتْ مُعتقداتاً و أصولاً مشتركة مع نهج آلثّورة ألّتي قلبتْ ألطاولة أمام  ألأستكبار ألعالمي, من خلال ترغيب و جذب كوادرها لأوربا و أمريكا!

 و كانتْ عليها – أيّ الغرب – أنْ تتفنّن في كيفيّة ألتّعامل مع آلوضع ألجّديد بحساسيّة عالية و ذلك بإستمالة تلك آلحركات بإتّجاه تنفيذ مُخططاتها و كذلك مؤآزرة ألحكومات - ألعربيّة ألدّكتاتوريّة على وجه ألخصوص - لدفعها و تعبئتها ضدّ أهداف ألثّورة ألأسلامية ألعالمية, فإستخدمتْ آليات مُتطورة عبر آلصّعيد ألأستخباري و ألعسكري و آلحصار ألأقتصادي و آلسّياسي و آلأعلاميّ, و لم تنكشف أكثرها حتّى آللحظة للكثيرين .. و نجحتْ إلى حدٍّ بعيد من تغيير سياسة آلحكومات و مسار آلحركات حتّى عن أهدافها ألمركزيّة ألّتي تأسّستْ من أجلها قبل إنتصار ألثّورة .. بإستثناء حزب الله و آلقوى ألمتحالفة معها في بلاد ألشّام!

و أصبحتْ إيران بعد ثورتها ضدّ آلشّاه ألّذي أذلّ آلعرب و نظام صدّام بآلذات "فارسيّة" و "عنصريّة" و "صفويّة" و حتّى "إسرائيلية" بنظرهم, هذا على آلرّغم من أنّ آلثّوار و منذ لحظة الأنتصار أبدلوا العلم الأسرائيلي بآلعلم الصهيوني, حتّى صرّح بيغن رئيس ألوزراء ألأسرائيلي في وقتها بآلقول: "لقد حدث في إيران زلزال كبير ستصلنا هزّاته فيما بعد!"(2).


و في أفغانستان وصل آلأمر بحركة ألطّالبان و آلقاعدة ألسّلفيّتان و ألّلتان تأسّستا بتخطيط مُتْقَنْ بعد نجاح الثورة الأسلاميّة بدعم من ألمخابرات ألأنكلو – أمريكية و بآلتنسيق مع مخابرات ألبُلدان ألعربيّة و بمعونة ألأموال ألخليجية و في مقدّمتها  ألسّعودية بدعوى قتال ألكفّار و آلمشركين - حتّى وصل آلأمر بتلك ألحركتين ألسّلفيّتين لئن تُعلنا ألمواجهة مع آلدّولة ألأسلاميّة عسكريّاً و وجهاً لوجه(3), حيث أقدم آلطالبان بعد ما وصلتْ للسلطة في أفغانستان أواسط تسعينيّات ألقرن ألماضي على ذبح جميع أعضاء ألقنصليّة ألأيرانيّة في مزار شريف بعد إحتلالها و سرقة محتوياتها في زمن رئاسة ألسّيد ألخاتمي  للجمهورية ألأسلاميّة عام 1997م, لكن حكمة قيادة ألدّولة  ألأسلاميّة حالتْ دون وقوع ألحرب ألّتي كانتْ لو وقعتْ لأستنزفتْ ما تبقى من إمكانيّاتْ إيران ألّتي لم تكنْ قد مضي على خروجها من حربٍ إستكباريّة سابقة سوى بضع سنوات حين هجم نظام و جيش ألبعث ألعراقي ألبائد عليها بداية 1980م و على مدى أكثر من ثماني سنوات, و بعد فشل ذلك ألمخطط, بدأ ألّأستكبار العالمي تُمهد  لدفع حركة ألطالبان هذه ألمرّة و بدعم ألأموال الخليجية لشنّ حربٍ ثانيّة عليها .. بآلضّبط كما كانت تدعم من قبل حرب صدام أو آلجماعات الأسلاميّة ألأفغانيّة و ألعربيّة - ضدّ آلرّوس حين أُسْتُخدمتْ  أفغانستان كمصيدة لأستنزاف تلك آلدولة ألعملاقة على مدى أكثر من عشر سنوات لتكون صخور أفغانستان نهايةً للدّب ألرّوسي.

لكن صمود آلثورة ألأسلاميّة في هذا آلوسط و آلتي كانتْ كآلعاصفة ألتي هبّـتْ و غيّرتْ مسارات ألوفاق ألدّولي بما لا تشتهي سفينة ألأدارة ألأمريكية ألتّي أرادتْ أن ترسو على شواطي ألدّولة الأسلاميّة ألفتيّة و معها أذيالها الحكّام ألعرب للقضاء عليها و ما إستطاعتْ!

و بعد أنْ لمْ تنجح أمريكا في كامل خطّتها؛ بدأتْ بإعادة ألنّظر مُجدّداً في مصير "ألمنطقة ألكبرى" ألّتي يُعتبر ألخليج قلبها و مركزها بحسب تسميتها, لكونها تضم بحدود 82% من نفط ألعالم, حيث رأتْ أنّ آلأمور لا يُمكن ألسّيطرة عليها من بعيد بعد تفاقم ألأحداث و بروز ألقوّة ألأسلامية, و لا بُدّ من آلحضور ألواقعي على آلأرض, و إلّا فأنّ زمام الأمور ستفلتْ من يديها إلى آلأبد بفعل إمتدادات تلك آلثورة و تأثيراتها آلّتي أعطتْ ألقوّة للحركات و أرجعتْ ألأمل لنفوس ألمُستضعفين ليس فقط في آلمنطقة بلْ في كلّ آلعالم, لهذا نراها بدأتْ تُخطّط بحسب ألأوضاع و آلمُستجدّات في كلّ دولة من آلدّول ألمُستهدفة ألقلقة ألمُقبلة على آلتّغيير .. بإتّجاه تضمن معها سلامة أمنها القوميّ(4)!

 و كان آلعراق هو آلمُرشح لترتيب ألأوضاع فيها قبل غيرها بعد ما عاد البعث الهجين عجوزاً ضعيفاً و منبوذاً حتّى من قبل الحكام الآخرين و آيلاً للسقوط بسبب آلأنتفاضات العديدة التي أسقطت النظام اكثر من مرّة لولا آلتدخل الأمريكي لأنقاذها في اللحظات ألأخيرة.

و بعد أنْ أتمّت حضورها – أيّ أمريكا - و بَنَتْ قواعدها في أفغانستان ثمّ آلعراق و سارعت لتحكيم وجودها في ألمناطق ألسّتراتيجية عبر قواعدها ألعسكريّة ألسّابقة في آلناتو و في دول آلخليج ألعربية و في آلبحار و آلدول ألقريبة و ألمنضوية تحت حلف ألنّاتو كتركيا ألعلمانيّة؛  بدأتْ بتعبئة و تفكيك ألقوى و آلحركات ألتي سيكون لها دورٌ في مستقبل المنطقة و آلّتي واجهت ألقمع من قبل آلحكومات ألتي تسلطتْ عليها في دولها حتّى أصبحتْ شبه نائمة بنظرها؛ لكشف مدى إستعدادها و حجمها و مصداقيّتها, أيّ؛ قربها أو بعدها عن ألأهداف ألغربيّة ألأستراتيجية, و هي تُراقب عن كثب جميع آلتطورات بحذر .. و تُسيّير ألأحداث في آلدّول ألسّاخنة بإدارة مُباشرة على نفس ألأرض و بآلتنسيق مع أقطاب ألمعارضة ألّتي لجئتْ أكثر قياداتها للدول ألغربيّة بحثاً عن مكان آمن و حياةً مستقرّة و آلتخلص من ضغوط ألواقع ألتي أتعبتهم و أذلتهم إلى حدّ بعيد! و بعد أنْ إطمأنوا لميولها – أيّ ميول ألحركات ألمعارضة و إستسلامها لضغوط ألواقع خصوصاً بعد توقف آلحرب ألعراقيّة ألأيرانيّة - نحو آلغرب ألتي قدّمتْ لهم بدورها كافة ألمساعدات و آلدّعم, سارعوا لتنفيذ خطتهم بدءاً بإسقاط ألنظام ألّذي وصل إلى أضعف نقطة بسبب ألحصار ألذي فُرض عليه .. ذلك آلنّظام ألّذي لم يعد مرغوباً به في أكثر ألدّول ألخليجيّة و آلعربية ألتي عانت ألأمريّن من مغامراته و حروبه ألطائشة, و آلتي فقدت معها تلك الدّول موارد مالية و نفطية ضخمة!

أمّا باقي ألدّول ألعربيّة كمصر و ليبيا و غيرهما؛ فقد إختلف وضعها, حيث نرى أنّ آلغرب سارع في ترتيب ألأوضاع فيها بعد ما إنتفضتْ شعوبها و أسقطوا حكوماتها,  ليبدأ آلتنسيق ألمباشر مع أكبر ألجّماعات الأسلامية ألّتي تواجتْ فيها كـ "الأخوان المسلمين" و "حركة التنمية و آلعدالة ألتونسية" و آلسّلفيين في ليبيا ألذين قلبوا صفحة جديدة بتعاطفهم وتوافقهم مع سياسة أمريكا و آلغرب من خلال لقاآت متتالية لقادة تلك آلأحزاب في عواصمهم و خارجها مع مبعوثين أمريكيين و غربيين, ليعطوا لهم ألضوء ألأخضر لهم بعد رفع ألخطوط ألحمراء عنهم للدخول إلى ألعمليّة ألسّياسية من أوسع أبوابها, بآلطبع من خلال ألمُشاركة مع آلجيش و آلكيانات ألتي تُسيرها ألأدارة الأمريكية رغم إنقلاب ألأوضاع في آلبلاد!

و في تونس نرى أنّ ألحركة الأسلاميّة رغم فوزها في آلأنتخابات إلّا أنّها بَدَتْ و كأنّها عاجزة عن قيادة آلوضع ضمن مُتبنيات ألحركة الأسلاميّة ألتونسية بقيادة راشد ألغنّوشي, بإعتبارها من مدرسة الأخوان ألمُسلمين, و لكون رؤيتها ألفكرية لقضيّة ألحكم و آلنّظام ألأسلاميّ تنقصها ألعمق و ألمرجعيّة ألأسلاميّة ألمتحركة ألمُنفتحة على قضايا آلعصر من جهة .. و أنقطاع إرتباطها بحبل ألولاية ألألهية من جهة أخرى؛ نراها بقتْ سائبة و مُتذبذبة في مواقفها ألرّئيسيّة حيال ألقضايا ألرّئيسية ألجديدة ألتي واجهت ألبلد بعد زوال ألأنظمة السابقة كالدّستور و نوع ألحكم و قوانين ألقضاء و آلأدارة و ما إلى ذلك من قوانين و أنظمة, ممّا سبّب هذا آلوضع عدم إستلام ألحركة ألأسلامية التونسية حتى رئاسة ألحكومة ألحاليّة رغم فوزها السّاحق في آلأنتخاباتْ, و بآلتالي عدم تحكّم ألقوانين ألأسلاميّة في آلنظام ألجديد - ألقديم!

و هكذا في آلمغرب ألعربيّ و بقيّة ألبُلدان ألعربيّة ألّتي بدأتْ شعوبها تشعر بآلظلم و آلحيف ألواقع عليها بقوّة بسبب عمالة و دكتاتوريّة ألحُكّام ألعرب .. إلى آلحدّ ألّذي – و كما رأينا - بأنّ ألغرب ساهم بشكلٍ فعّال في نصرة ألشّعب ألّليبي المظلوم غير مُبالياً بمن سيكون ألبديل بعد آلثورة!؟ ليقينها بأنّ أقطاب ألحركة ألسّلفيّة و معهم آلوطنيّيون لا يملكون برنامجاً و مشروعاً تغييريّاً قد تتقاطع معها في أسس آلنظام ألبديل بعد آلقذافي!

 

لذلك لم تَرَ أيّ خطر جدّي منها على مصالحها ألسّتراتيجيّة في من سيكون البديل في آلدول ألعربية بإستثناء ألبحرين و آليمن لوجود آلأكثرية ألتي تسير ضمن منهج أهل البيت(ع) بخلاف السّلفيين!

و ليس  هذا فقط بل إعتبرتْ أمريكا أليوم بأنّ ألسّلفيّة هي خير حركة (إسلاميّة) تستطيع – أيّ آلغرب - من خلالها تنفيذ مخططاتها حتّى خارج ألمدار ألعربي لو تطلب آلأمر ذلك, لهذا لم تتوانى في تأييدهم و مساعدتهم لخلاصهم من آلدكتاتور حسني مبارك و ألقذافي و زين ألعابدين بن عليّ ألذين لم يكن لديهم أيّة مشكلة أساسية مع آلغرب في غضون أشهر قليلة .. كل ذلك كي لا تخسر مواطئ القدم في الوضع الجديد, ليواجه آلشّعب بسبب هذا التعامل المُغرض و آلمُسيس و بعد كلّ تلك آلجرائم ألتي أُرتُكبتْ بحقها من قبل تلك الأنظمة التي نفّذتْ مخططات ألغرب – ليواجه آلشعب من جديد .. نفس آلمُشكلة التي واجهها آلشّعب ألمصريّ أو آلتّونسي أو ألمغربي أو ربّما آلسّوري غداً, فسرعان ما يهرع ألأنتهازيون(ألوطنيّون) و (ألأسلاميّون) لتقديم آلولاء و آلطاعة مُقابل ألكرسيّ, هذا إذا لم تكنْ قد سبقتْ سقوط ألدّكتاتور ألسّابق في إعلان ألولاء, و كأنّ شيئاً أساسيّاً لم يُحدث بعد تلك آلثّورات ألتي عادةّ ما يكون فقراء ألأمّة وحدهم وقودها .. سوى تغيير بعض ألوجوه و آلعناوين و آلشّكليات تحت عباءة ألدّيمقراطية و "حكومة ألوحدة الوطنية" و آلتحالفات ألثنائية أو آلثلاثية و آلتي أصبحتْ عوامل هدم للمجتمعات ألأنسانية و آلعربيّة مع مرور ألزّمن .. بَدَلَ أنْ تكون عوامل بناء لمستقبلها, حيث إنّ تسويق كلّ ذلك بآلأساس لا يتمّ؛ إلّا من قِبَل ألشّركات و آلبنوك ألعالميّة! هذا هو واقع ألحال في آلتّعامل مع آلقوى و آلحركات ألأسلاميّة و آلوطنيّة ألّتي لا ترتبط مباشرةً بآلمرجعيّة ألأسلاميّة ألمتصديّة في بلداننا على آلصّعيد ألخارجي و آلذي يُهدّد من آلأعماق أصل ألتّوحيد لله و آلحقوق ألانسانيّة لشرائح كبيرة من آلأمّة في آلعالم ألعربيّ و آلأسلاميّ!

 

إنّ آلأقطاب ألحركيّة أليوم لا يُمكن أنْ تصل للسّلطة ما لمْ تُعْلن ألولاء للغرب أوّل بأوّل و إلّا فلا مكان و لا حقّ و لا موطئ قدم لها في آلسّلطة حتّى لو كان قادماً لها عن طريق ألأنتخابات(ألدّيمقراطيّة).

أمّا على آلصّعيد ألدّاخليّ:

فأنّنا سنبحث ألموضوع من خلال فكر ألحزب أو ألحركة ألّتي لها ثقلها و وزنها في كلّ دولة من دولنا لبيان متبنّياتها ألعقائديّة, و هو أصل ألموضوع ألّذي نُريد بيانهُ في هذا آلبحث بعد تلك آلتمهيدات, لتحديد و بيان منشأ "ألتحريف" و "آلتّدليس" و "آلضعف" في منهجها .. أو منشأ "ألأستقامة" و "آلصلاح" و "آلقوّة" في طريق سعيها لخدمة عباد الله و تحكيم شرع آلله في آلأرض, و ذلك من خلال أبرز ألحركات ألأسلاميّة في عصرنا ألرّاهن, و قبل آلدخول لا بُدّ من مُقدّمة للموضوع:

لمْ أتعوّد على آلنّقد ألكثير للموضوعات و آلأشخاص خصوصاً ألجّارح منهُ .. لتأثري بمقولة بودا ألحكيمة حيث يقول: [بَدَلَ أنْ تلْعَن ألظّلام إشْعِلْ شمعة]؛

بل حاولتُ دائماً أن أكون سبّاقاً في بناء ألأنسان و آلتّجمعات و بيان ألرؤية ألفلسفية و آلفكريّة للمنهج ألأنسانيّ ألّذي من شأنه دفع عجلة آلتنميّة ألأنسانيّة للأمام!

لكن حين تشهد إنتشار ألظّلام و آلجّهل و آلتّخبط في آلجّماعات و آلأمم بسبب سُننٍ خاطئة من آلأساس و قد أخذت مأخذها في آلأمة وسبّبَـتْ لها ألظّلامات و الأنحرافات و آلمحرّمات لكونها – أيّ ألسنن و آلعقائد - منشأ آلتحريف في آلفكر ألأنساني .. عندها لا بُد لنا من آلوقوف على ذلك و بيان آلأمر للأمّة ألتي لولا قلّة وعيها لما تمكّن "ألسياسيّون" من أكل و هضم حقوقهم!

كما أرى من واجبي – بل من واجبٌ على كلّ إنسانٍ مُثقّف - ألتّصدّي لتلك آلموضوعات, و بيان ألحقيقة ألّتي لا أتعدى ألبرهان و آلدليل لإثباتها من كتاب الله و آراء ألفلاسفة و آلمفكريين و دماء ألطيبين ألمظلومين عبر التأريخ, و كدح الفقراء, و مثلي لا يُمكنه آلسّكوت و مهادنة ألظلم و آلأنحراف و إنْ كلّفني و ما زال آلكثير .. و أ ليس آلله بكافٍ عبدهُ!؟

ألفصول ألأربعة في آلثّورات ألعربيّة:

لقد شهد آلجّميع – كلّ آلعالم – على ما جرى و يجري في أمّتنا بعد آلذي كانْ بفعل فساد ألحُكّام و تلكأ نهج آلثورات و آلأنتفاضات ألتي عمّـتْ في آلبلاد ألعربيّة و آلأسلاميّة بلا نتيجة إيجابيّة!

حتّى سمّاها آلمراقبون إبتداءاً بآلصّيف ألعربي ثمّ آلرّبيع .. و بعدها بآلخريف .. لتدخل فصل آلشّتاء ألذي بدأناهُ للتّو مع بداية السّنة آلميلادية الجديدة2012, و لعلّها كانتْ ألفصول ألأربعة ألطّبيعة ألتي تزامنتْ بحركتها مع فصول حياة أمّةٍ تطبّعت منذ نشأتها و لقرون بل  لآلاف آلسّنين على مبادئ و أصول خاطئة, إبتداءاً بقوانين حمورابي ألظالمة و مروراً "بسقيفة بني ساعدة" فآلحكومات الدكتاتورية ألتي تتابعتْ عليها حتّى يوم آلله هذا!
و تكاد بآلمناسبة أنْ تتساوى ألفصول ألجغرافيّة في معظم قارات ألعالم, بإستثناء قارة إستراليا ألمنعزلة ألواقعة قرب آلقطب ألجنوبي من آلكرة ألأرضيّة .. كجبر طبيعي عجز ألبشر من تغييرها أو التأثير فيها, و كذلك آلحال مع ألفصول ألحياتيّة للبشريّة أيضاً مع بعض ألفوارق و آلأدوار في آلمنعطفات ألتّأريخيّة, و كأنّ آلقائمين على آلحكومات فرضوا أجواءاً طبيعيّة يستحيل على آلنّاس تغييرها جذرياً!

هكذا و على مرّ ألعصور أرادها طُلّاب ألدّنيا لنا, كي نكون في آلنّهاية بمثابة ألعبيد لإرضاء شهواتهم  و أمجاد ألمتصلطين من أصحاب ألشّركات و آلبنوك ألكبرى, و  معهم مُنظّروا ألسّياسة ألغربيّة ألّذين يُحاولون بمعونة ألتكنولوجيا و آلمال سبق آلأحداث دائماً بكلّ وسيلة مُمكنة لركوب ألموج و تفويت فرص ألحقّ للشعوب ألمقهورة ألتي أحياناً تتنبّأ لمأساتها و كرامتها حين يبلغ ألظّلم مداه في أوساطهم, و ذلك لإدامة ألسّيطرة على منابع ألأرض و آلتّصرف حسب مقاساتهم بحقوق ألنّاس و منابع ألثّروة خصوصاً في منطقة ألخليج (بيت ألقصيد) و قلب "ألمنطقة ألكبرى"!

و نحنُ منذُ بداية تلك "آلفُصول ألأربعة" .. بلْ قبلها بزمن بيّنا رؤيتنا بوضوح و حدّدنا موقفنا ألّذي أثبتَـتْ ألأيام و آلسّنين صحّتها, حين قُلنا بأنّ آلأجواء و آلأوضاع ألعربيّة - ألأسلاميّة لا تتغيّر إلى أحسن ألحال و بإتّجاه ألحقّ؛ لا بفعلٍ خارجيٍّ و لا داخليٍّ .. ما لمْ يبدأ ألتّغير داخلياً في آلأنسان - ألمُجتمع – نفسهُ كَكُل, خصوصاً في آلقيادات و آلمُتصديّن في آلحركات ألأسلاميّة, و بيّنا بوضوحٍ و إختصارٍ أنّنا إنْ لمْ نجعل في آلأعتبار ثلاث ركائز كثوابتَ محوريّة إستراتيجيّة في حياتنا ألفرديّة – ألأجتماعيّة - من حيث تكاملها و تداخلها مع بعضها و إرتباطها بآلوجود من آلجانب ألآخر؛ فأنّنا لا يُمكن أنْ نتخلّص من آلظّلم و آلأسْتغلال و آلمحن و آلحروب و آلنّزاعات و بآلتّالي تحقيق ألسّعادة و آلرّفاه للبشريّة!

و تلك آلثّوابت و كما وَرَدَ أيضاً بوضوح في أوّل بيان لنا للأمّة ألعربيّة و آلأسلاميّة و حتّى الأنسانية قبل سنة تقريباً هي:

أولاً: وجود قيادة ربّانيّة مُخلصة ترتبط بآلسّماء من أجل تحقيق مبادئ ألسّماء لإحياء ألبّشريّة .. لا من أجل مصلحة حزب أو عشيرة أو مرجعيّة محدودة لا يهمها سوى مصالحها آلضّيقة تبعاً لتجّار ألحروب! و قد بيّنا تفصيلاً و إستدلالاً منْ هي ألمرجعيّة ألأسلاميّة ألّتي تُمثّل ولاية ألسّماء عن آلنّبي و آلأئمة عليهم ألسّلام في هذا آلعصر ضدّ آلأسْتكبار ألعالميّ ألمتمركز في أمريكا و آلغرب و حتّى في بلداننا في آلشّرق عموماً. و قد فصّلنا آلحديث في بحوث مُفصّلة عنها .. خصوصاً في آلفصل ألأخير من كتابنا " مُستقبلنا بين آلدّين و آلدّيمقراطيّة "!

ثانياً: وجود مجموعة عقائديّة مُثقّفة مُخلصة – معلمين و أساتذة و مُعمّمين و إعلاميين و حركيين - تُؤمن بتلك آلقيادة ألرّبّانيّة ألعالمة ألّتي تُريد خلاص ألمُستضعفين من حالة ألرّكود و آلجّمود و آلتّبعيّة ألّتي سبّبتها بعض ألمرجعيّات ألوضعيّة ألتابعة لقوى آلأستكبار ألعالميّ أو ألدّينيّة ألتي إتّخذتْ غطاء أهل ألبيت(ع) وسيلةً لتحقيق مآربها ألضّيقة, حيث نرى إن قنواتهم و إعلامهم ألأصفر تدّعي ألولاء و آلحبّ لآل ألبيت(ع) و تلطم عليه؛ بينما على آلصّعيد ألعمليّ يعقدون آلتّحالفات مع آلشّياطين في آلغرب و ينتهجون سُبل آلمُستكبرين لضرب و تقويض ألولاية – ولاية أهل ألبيت(ع) ألّتي رفع رايتها من إعترف بصدْقهم و ثباتهم من ألأعداء قبل آلأصدقاء, و معروفون آليوم بأنّهم وحدهم  منْ يقف مع قضايا تحرّر آلشّعوب في آلعالم لنجاتهم من آلتّبعيّة و آلفقر و آلذّل.

ثالثاً: وجود ألفكر ألأنسانيّ ألمعرفي؛ ألمُتجذّر في عقيدة ألتّوحيد؛ ألمتطوّر مع آلفكر؛ ألمُتحرّك في آلزّمان و آلمكان؛ ألدّاعي لتوحيد الله دون آلطغاة, طبقاً للأصول ألأساسيّة ألتوحيديّة في آلتّشريع خصوصاً في آلمجال ألأجتماعيّ و آلسّياسيّ و آلقضائيّ و حتّى آلشّخصيّ(للأنسان ألعامل) بإتّجاه تحقيق آمال ألأنسان و آلغاية من خلقه و وجوده و آلتي لخّصناها في بحوث عديدة سابقة بآلسّعادة من خلال ألمعرفة و آلتّكامل ألأنسانيّ, و قد بحثنا تفاصيل هذا آلموضوع من خلال بحوثنا في كتاب "أسفارٌ في أسرارِ ألوجود".

تلك هي نظرتنا من آلجذور لمحنة ألأنسان في هذا آلعصر و آلحلقة آلمفقودة في تحرّكه, حيث أعتقد بأنّ تغيير أو إبدال فريقٍ مُقابل فريق آخر؛ أو حزب بدل حزب آخر؛ أو حكومة بَدَلَ حكومة أخرى؛ أو شخصٍ بدلَ شخصٍ, سوف يكون بلا فائدة و لا تنفع ألأمّة  و آلأنسانيّة شيئاً, لأنّ آلشّخص ألجّديد أو تلك الجّماعة أو آلحكومة ألبديلة هي من نفس ألعجين ألذي صنع منه من كان قبلهم في آلحُكم و آلرئاسة, و آلقوانيين ألأساسية هي نفسها, ممّا يسبّب هذا آلوضع و كما شهدنا؛ إدامة و تكرارِ ألمآسي و آلظّلامات حتّى لو تغيّرتْ ألخرائط و ألعناوين و آلشّكليات و آلشّعارات و القيادات!

و آلحال ألّذي وقفنا عليه من خلال متابعاتنا و دراساتنا ألمُستفيضة للأوضاع ألقائمة في آلعالم و منها وضع ألأمّة ألعربية بآلذّات .. توصّلنا إلى فقدان آلبشريّة و بدرجات متفاوته للعوامل ألثّلاثة .. رغم بروز أهميّة ألعامل ألأوّل أكثر من غيرها من خلال تجربة ألثّورة ألأسلاميّة في إيران و إنْ لم تتحقّق كامل آلأهداف ألتي حدّدناها في آلواقع بآلشّكل ألمطلوب لأسبابٍ أهمّها عامل ألزّمن؛ تكالب ألقوى الوضعيّة عليها مجتمعةً؛ وجود مرجعيات إستغلتْ راية أهل البيت(ع) كبديل بعد توحّدها و سيرها ضمن آلمنهج ألأسْتكباريّ جَهْلاً أو تجاهلاً أو تعصّباً لهوى آلنفس.

إنّ تأكيدنا على تلك آلعوامل ألثّلاثة أعلاه, من شأنه تحقيق بُعدين في حركة ألأنسانيّة ألّتي تَتَخَبّط أليوم بدمائها و مآسيها و لا تدري جيّداً أسْبابَ ما حلّ و سَيَحلّ بها؛ و آلبُعدان هُما:

نكون قد شخّصنا آلأتّجاة(ألسّبيل) أولاً حركة آلأمّة و آلأنسانيّة بآلأتّجاه ألصّحيح,
و كذلك نكون قد نظّمنا آلبرامج و آلأوّلويّات بحسب ألأهمّ و آلمهم ثانياً بذلك آلأتّجاه و بما يخدم و يُحقّق آمال و طموح ألأنسان ألفطريّ بعيداً عن الأستغلال و  آلفقر و آلطّبقيّة!

و ألطّليعة ألمثقفة و منهم ألجّامعيّون لهم دورٌ أساسيّ في إنجاح و تحقيق آلمشروع, لكنّهم و للأسف يعيشون في وضع يُرثى لها في أمّتنا آلعربيّة, بسبب إختلاف ألولاآت و آلمُتبنيّات ألفكريّة و آلمناهج ألتّربويّة و آلعقائدية حين إعدادهم و توجيههم, و آلأهمّ منْ كلّ ذلك عدم وضوح ألأتّجاه في حركتهم و فقدانهم للتنظيم و آلبرامج ألفعالة ضمن ذلك آلأتّجاه, فهم لا يعلمون ماذا يُريدون بآلضبط و ما هي آلغاية ألنّهائيّة من سعيهم و كتاباتهم و مُؤلفاتهم و شهاداتهم!

 و بآلتّالي؛ هل حركتهم ستنتهي لمُجرّد تحقيق مُتطلّبات ألعيش ألماديّ!؟
أم هناك ما هو أسمى و أعلى من ذلك!؟
و ما هو ذلك آلأسمى!؟
و بآلتّالي كيف يتحقّق كلّ ذلك ليعيش آلأنسان كبيراً و سعيداً في كلّ آلأبعاد!؟

ثمّ ما فائدة وصول أمثال أؤلئك "ألسّياسيّون" لسدّة ألحكم في بلد مُعيّن أو حتّى مدينة واحدة و هم بذاك آلوضع ألّذي وصفناه!؟

إنّ عدم وجود ألتّنسيق و آلتّفاهم ألتّام بينهم بجانب ما أسلفنا هو آلعامل ألآخر ألذي كرّس آلمحن و عمقّ آلجّراح في جسد الأنسانيّة ألمعذبة للأسف.
ممّا يُسهّل صعود "السياسيّون" و آلتّسلط عليهم في كلّ مرّة!

و بسبب هذا آلتّشتّت و آلضّياع ألمُؤلم في حركة ألمُتعلّمين و آلأكاديميين (أنصاف ألمُتثقفين) – و هو آلأصْطلاح ألأدقّ لوصفهم - بدل ألمُثقّفين, لكون ألمُثقّف يُفْترض به أنْ يكونَ مُلمّاً و واقفاً على آلأقل على ألأصول و آلأهداف و آلغايات ألأساسيّة من حركة ألأنسان و أسبابَ وجوده و آلتّفاصيل ألمُتعلقة بذلك, مُضافاً لها أساليب تحقيق آلغاية من وجوده في هذه ألحياة ألفانيّة ألتي لا يتحقق فيها ألسّعادة و ألخلود إلّا لمنْ عرف حقيقتها و غايتها .. بآلطّبع ليس ضرورياً لكلّ إنسان أنْ يعرف تفاصيل و وسائل و آليات ألتطبيق و آلتّنفيذ و هيكلية ألأدارة ألفنيّة و آلعوامل و آلأمكانات ألمطلوبة, فذلك شبه مستحيل, إنّما هي من إختصاص لجان تنفيذيّة متخصّصة يُفترض بها أنْ تكون مُتقدّمة في فهْمها و وعْيها بآلقياس مع ألطّبقة ألّتي سمّيناهم بـ "آلمُثقّفين" و تدخل ضمن آلقضايا ألفكريّة ألحسّاسة و ألإستراتيجيّة, و هذا آلأصل أيضاً مفقودٌ بدوره في أمتنا بآلأساس, على آلأقل في آلوقت ألحاضر, فآلمُتسلّطون عادةً مّا يكونوا من "آلسّياسيّين" ألّذين لا أدب و لا أخلاق و لا تواضع لهم حتّى و إنْ إدّعوا بآللسان ذلك, و آلسبب لأنهم مرضى و لا يَفهمون تعريفاً للأنسان, لذلك نراهم يتّخذون كلّ وسيلة للوصول و آلتّسلط من أجل إرضاء أسيادهم ألمُستكبرين ألّذين لا يتجاوز عددهم بضع مئات في العالم .. هذا أولاً, ثمّ لنيل مطامعهم  و شهواتهم ألدّنيوية من دون ألأخذ بنظر آلأعتبار أيّة أهميّة للقيم و آلمعايير ألأنسانيّة ألّتي أشرنا لها .. فكيف يُمكنهم مع هذا آلوضع أنْ يخدموا آلأنسان فيما لو أرادوا!؟

إنّ تلك آلمُفارقات ألغريبة سبّبتْ خلطاً للأوراق في عقل ألعربي و آلمسلم و فهمه و إدراكه للسّياسة و آلمجتمع و معنى آلحياة حتّى ظلّ آلطّريق, بلْ أساساً و بسبب سياسة و إعلام و مناهج ألتربية ألحكوميّة ألقديمة - ألحديثة؛ لم يتعرّف ألعربي حتّى على إسلامه آلصّحيح .. بحيث إختلط آلحقّ مع آلباطل في وجوده .. و آلصّحيح مع آلخطأ .. و آلصّالح مع الطّالح .. و تلك حال كلّ ألأمم ألّتي تفتقد تلك آلمُقوّمات ألأساسيّة ألثّلاثة ألّتي أشرنا لها!؟

إنّ آلّذي بدى لي أكثر غرابةً؛ هو فقدان "ألأسْلاميّين" منهم في هذا آلوسط ألمُريب ألمُظلم ألمُخيف و بآلخصوص ألطّليعة ألمُثقّفة ألّتي تُنظّر  و تقود ألحركات ألأسلاميّة, و قد يرتبط آلسّبب .. بآلعامِلَيْن ألّلذان وَرَدَ ذكرهما بدرجاتٍ مُتفاوتةٍ .. و لذلك شهدنا كيف إنّها لم تستطع أن تُقدّم دوراً رياديّاً في تقويم مسيرة ألأمّة و تحقيق آمالها, و هذا آلعامل له إرتباط مُباشر أيضاً مع نوع و مُتبنّيات ألفكر ألّذي آمنتْ به تلك آلقيادة ألمتقدمة في ميدان ألعمل و آلصّراع لتحقيق ألأهداف ألظاهريّة ألتي وردتْ في أدبيّاتها و تلك آلنّوايا ألمُبطّنة عادةً في قُلوب ألمُتصدّين فيها!

بآلطّبع لا إشكال في آلنّصوص ألمُعتمدة كثيراً خصوصاً في ألقرآن ألكريم - و هو ليس محلّ بحثنا - بلْ آلأشكال هو بسبب ألتّعامل ألمُسيّس ألمُغرض للنّص ألشّرعيّ, بعيداً عنْ مّا يتلائم مع فطرة و مصالح ألأنسان و حقيقتهُ بآلعدل و آلمساواة و آلأنصاف بما يُرضي آلله تعالى, و هذا آلأصل - أيّ ألتعاطي مع آلنّصّ - من أخطر ألأمور في آلعوامل ألثّلاثة ألآنفة من قبل ألمدّعين .. و هو آلمرض ألّذي يُصاب به عادةً ألقيادات ألحركيّة ألتي تنفصل أو تبتعد بدرجات مختلفة عن ألقيادة ألرّبانيّة ألعُليا؛ ألحيّة؛ ألمتحركة مع آلواقع؛ تلك آلقيادات ألّتي تُعتبر كصمّام ألأمان و آلمُؤشر ألدّقيق نحو آلحقّ في عالمنا ألمليئ بآلمشاكل و آلأحداث و آلتّقاطعات .. للحيلولة دون وقوع ألأمّة بسبب ألمفسدين في آلشّرك و آلأنحرافات ألّتي من آلصّعب تجنّبها في حال خوض ألنّزاع مع ألمُستكبرين و آلطّامعين من آلّذين يُريدون آلتّسلط على ألدّنيا لأستحمار ألأنسان  و إستعماره إلى أقصى حدٍّ مُمْكن!

و بشفافيّة أكثر فإنّني أعتبر أساتذة ألجّامعات و آلمُعلمين و آلعلماء بمن فيهم ألهيئات ألأداريّة و ألتّعليمية و آلمُفكريين؛ عماد و بؤرة حركة ألتّغير ألفكريّة و آلثقافيّة في تلك آلمُعادلة بإتّجاه ألتغير الأيجابيّ ألحقيقي و آلأصلاح لتحقيق ألسّعادة ألأنسانيّة و ذلك برسم و تمهيد ألطريق أمام ألأمّة للتّمهيد إلى تطبيق ذلك عبر تنفيذ ألسّاسة  ألتّنفيذيون للمبادئ  ألتي يطرحونها من خلال مقاعد ألدراسة منذ آلرّوضة و حتّى آلمراحل  ألنّهائية ألعليا!

و بما أنّ ألمُعلّمون و أساتذة ألجّامعة و آلمثقفون و آلأعلامييون هم منْ يقع على عاتقهم تربية ألأنسان و إعداده لعمليّة ألبناء ألحضاريّ و آلمدنيّ و آلّتي أشرنا لها في آلمُجتمعْ .. جنباً إلى جنب مع ماهيّة و غاية ألمواد ألدّراسية و آلمناهج ألمُعتمدة ألّتي تُوضع طبقاً  للأهداف ألأستراتيجيّة ألكبرى و بإتّجاه تحقيق ألقضايا ألعليا في آلمجتمع, فأنّ تركيزنا في هذا آلبحث سيكون على هذا آلعامل من خلال دراسة بعض آلنماذج ألحركيّة ألّتي برزتْ في أكثر من دولة عربية و منها ألمغرب و مصر و آلعراق و تونس و غيرها حيث تشترك جميعها في تلك ألمُتبنيات و آلعوامل ألمُحرّكة ألتي أشرنا لها بدرجات مُختلفة!

و سنشير في آلحلقة ألقادمة - و من أجل تبسيط ألبيان - إلى بعض تلك ألتّجارب ألحركيّة "ألأسلاميّة" من خلال منهجها ألداخلي و من خلال رؤية أبرز ألمُنظّرين في تلك آلحركات ألّتي برزتْ بقوّة في آلأنتخابات ألّتي جرتْ بعد ما سُمّي بـ (صيف) أو (ربيع) أو (خريف) أو (شتاء) ألثّورات ألعربيّة – سمّها ما شئت - لتكون نموذجاً و مثالاً واضحاً لمعرفة نقاط ألضّعف أو آلقوّة فيها على أساس ألمحاور ألثّلاثة ألّتي ذكرناها في بداية هذا آلبّحث, لتلافي ألأنحرافات ألخطيرة ألّتي ستتبعها, و آلّتي بدأتْ تلوح في آلآفاق ألجديدة و آلّتي ستكلف ألأمّة بلا شكّ ألكثير من آلخسائر ألماديّة و آلدّنيويّة و صولاً للخسارة ألكُبرى في آلآخرة - لا سامح الله - إنْ لمْ يتمّ معالجتها  من آلأساس, و لا حول و لا قوّة إلّا بآلله ألعليّ ألعظيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Grand Area(1)
(2) تصريح لرئيس ألوزراء ألأسرائيلي في عام 1979م, نشرته جميع ألصّحف و آلمجلات و وكالات ألأنباء ألدّولية و آلعالميّة, حيث جاء في أعقاب رفع آلثوار في إيران للعلم ألأسرائيلي و إبدالهُ بآلعلم ألفلسطيني.
(3) تعود ألعلاقات ألأيرانيّة – ألأفغانية بحكم ألجوار و آلمصالح و آلمقومات ألمشتركة إلى فترات ماضية, و آلواقع إنّ إيران ألثورة طرف أساسي في دعم ألجهاد ألأفغاني ضدّ آلرّوس, حيث إستمرّ ذلك آلدعم حتّى هزيمة الرّوس, و لكن بعد إستبعاد حلفاء إيران من ترتيبات ألحكم في أفغانستان ألجديدة؛ أدّى إلى غضب طهران, حيث إنّ آلأدارة ألأمريكيّة لم تسمح للفصائل ألشيعة من الحصول على حقوقهم بسبب تعاطفهم مع إيران ألتي أقامت عام 1990م مُخيّمات عديدة للعوائل الأفغانيّة ألتي نزحت إلى مشهد ألتي لا تبعد كثيراً عن مزار شريف و المدن ألشيعية  التي تقع بآلقرب منها بعد آلمضايقات ألتي شهدوها من قبل الطالبان!
و بعد سقوط حكومة نجيب الله ثم نشوب ألحرب ألأهليّة نتيجة ألخلافات بين الفصائل ألافغانية حول آلسيناريو ألذي كانت أمريكا تُديرها من خلف الكواليس, و لم يفلح آلشيعة في مواجهة ألفصائل الأخرى كثيراً حيث تعرضوا إلى آلأبادة الجماعيّة مرّات عديدة في هرات و مزار شريف و كابول, غير أنّ إستمرار القتال بين المجاهدين ألأفغان قد أدّى إلى صعود نجم ألطالبان حتّى فرضتْ نفسها رقماً صعباً في المعادلة السياسية ألأفغانية فشكّلتْ و بدعم مخابراتي و لوجستي أمريكي – باكستاني دولة متطرفة لا تعترف بأي حقوق للأنسان حتى  آلمسلمين ما لم يكونوا على خطّهم!
و لم تكن ألعلاقة بين إيران و الطالبان ودّية أبداً, بل سرعان ما تبدلت إلى عدائية منذ آلبداية و كادتْ أن تصل إلى حرب حين قامت ألطالبان في 2 يونيو 1997م بإغلاق ألسفارة الأيرانية و إخراج ألعاملين منها بعد ماتعرضوا للضرب و آلشّتم بتهمة تدخل إيران في آلشؤون ألأفغانيّة بينما كانتْ إيران تُقدّم ألمساعدات ألغذائية للنازحين ألأفغان, و بلغتْ الأزمة ذروتها حين ذبح آلطالبان جميع أعضاء القنصلية الأيرانية في مزار شريف, و مع تطور الأحداث حشدت إيران 70000 من قوات الحرس ألثوري على الحدود ألممتدة لألف كيلو متر مع أفغانستان مع نشر صواريخ سكود, لكنّ القيادة ألأسلاميّة الأيرانية إنتهجتْ سياسة عُقلائية للتعامل مع آلموقف, حيث أعلنتْ؛ بأنّ أمريكا هي التي تُحرك ألطالبان للتحرش بنا كي تورط المنطقة في حرب خاسرة أخرى كتلك التي دفعوا فيه صدام المقبور في قادسيته الذليلة لأستنزاف المسلمين على مدى أكثر من ثمان سنوات, للوقوف بوجه الثورة ألاسلاميّة و تضعيفها, و تمّ حلّ النزاع بين الطرفين حين قام الطالبان بتبادل آلأسرى مع آلشيعة في مزار شريف, و من آلجدير بآلذكر إن نظام طالبان أقام نظاماً جامداً متخلفاً أساء للأسلام كثيراً, حيث قاموا بمذابح كبيرة ضد آلمسلمين في مناطق عديدة من أفغانستان, و لم يكن مجيئهم للسلطة عفوياً بلْ كانت بدراسة و تخطيط كبير من قبل آلغرب لتمهيد الأرضية و تكميل الحجة أمام الرأي العام العالمي بأن أفغانستان أصبحت قاعدة للارهاب بضمها لعناصر القاعدة, و تمّ على اساس ذلك إحتلال أفغانستان بعد ما تمّ ضرب برجي ألتجارة العالمية في أمريكا و التي إتهمت أمريكا كذباً قيام القاعدة بذلك ليكون إحتلالها مُبرّراً لدخول أفغانستان لتطل بوجودها على آلشريط ألحدودي ألذي يصل إلى ألف كيلو متر مع إيران لمراقبتها من قرب, و ما إسقاط الطائرة التجسسية ألأمريكية ألمتطورة مؤخراً في مدينة "كاشمر" في شمال إيران إلّا دليلاً على ذلك! 
لقد أرادت أمريكا و معها الغرب و ما زالت تؤكد من خلال نهجها لأن تجعل من قواعدها في أفغانستان و آلعراق(كردستان العراق خصوصاً) مراكز لمحاصرة ألثّورة و آلقضاء عليها, و ما إرسالها للعرب ألأفاغنة من خلال تعبئة ألسّلفيين من سوريا و آلسعوديّة و السودان و الجزائر و الأردن و من ليبيا و أقطار عربية و إسلاميّة أخرى و دعمهم بآلسلاح و آلمال و التدريب؛ إلّا لتكون أذرع خفيّة لتمزيق ألبلدان و آلقوى و آلشّخصيّات ألّتي قدْ تقف فيها آلثورات ضدّ سياستها, حيث نرى محاولاتهم لأعادة ألدّور ألسّلفي عبر آلذبح و آلمفخخات يتكرّر في سوريا آليوم بآلضّبط كما فعلوا بآلجزائر و بأفغانستان ثمّ العراق و ليبيا و ذلك بقتل المدنيين و تدميركل شيئ و آلقضاء على الرّموز الدينية و الوطنية ألتي لا تخدم سياستهم خصوصاً تلك التي تساند الثورة الاسلامية في إيران, حيث تمّ تجنيد آلآلاف منهم - من  السلفيين بدعوى الجهاد - حتّى قبل هذا الوقت بعد أن تمّ إرسالهم و تدريبهم في معسكرات خاصة في باكستان و أفغانستان للقيام بآلتفجيرات و الذبح و القتل و الأرهاب, و اليوم بدأت المخابرات الدولية تعبئ السلفيين و بتنسيق مباشر مع حلف الناتو بعد ما أعدّت لهم معسكرات في تركيا و غيرها للدخول إلى سوريا أو أي قطر تُحاول ألأستقلال أو الخروج من الهيمنة و آلطاعة ألغربية, حيث تم ضبط و قتل الكثيرين منهم من قبل السلطات السورية مؤخراً على الحدود ألمشتركة بين تركيا و سوريا!
(4) ألأمن القومي في المفهوم ألأمريكي هي؛ ضمان مصالحها ألأستراتيجية في كل العالم و  التي تُختصر بمنابع الثروة فيه و في مقدمتها النفط بآلنسبة لمنطقة الخليج, حيث يتجاوز التعريف الأمريكي مفهوم الأمن القومي في الدول الأخرى و  التي لا يتجاوز حفظ حدودها أو إستقلالها, و يبدو أنّها إعتبرتْ نفط الخليج جزءاً من أمنها الأقتصادي, و ما حكومات الخليج و شركاتها سوى متملكين إعتباريين, و المالك الحقيقي هي أمريكا التي تحدد معدلات الأستخراج و آلأسعار و الأسواق!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عزيز الخزرجي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/12/17



كتابة تعليق لموضوع : ألحركات ألأسلاميّة و تجربة ألحكم! – ألقسم ألأوّل
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net