صفحة الكاتب : محمد السمناوي

الإسراء والمعراج بين عظمة قدرة الله تعالى وتفضيلية النبي (ص)
محمد السمناوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

المقدمة 

رحلتان متتاليتان خاصتان بالنبي الخاتم  محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، الأولى كانت عندما أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والثانية عند عروجه من المسجد الأقصى إلى السماء. في ليلة المعراج، شاهد النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بعض الملائكة وتحدّث معهم، كما رأى أهل الجنّة وأهل النّار. وفي بعض الروايات، التقى النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بالأنبياء الآخرين، وحدث حوار بينه وبين الله تعالى الذي أصبح معروفاً بحديث المعراج. وعلى الرغم من التفاصيل البعيدة التي تناولتها الروايات، إلا أن المسلمين يتفقون على وقوع الإسراء والمعراج، ويكون الخلاف بينهم حول التفاصيل الدقيقة كالمكان والزمان وطبيعة الرحلة. وذكر القرآن الكريم بجوانب المعراج في سورة الإسراء وسورة النجم.

أهمية الموضوع

لماذا تعد هذه المناسبة مهمّة في الإسلام؟ 

يعتبر البحث عن الإسراء والمعراج من الحوادث المهمة والمؤثرة في الإسلام، حيث يروي هذا الحدث العظيم رحلة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى في القدس، ثم بعدها إلى السماء، وكانت هذه الرحلة تحمل معاني عميقة ورسائل مهمة.

إن البحث عن الإسراء والمعراج يساعد على فهم عمق العقيدة الإسلامية وقوة الإيمان لدى المسلمين، كما يعزز هذا الحدث الثقة بالله وبقدرته على فعل كل شيء، وبالإضافة إلى ذلك، يعتبر الإسراء والمعراج درسًا في الرجاء والثبات على الإيمان حتى في أصعب الظروف.

ثم إن البحث عن الإسراء والمعراج يعزز الإيمان والتقوى ويجسد قوة العلاقة بين الإنسان وخالقه، مما يجعله من المواضيع  المهمة التي يجب أن يتعلم منها كل مسلم.

الإسراء والمعراج مناسبتان مهمتان في تاريخ الإسلام والمسلمين، حيث تعتبر الإسراء رحلة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في القدس، بينما يعتبر المعراج رحلته من المسجد الأقصى إلى السماء، وهاتان الحادثتان مهمتان للمسلمين عبر تاريخهم وحضارتهم، لأنها تظهر عظمة الله وقدرته، وتعبر عن رفعته ونبوته صلى الله عليه وآله وسلم، كما تعتبر مصدر إيمان وتقوى للمسلمين كافة بمختلفة مذاهبهم، وتعزز رغبتهم في اتباع الدين والتقرب إلى الله تبارك وتعالى من خلال هذا الحدث التاريخي العظيم 

والمهم.

كيف تم الحديث عنهما في روايات أهل البيت عليهم السلام؟

عن النبي الاكرم  (صلى الله عليه وآله): حيث قال: "لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت فيها قيعان، ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وربما أمسكوا، فقلت لهم: ما بالكم قد أمسكتم؟ فقالوا: حتى تجيئنا النفقة، فقلت:

وما نفقتكم؟ قالوا: قول المؤمن: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإذا قال بنينا، وإذا سكت أمسكنا".1

هذا الحديث يشير إلى تجربة روحية خاصة للرسول محمد (صلى الله عليه وآله) خلال الإسراء والمعراج، حيث أنه رأى في الجنة ملائكة يعملون بناءً من ذهب وفضة، وعند سؤاله لهم عن سبب تأخيرهم في العمل، كانت إجابتهم أنهم ينتظرون ليأتيهم الموارد لاستكمال عملهم.

وفي هذا الحديث، يقدم لنا الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) درسًا مهمًا حول قوة الذكر والتسبيح وأهميتهما في حياة المؤمن. فإن قول المؤمن باستمرار "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" يعتبر نوعًا من الذكر الذي يواصل الإنسان عبادته وتذكيره بالله وبفضله على الدوام.

والدروس الرئيسية التي يمكن استخلاصها من هذا الحديث هي تشجيع المسلمين على الاستمرار في ذكر الله والابتعاد عن الشكاوى والانشغالات الدنيوية، فالتسبيح والذكر يساعدان في تعزيز الإيمان والتقوى ويجلبان البركة والسعادة في الحياة الدنيا والآخرة.

وعن النبي محمد (صلى الله عليه وآله): "لما أسري بي إلى السماء ما سمعت شيئا قط هو أحلى من كلام ربي عز وجل". 2

وفي هذا الحديث النبوي، يروي النبي محمد (صلى الله عليه وآله) حديثاً يتحدث فيه عن تجربته بالإسراء والمعراج، حيث رفع بتركيبته الروحية والجسدية من الكعبة المشرفة إلى السماء في ليلة واحدة. خلال هذه التجربة، وصل النبي محمد (صلى الله عليه وآله) إلى سماء السماوية السابعة حيث سمع العظيم واطلع على عظمة الله (عز وجل).

ويعبر هذا الحديث عن عظمة الله وجلالته، حيث يصف النبي محمد (صلى الله عليه وآله) أن أجمل الأصوات التي سمعها في هذه التجربة كانت كلام الله سبحانه وتعالى. فكلام الله هو الأعظم والأجمل ويحمل في طياته الحكمة والرحمة والعظمة.

حادثة الإسراء والمعراج كانت حادثة خارقة للطبيعة تظهر استثنائية الرسالة النبوية وعظمة الله الخالق.

وقال الإمام الباقر (عليه السلام): "لما أسري برسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى السماء فبلغ البيت المعمور وحضرت الصلاة فأذن جبرئيل، وأقام، فتقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وصف الملائكة والنبيون خلف محمد (صلى الله عليه وآله".3 

ان حديث الإمام الباقر عليه السلام يتحدث عن أسراء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء، حيث بلغ البيت المعمور وحضرت الصلاة، وفي هذا الحديث يتم ذكر أن جبريل أذن بالصلاة وأقامها، وقام النبي محمد صلى الله عليه وآله أمام الملائكة والأنبياء.

وتحليلاً لهذا الحديث، يمكن أن نفهم من خلاله عظمة ومكانة الصلاة في الإسلام، حيث أن النبي محمد صلى الله عليه وآله كان قد أدرك أهمية الصلاة حتى وصل بها إلى أقصى مداها. كما يعكس هذا الحديث أيضاً القدرة والسلطة التي كانت مع النبي محمد صلى الله عليه وآله، حيث أنه كان مقدراً ليكون القائد والإمام لجميع الملائكة والأنبياء.

ويمكن أن نستنتج من هذا الحديث أهمية الاعتناء بأداء الصلاة وتقدير قيمتها في الحياة الدينية، وأن الأمور الروحية والدينية تحتل مكانة عظيمة في العقيدة الإسلامية.

وعن  الإمام الصادق (عليه السلام): "لما عرج برسول الله (صلى الله عليه وآله) انتهى به جبرئيل (عليه السلام) إلى مكان فخلى عنه، فقال له: يا جبرئيل تخليني على هذه الحالة؟

فقال: امضه، فوالله لقد وطئت مكانا ما وطأه بشر وما مشى فيه بشر قبلك". 4

ان حديث الإمام الصادق (عليه السلام) يشير إلى تفضيل الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) على سائر البشر، حيث يروي الحديث قصة من لحظات الإسراء والمعراج، حينما انتهى به الرسول إلى مكان، وانقطع عنه جبرئيل (عليه السلام)، ولم يقدر على مرافقه، واستنادًا إلى الحديث، فإن الرسول (صلى الله عليه وآله) تعجب من هذا الموقف، وسأل جبرئيل (عليه السلام) عن سر تركه وحده في هذا المكان. وجاء رد جبرئيل بأنه لم يوطئ هذا المكان بشر من قبله، ولا شقه بشر قبله، مما يوضح تفضيلية هذا الحدث وهذا المكان الذي طاف به الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم على غير البشر.

لذلك، يمكن فهم هذا الحديث على أنه يبرز تفضيلية وخاصية النبي محمد (صلى الله عليه وآله) التي جعلته يختلف عن بقية البشر، وتكريمًا وتمييزًا من الله له كنبي المرسل.

 وعن الإمام الرضا (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " لما أسري بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل مكانا لم يطأه قط جبرئيل فكشف له فأراه الله من نور عظمته ما أحب" . 5

ان هذا الحديث يشير إلى رحلة الإسراء والمعراج التي خرج فيها النبي محمد (صلى الله عليه وآله) إلى السماء برفقة الملك جبريل.

ويمكن تحليل هذا الحديث حيث يعتبر في إطار الإيمان الإسلامي والتأكيد على عظمة الله ونوره الذي لا مثيل له. يعتبر هذا الحدث من الأحداث العظيمة التي تظهر قدرة الله على خلقه وإظهار عظمته للنبي.

كما أن هذا الحديث يعبر عن العظمة والقدرة الإلهية والإعجاز في أن الله أظهر نفسه بنوره الذي لا يمكن وصفه أو تصوره بالفعل.

هكذا يعتبر هذا الحديث من الاحاديث العظيمة التي تجسد جوهر الإيمان الإسلامي وتؤكد على الوحدانية والعظمة الإلهية.

 وعن الإمام علي (عليه السلام): "دخلت أنا وفاطمة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوجدته يبكي بكاء شديدا، فقلت:

فداك أبي وأمي يا رسول الله ما الذي أبكاك؟

فقال: يا علي! ليلة أسري بي إلى السماء رأيت نساء من أمتي في عذاب شديد".6

في هذا الحديث، يوجد تفسير وتحليل للدموع التي كان النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ينزلها ويبكي بكاء شديدا، حيث يظهر ان سر الدموع تكمن في ان هذا الحديث يبين قلق النبي محمد (صلى الله عليه وآله) بشأن أتباعه ومجتمعه، وذلك من خلال رؤيته نساء من أمته يعانين في عذاب شديد، ومن هذه الجهة كان يبكي.

أين تجلّت عظمة الله تعالى وقدرته في أحداث هذه الليلة؟

في أحداث ليلة الإسراء والمعراج تجلت عظمة الله تعالى وقدرته  في جملة من الأمور، ويمكن تصورها في جملة من النقاط: 

النقطة الأولى: تؤكد على كمال اليقظة خلال رحلة الإسراء للنبي، صلى الله عليه وآله وسلم، حيث تشير الآية الكريمة إلى ثلاثة براهين رئيسية:

البرهان الأول: الإشارة إلى كلمة ﴿سُبْحَانَ﴾، وهي تعبير عظيم يدل على أن الله تعالى قد خصّ رسوله، صلى الله عليه وآله وسلم، بمنقبة فريدة لم تُعطَ لغيره، ألا وهي الإسراء وهو يقظ، إذ لو كان حلمًا لما كان لهذا الأمر شأن كبير، فالأحلام شائعة بين الناس.

البرهان الثاني: يتمثل في قوله تعالى ﴿أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾، حيث تُستخدم كلمة 'عبد' للدلالة على الإنسان بمكوناته المادية والروحية معًا، ولا يُمكن تطبيقها على أحدهما دون الآخر.

البرهان الثالث: يأتي من قوله تعالى ﴿مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾، وهذا يعني قطع مسافة ملموسة تبدأ بـ 'من' وتنتهي بـ 'إلى'، وهذه المسافات الملموسة لا يمكن قطعها إلا بالجسد والروح معًا". 

النقطة الثانية : تأكيد السرعة الفائقة في الإسراء يتجلى في الآية الكريمة، حيث يُستشهد بقوله تعالى :  تعالى :  ﴿لَيْلاً﴾، واستخدام صيغة التنكير هنا يُشير إلى الإختصار الزمني للرحلة، مما يدل على أنها استغرقت جزءًا يسيرًا من الليل. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. 

المصادر والمراجع 

١- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج١٨، ص٢٩٢.

٢- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج٣، ص١٨٦٦.

٣- النمازي، على، مستدرك سفينة البحار، ج١، ص٨٦.

٤- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج١، ص٤٤٢.

٥- المجلسي، محمد باقر، مرآة العقول في شرح اخبار آل الرسول، ج١، ص٣٣٨. 

٦- المجلسي، بحار الأنوار، ج٨، ص


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد السمناوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/03/30



كتابة تعليق لموضوع : الإسراء والمعراج بين عظمة قدرة الله تعالى وتفضيلية النبي (ص)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net