الشهيد الحي
بارعة مهدي بديرة

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

سنجد في المشوار الحياتي الكثيرين من الناس بنماذج مختلفة ومعادن  متنوعة تبقى صدى اسماءهم في  ذاكرة ايامنا  التي لاتصدأ ... ولا يهم طول او قصر المسافة لكون المهم هو نوعية الموقف النبيل والمؤثر الذي خلد الاسم في ذهنية الناس فتراهم يتركون بداخلنا صورا لايمكن نسيانها بسهولة وربما نتعلم منهم مالم نتعلمه في المدارس والجامعات وسابقا تحدثت بكل صدق عن بعض أفعال الأساتذة المحترمين (الأديب الأستاذ علي حسين الخباز ) و (الشاعر الدكتور علي مجيد البديري ) واليوم سأذكر إنسانا أخر قرأت بصفحة حياته درسا عظيما من غير أن أخاطبه.. إنه ( سيد حسين ) من السادة المنسوبين في لبنان لكنه غير معمم وليس حوزوي تشرفت بمعرفته حين ذهبت مع وفد سوري لمشهد الإمام الرضا عليه السلام وكان السيد من ضمن الوفد لكنه وصل بطائرة أخرى مع مجموعة أخوة وأخوات من جنوب لبنان.. ومن برنامج الرحلة المقرر محاضرة يجب أن يلقيها السيد كل يوم قبل التشرف بالدخول للحرم المطهر وحين تقرر موعد أول محاضرة اجتمع المسافرون في قاعة خاصة بانتظار حضور السيد وكنا لانعرفه بعد لكننا سمعنا بوصوله لينضم للوفد وطال انتظارنا بعض الشيء إلى أن قال أحدهم وصل السيد..ورأيت مالا يمكن أن أتوقعه من قبل ولايخطر ببال أحدنا

دخل السيد حسين وكان شابا طويل القامة بشكل ملفت ومعه رجلين عن يمينه ويساره يساندانه ليستطيع الوصول إلى المكان المخصص لجلوسه.. منظر مؤلم لاأنساه.. ساق مبتورة بأكملها وفوق هذا العجز أيضا فاقدا لبصره كليا.. يضع نظارات سوداء سميكة جدا

جلس وبدأ الحديث عن الإمام ع وما أصابه من ظلم وقتل بالسم وبدأ النعي بطريقة ماسمعتها بحياتي كلها.. طريقة حزينة مؤثرة جدا وكأنه أصيب بجميع عائلته.. جعل الرجال والنساء يبكون بأصوات عالية لمصاب الامام ع ومن شدة انفعاله في النعي والبكاء اجتمع جميع عمال الفندق بمشهد يبكون ويلطمون صدورهم وهم لايعرفون العربية‎ ‎لكنهم شعروا بأنه نعي لأهل البيت ع وللمحة أراد السيد أن يمسح دموعه بمنديل فأبعد النظارات عن عينيه فظهر مايخفيه تحتها.. عيناه بيضاء فقط لاسواد فيها

تأثرت جدا لحاله وما استطعت أن أبعد هذا المشهد عن تفكيري وسألت من كانت معه بنفس الرحلة عن سبب حالته واتضح أنها أخت زوجته فقالت: ذهب مع مجموعة فدائية في جنوب لبنان للقيام بعمل جماعي في سبيل الله لاعودة بعده أبدا

وحين أتموا العملية استشهد جميع رفاقه وشاءت قدرة الله أن يبقى هو على قيد الحياة بهذا الحال عاجزا وضريرا وشاءت قدرة الله أن يستطيع العودة لأهله وقالت: على اثر تلك الحادثة لقب (بالشهيد الحي) ولايمكنه القيام بأي عمل مهما كان بسيطا إلا بمساعدة مرافق خصص ليبقى معه باستمرار.. ياله من رجل عظيم  لم يصل العجز لأن يقعده عن إحياء أمر العترة الطاهرة عليهم السلام أجمعين فإحياء أمر أهل البيت ع يساعد الإنسان على تحمل عجزه ومحاولة التغلب على ضعفه ولو بصورة بسيطة..  ثم ذهبنا برفقته للتشرف بزيارة الإمام ع

دخل معنا صحن الحرم الخارجي لمرقد الامام علي الرضا ع وكان على كرسي بعجلات ولايرى شيئا إلا الظلام.. ونحن نقرأ إذن الدخول سمعته يقول: السلام عليك يامولاي ليتني أتشرف برؤية ضريحك مرة واحدة لكني أراك الأن ببصيرتي وقال الكثير الكثير الذي جعلني أبكي بحرقة .. ولحظات وبدأ مطر غزير يتساقط بالحرم الشريف فاستبشرت جدا حيث قرأت سابقا أن من تصيبه قطرة ماء من السماء بحرم الإمام الرضا ع يحرم على جسده النار يوم القيامة وانتابني شعور أن هذا الخير ببركة السيد الموجود معنا.. أتممنا الزيارة وعدت للفندق بأشد حالات الحزن ولاأستطيع إبعاد صورته من مخيلتي جلست طوال الليل أدعو له وخاطبت الرب الكريم بكل توسل وعفوية وقلت يارب لاأريد أي حاجة طلبتها لاأريد أي طلب إلا شفاء هذا الإنسان فقط.. ياراد يوسف إلى يعقوب ورادا عليه نور بصره خذ كل حوائجي ورد على السيد حسين بصره..دعوت له المولى الكريم بلسان القلب بكل صدق ورجاء ونسأل كل قارئ الدعاء للسيد ولجميع المضطرين للدعاء.. والله قادر على كل شيئ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.. سيد حسين مثال 

الإنسان المؤمن الموال رضي بقضاء الله ونذر نفسه لخدمة أهل البيت ع يقرأ التعزية بأي مكان غير مهتم بما أصاب مظهره الخارجي فالأهم أنه غير مصاب بأي عجز روحي ومنحه الله تعويضا بنور البصيرة ‏‎  

الموضوع السابق تفاؤل واستبشار ... ولكن

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat