كنائس مابين النهرين البحث الثاني
محمد السمناوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ان المتتبع لكتب التاريخ التي تنقل لنا احوال نصارى وكنائس العراق ماقبل الاسلام ، ولبداية الفتح الاسلامي للعراق يجد ان نصارى العراق في تلك الحقبة كانوا يطلق عليهم بالاراميين ( 1)، وكانت لغتهم العربية ( 2) , وفي تلك الفترة الزمنية مابين ( 268 - 288 م ) انتشرت الديانة المسيحية اكثر بين سكان مابين النهرين ، وقد تحولت معظم القبائل العراقية الى نصارى ، ولاقت المضايقات والاضطهاد والتصفية ، والقتل ، والتنكيل ويمكن ان نحدد ان اول عملية اضطهاد على عهد الملك البارثي ( 3).
وهو احد ملوك كسرى ، وتوالت اكثر على يد الساسانيين وكان هذا السبب الرئيسي في تحالف الوثنيين والنصارى جميعا مع العرب ماقبل الفتح الاسلامي. ( 4), وفي تلك الفترة كان سكان مابين النهرين يحترمون الديانة المسيحية ، وكذلك الرهبان ، وكانوا يحسنون الى الكنائس والأديرة ، وهذه هي ثقافة اهل السواد قبل الفتح ، وهي احترام العيش المشترك والاستفادة من آثاره ، علما ان المناطق المحصورة بين الكوفة والنجف والحيرة وكربلاء وعين التمر كانت في تلك العصور تضم الكثير من الكنائس والأديرة التي كانت تدين بالديانة النصرانية النسطورية نسبة الى الراهب ( نسطوريوس nestorius) المتوفى 450 ميلادية , وان الشاعر والراهب الاديب العربي الكبير المشهور بعبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة , الذي ولد وترعرع في الحيرة الى توفي في مدينة الكوفة , وكان عمره 350 عاما , وقد التقى به خالد ابن الوليد اثناء دخوله في الحيرة من اجل فتحها عام 12 للهجرة وعندما فتح خالد بن الوليد العراق وزحف الى الحيرة ، وفتحها بالتصالح معهم وأخذ الجزية ، فما كان من أهلها النصارى إلا انزلوه منزلا كريما ، وقاموا بضيافته في تلك الكنائس والأديرة ( 5), ولهذا القران الكريم يرشد المسلم في منهج التعامل مع النصارى ومراعاتهم كما في قوله تعالى : ( وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ) .(6 ).
. الدين الإسلامي هو كسائر الأديان السماوية شعاره التسامح ، والرحمة والعطف على الآخرين ، بل أكثر من غيره من الأديان الأخرى ، فنجد حماية الإسلام للدور والكنائس والمدارس وجعلها مفتوحة ، شرط ان يدفعوا الجزية ليعيشوا تحت حمايتهم ورعايتهم.
ويحكى ان خالد بن الوليد لما نزل بظهر الحيرة , وتحصن منه أهلها أرسل اليهم : أبعثوا الي رجلا من عقلائكم , فيعثوا اليه بعبد المسيح , فأقبل يمشي حتى دنا من خالد , فقال عبد المسيح : أنعم صباحا أيها الملك ,فقال خالد بن الوليد : قد اغنانا الله عن تحيتك فمن أين أقصى اثرك أيها الشيخ ؟ قال عبد المسيح من ظهر أبي , قال خالد فمن أين خرجت؟ عبد المسيح : من بطن أمي , خالد : فعلام أنت ؟ عبد المسيح : على الأرض , خالد : ففيم أنت ؟ عبد المسيح : في ثيابي , خالد : أتعقل أنت ؟ عبد المسيح : أي والله وأقيد , خالد : ابن كم أنت ؟ , عبد المسيح : ابن رجل واحد , خالد : مارأيت كاليوم قط !! أسألك في شيء وتنحو في غيره ؟ عبد المسيح : ما أجبتك الاّ عمّا سألت , فاسأل عمّا بدا لك , خالد : أعرب انتم ام نبط ؟ عبد المسيح : عرب استنبطنا , , خالد : فحرب أنتم أم سلم ؟, عبد المسيح : بل سلم , خالد : فما هذي الحصون ؟ , عبد المسيح : بنيناها للسفيه ! نحذر منه حتى يجيء الحليم فينهاه , خالد كم أتى لك ؟ عبد المسيح : خمس وثلاثمائة سنة , خالد : فما أدركت ؟ عبد المسيح : أدركت سفن الهند والصين تمخر في هذا البحر ( وأشار بيده الى بحر النجف ) , ورأيت المرأة تخرج من الحيرة , وتضع مكتلها على رأسها لا تزود الا رغيفا حتى تأتي الشام , ثم قد اصبحت خرابا يبابا , وذلك دأب الله في العباد والبلاد )( 7 ) .
المصادر والهوامش :
1- الآراميين : هم من المسيحيين حيث ميزوا انفسهم عن الآراميين الوثنيين ، وبعد الفتح الإسلامي استخدم المسلمون لفظ النبط على أنهم من ولد نبيط بن باسور بن سام بن نوح ، وقيل أنهم سموا بهذه التسمية لأنهم قاموا باستنباط الأرض وإخراج المياه . انظر المسعودي ، التنبيه والإشراف ص 36 ابن الفقيه ، مختصر البلدان ، ص 8، وكذلك نصارى العراق والفتح الإسلامي ص 389 د. سهيل قاشا دار الرافدين للطباعة والتوزيع بيروت ط 1 عام 1431ه - 2010م 4.
2 - شعراء النصارى الذين عرفوا في العراق , في تلك الاونة عدي بن زيد وولداه زيد وعمرو وعبد المسيح بن بقيلة أحد أعيان الحيرة , الذي اشتهر في الجاهلية وصدر الاسلام , وقد انشدوا الشعر , ورفعوا قبابه , واصفين مادحين هاجين مفاخرين وغير ذلك . انظر النصرانية وأدابها ص2 , 326, 332, والاغاني ص2, 17 , 40 , شعراء النصرانية بعد الاسلام , الحيرة ص 19 , 25 , 58 , حضارة الاسلام ص 35 .
3 - ذخيرة الأذهان ج1 ، ص 49- 50 ، أحوال نصارى العراق ، ص 4 5
4 - تاريخ نصارى العراق ص 394 نقلا عن المستشرق بارتولد المستشرق الروسي ( 1860- 1930) ، له مقالات في دائرة المعارف الإسلامية ، ودراسات عن اسيا الوسطى
5 - انظر الطبري تاريخ ج4 ، ص 12 ، المتوفى 310 , ط 4 , سنه النشر 1403 وكذلك الكامل لابن الاثير ج2 ، ص 174، والى ، ص 150 , المتوفى 630 , تاريخ النشر 1966 م
6- سورة المائدة أية 82
7- أمالي السيد المرتضى ج 1 , ص 188, السيد المرتضى المتوفى 436 هجرية , الطبعة الاولى تحقيق : السيد محمد بدر الدين النعساني الحلبي تاريخ النشر 1907 م 1325 ه . وكذلك مختصر تأريخ دمشق ج5 , 107 , وبغية الطلب في تأريخ حلب ج3 , ص 273 , التذكرة الحمدونية اخبار المعمرين ج2 , 161 . وكذلك المفصل في تأريخ العرب قبل الاسلام ج5 , ص172 .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
محمد السمناوي

ان المتتبع لكتب التاريخ التي تنقل لنا احوال نصارى وكنائس العراق ماقبل الاسلام ، ولبداية الفتح الاسلامي للعراق يجد ان نصارى العراق في تلك الحقبة كانوا يطلق عليهم بالاراميين ( 1)، وكانت لغتهم العربية ( 2) , وفي تلك الفترة الزمنية مابين ( 268 - 288 م ) انتشرت الديانة المسيحية اكثر بين سكان مابين النهرين ، وقد تحولت معظم القبائل العراقية الى نصارى ، ولاقت المضايقات والاضطهاد والتصفية ، والقتل ، والتنكيل ويمكن ان نحدد ان اول عملية اضطهاد على عهد الملك البارثي ( 3).
وهو احد ملوك كسرى ، وتوالت اكثر على يد الساسانيين وكان هذا السبب الرئيسي في تحالف الوثنيين والنصارى جميعا مع العرب ماقبل الفتح الاسلامي. ( 4), وفي تلك الفترة كان سكان مابين النهرين يحترمون الديانة المسيحية ، وكذلك الرهبان ، وكانوا يحسنون الى الكنائس والأديرة ، وهذه هي ثقافة اهل السواد قبل الفتح ، وهي احترام العيش المشترك والاستفادة من آثاره ، علما ان المناطق المحصورة بين الكوفة والنجف والحيرة وكربلاء وعين التمر كانت في تلك العصور تضم الكثير من الكنائس والأديرة التي كانت تدين بالديانة النصرانية النسطورية نسبة الى الراهب ( نسطوريوس nestorius) المتوفى 450 ميلادية , وان الشاعر والراهب الاديب العربي الكبير المشهور بعبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة , الذي ولد وترعرع في الحيرة الى توفي في مدينة الكوفة , وكان عمره 350 عاما , وقد التقى به خالد ابن الوليد اثناء دخوله في الحيرة من اجل فتحها عام 12 للهجرة وعندما فتح خالد بن الوليد العراق وزحف الى الحيرة ، وفتحها بالتصالح معهم وأخذ الجزية ، فما كان من أهلها النصارى إلا انزلوه منزلا كريما ، وقاموا بضيافته في تلك الكنائس والأديرة ( 5), ولهذا القران الكريم يرشد المسلم في منهج التعامل مع النصارى ومراعاتهم كما في قوله تعالى : ( وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ) .(6 ).
. الدين الإسلامي هو كسائر الأديان السماوية شعاره التسامح ، والرحمة والعطف على الآخرين ، بل أكثر من غيره من الأديان الأخرى ، فنجد حماية الإسلام للدور والكنائس والمدارس وجعلها مفتوحة ، شرط ان يدفعوا الجزية ليعيشوا تحت حمايتهم ورعايتهم.
ويحكى ان خالد بن الوليد لما نزل بظهر الحيرة , وتحصن منه أهلها أرسل اليهم : أبعثوا الي رجلا من عقلائكم , فيعثوا اليه بعبد المسيح , فأقبل يمشي حتى دنا من خالد , فقال عبد المسيح : أنعم صباحا أيها الملك ,فقال خالد بن الوليد : قد اغنانا الله عن تحيتك فمن أين أقصى اثرك أيها الشيخ ؟ قال عبد المسيح من ظهر أبي , قال خالد فمن أين خرجت؟ عبد المسيح : من بطن أمي , خالد : فعلام أنت ؟ عبد المسيح : على الأرض , خالد : ففيم أنت ؟ عبد المسيح : في ثيابي , خالد : أتعقل أنت ؟ عبد المسيح : أي والله وأقيد , خالد : ابن كم أنت ؟ , عبد المسيح : ابن رجل واحد , خالد : مارأيت كاليوم قط !! أسألك في شيء وتنحو في غيره ؟ عبد المسيح : ما أجبتك الاّ عمّا سألت , فاسأل عمّا بدا لك , خالد : أعرب انتم ام نبط ؟ عبد المسيح : عرب استنبطنا , , خالد : فحرب أنتم أم سلم ؟, عبد المسيح : بل سلم , خالد : فما هذي الحصون ؟ , عبد المسيح : بنيناها للسفيه ! نحذر منه حتى يجيء الحليم فينهاه , خالد كم أتى لك ؟ عبد المسيح : خمس وثلاثمائة سنة , خالد : فما أدركت ؟ عبد المسيح : أدركت سفن الهند والصين تمخر في هذا البحر ( وأشار بيده الى بحر النجف ) , ورأيت المرأة تخرج من الحيرة , وتضع مكتلها على رأسها لا تزود الا رغيفا حتى تأتي الشام , ثم قد اصبحت خرابا يبابا , وذلك دأب الله في العباد والبلاد )( 7 ) .
المصادر والهوامش :
1- الآراميين : هم من المسيحيين حيث ميزوا انفسهم عن الآراميين الوثنيين ، وبعد الفتح الإسلامي استخدم المسلمون لفظ النبط على أنهم من ولد نبيط بن باسور بن سام بن نوح ، وقيل أنهم سموا بهذه التسمية لأنهم قاموا باستنباط الأرض وإخراج المياه . انظر المسعودي ، التنبيه والإشراف ص 36 ابن الفقيه ، مختصر البلدان ، ص 8، وكذلك نصارى العراق والفتح الإسلامي ص 389 د. سهيل قاشا دار الرافدين للطباعة والتوزيع بيروت ط 1 عام 1431ه - 2010م 4.
2 - شعراء النصارى الذين عرفوا في العراق , في تلك الاونة عدي بن زيد وولداه زيد وعمرو وعبد المسيح بن بقيلة أحد أعيان الحيرة , الذي اشتهر في الجاهلية وصدر الاسلام , وقد انشدوا الشعر , ورفعوا قبابه , واصفين مادحين هاجين مفاخرين وغير ذلك . انظر النصرانية وأدابها ص2 , 326, 332, والاغاني ص2, 17 , 40 , شعراء النصرانية بعد الاسلام , الحيرة ص 19 , 25 , 58 , حضارة الاسلام ص 35 .
3 - ذخيرة الأذهان ج1 ، ص 49- 50 ، أحوال نصارى العراق ، ص 4 5
4 - تاريخ نصارى العراق ص 394 نقلا عن المستشرق بارتولد المستشرق الروسي ( 1860- 1930) ، له مقالات في دائرة المعارف الإسلامية ، ودراسات عن اسيا الوسطى
5 - انظر الطبري تاريخ ج4 ، ص 12 ، المتوفى 310 , ط 4 , سنه النشر 1403 وكذلك الكامل لابن الاثير ج2 ، ص 174، والى ، ص 150 , المتوفى 630 , تاريخ النشر 1966 م
6- سورة المائدة أية 82
7- أمالي السيد المرتضى ج 1 , ص 188, السيد المرتضى المتوفى 436 هجرية , الطبعة الاولى تحقيق : السيد محمد بدر الدين النعساني الحلبي تاريخ النشر 1907 م 1325 ه . وكذلك مختصر تأريخ دمشق ج5 , 107 , وبغية الطلب في تأريخ حلب ج3 , ص 273 , التذكرة الحمدونية اخبار المعمرين ج2 , 161 . وكذلك المفصل في تأريخ العرب قبل الاسلام ج5 , ص172 .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat