أن تكتب عن الحرب، وكأنك تعيش فيها، وتتعرف على تفاصيل كل معركة دون أن ترى أحداثها لدرجة تجعل المتلقي يحسّ وكأنك جزء من الأحداث، وتتعايش مع المقاتلين في أدقّ تفاصيل حياتهم، وتنتقل الى كل الجبهات بسرعة مذهلة، أنا أعجب بمهارتك، كيف تستطيع أن تهزّ المشاعر وتحرّك قلب المتلقي حتى يكاد يتفجر من الإثارة التي تعصف ما بين سطورك؟!
ورغم كل هذا الاعجاب بقصصك الجميلة، إلا اني أجدها تحتاج الى معايشة حقيقية للواقع، أن تكتب وأنت في قلب المعركة، أكيد ستكتب أشياء تنبض بالواقع، هل جرّبت أن تذهب الى الجبهة؟ أن تعايشهم فعلًا، وأن تختار أبطالك من الواقع الحار؟ قلت له حينها: أنا أكتب احساسي بالقضية، كل شيء يتعلق بالجبهة ومواجهة داعش هو حقيقة، وإن كان خيال الكاتب خصبا، فالواقع هو اكبر من الخيال نفسه، ومع هذا كل ما اكتبه هو يعبر عن حياة المقاتلين، عن بطولات حقيقية، وليست مخترعة.
أبطالي ليسوا من ورق، فهم ابطال حقيقون، وأنا لا اعرف ان اكتب بعيدا عن يقيني؛ كوني ابن القضية. أنا لا اكتب عن مغامرات خارقة واصنع لها احداثا مفتعلة؛ لأجذب ذهنية المتلقي إليّ، أكتب دمي يا أخي حمزة، هويتي، وفكري ومعتقدي.
أجابني:ـ تلك أشياء أعرفها وأتفاعل مع ما تكتب، وأحبّ قصصك كثيرا، لكني أختلف عنك بأشياء دقيقة، أنا أريد أن أشعر بالخوف الذي هو غير موجود في أوراقك؛ فليس من المعقول أن تكتب عن خوف مقاتل.
أتساءل: أليس من حق المقاتل أن يخاف على حياته؟ هو جاء الى هنا لا لكي يفرط بها، وانما جاء ليحميها، فمن حقه ان يخاف مثلًا من الأسر، ويفضل الموت عليه، يخاف المقاتل أن يبطشوا به مكرا وغدرا، أشياء مبهرة تعيشها هنا في الجبهة.
أنا يا صديقي سأذهب الى الموصل بعد أيام، أريد أن أرى نفسي كيف تعيش مع نفسي هناك، أريد أن أرى كيف تُختصر الأحلام والآمال والحياة كلها في رصاصة. أريد أن أكتب أشياء بلون دمي، ماذا ستكتب حين تسمع آهات جريح في محطته الأخيرة من الرحيل، وأكيد مثل هذه الآهات تعيش في خاطري، وليس في خاطر الورق.
الرؤية التي تُكتب في البيت غير التي تكتبها في الجبهات، لا تزعل مني يا صديقي، نصوصك جميلة، وخيالك خصب، لكني لست مثلك، أنا لست ابن خيال مهما كان مبدعا، انا ابن دم يفور، ولأني معجب بك، وبروحيتك كصديق ومبدع، سأهيدك روايتي حين أعود، أريدك أول من يقرؤني وأول من يكتب عني قراءة انطباعية.
أكيد سوف لن تخذلني روايتي التي سأهديها اليك؛ لأني قررت أن أكتب لك احساس الأرض حين تحتضن الشهيد، سأكتب لك عن أحلام السلام في دم مقاتل، كل حرف هناك رصاصة، وكلّ قلم بندقية.
قلت له: حمزة، أنا أنتظر روايتك بفارغ الصبر، وأخيرًا أنجزت روايتك التي علمتني أن الشهادة منجز لا يموت، وهي أكبر من كلّ أبجديات الابداع.
رواية الشهيد الاعلامي حمزة اللامي مواليد (1973) كربلاء، مسؤول اعلام لواء الطفوف، معدّ برامج إذاعة العتبة الحسينية، مدير إذاعة الحقيقة، ومراسل الوكالة الوطنية للأنباء (نينا) في محافظة كربلاء، مراسل وكالة نون الخبرية، رواية حمزة اللامي تستحق منا قراءة سورة الفاتحة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat