كنت كلما أراه أحدث نفسي ، رجل هادىء ولطيف ، طيلة المدة التي عشتها معه لم اره يغضب على احد او يزعل من صديق ، لكنه في الحرب يتحول الى شخص آخر وشخصية غير التي نألفها ،رغم انه أبن مدينتي لكني لم اتعرف عليه الا في الجبهات ، قاتلنا على عدة سواتر واشتركنا سوية في العديد من الهجومات وفي أماكن متفرقة ، ومن الاشياء الغريبة التي لاحظتها من خلال معايشتي معه انه كان يحرص على حياة من معه اكثر من حرصه على نفسه ، يتصرف وكأنه محصن من الموت لا يخاف منه أبدا ، بل كان يتمنى الشهادة ليلتحق بركب الحسين عليه السلام ، رجل متعدد المواهب فهو يجيد البناء بحرفة بناء ماهر ، ويطبخ بمهارة طباخ ويضمد الجرحى ليؤمن وصولهم الى الطبابة ، يطبخ كل الاكلات ليس من أجل ان يأكل بل كان احيانا ينهي توزيع الطعام وهو جائع ، يقول ويكرر أنا أبن شهيد و اولاد الشهداء لا يخافون من الموت ما داموا على السواتر ، لكنهم يخافونه حين يكون على فراش المرض ، اجمع تلك الاشياء من شخصيته وارجعها الى عوالمي التأويلية لأصل الى عمق معناه ، هو لا يحتاج الحرب كمعاش لأنه يمتلك موهبة الحياة ،ويستطيع العيش بعيدا عن الحرب ومع هذا ينتمي اليها كوسيلة دفاع عن الحياة نفسها ، يقاتل من اجل سلامة بلده وشعبه وليحافظ على مراقد الائمة عليهم السلام من الدمار ، لذلك يجد ان الشهادة هي السبيل الى الركب الحسيني المبارك ، قررت ان اعود الى التحليل ثانية ، الناس الذين يمتلكون مثل هذا الوعي حريصون على استثمار جبهات القتال للالتحاق بركب الشهداء فاذا انتهت الحرب دون نيل الشهادة سيعتبر نفسه قليل حظ ، أي بمعنى ان تعلقه بالشهادة عبارة عن هوية وانتماء وكأنه يريد ان يفرض على العالم قانونه الخاص :ـ لابد لكل أبن شهيد ان يكون شهيدا ، شهدت له المواقف الجريئة في القتال يصاب ثم ينهض ليقاتل ، امتلأ الجسد اصابات وشظايا كثيرة اخترقت جسده واستقرت فيه ، وبعضها جعلته قريبا من الموت ومع هذا الفزع الذي استسلم له بابتسامة أدهشت الجميع ،واخيرا انتهت الحرب ولم يدرك الشهادة ، سعادته بالانتصار الكبير الذي انتهى باندحار قوى الشر وعودة النازحين الى ديارهم ، وعدنا الى كربلاء الى بيوتنا وعوائلنا واياد محمد علي يشكو ضياع الفرصة من بين يديه ، :ـ صديقي ان كل جرح في جسدك هو شهيد ، وكل آهة وجع لها ثواب شهيد ، يجيبني :ـ النتيجة اني ساموت على فراش المرض ، نسيت ان اخبركم ان كل هذه الانثيالات تمر براسي وانا احمله مع الناس على الاكتاف ونطوف به ضريح الحسين على السلام ابكيه وأهمس في اذن تابوته :ـ نم قرير عين يا اياد فانت شهيد
&&
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat