الحب في حياتنا المعاصرة مقايضة لا إخلاص
محمد افليحي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد افليحي

الإنسان بطبيعته لا يستطيع أن يعيش وحيدا، منطويا على ذاته يقطن في أبراج عاجية منفصل عن العالم الخارجي، لأن هذا سيجعله يشعر بالوحدة والحزن، وقد يصل به الأمر إن بقي طويلا على هذه الحالة إلى مرحلة الجنون، لذلك فهو بحاجة إلى الأغيار، وكما يقول الفيلسوف اليوناني " أرسطو " في كتابه " السياسة ": » إن الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته « . ولكن السؤال الذي يطرح نفسه علينا بإلحاح هنا هو: كيف انفصل الإنسان عن عالمه الروحاني وتنزل إلى العالم المادي المحسوس؟ وهل هذا التنزل هو السبب في بحث الإنسان عن الحب؟ ولماذا تحول هذا الحب من إخلاص إلى مقايضة؟
إذا عدنا إلى قضية انفصال الإنسان عن عالمه الروحاني وتنزله إلى العالم المادي المحسوس، فإننا نجد أصولها الأولى تتمثل في قصة آدم وحواء، ففي هذه القصة نجد هذا الشعور بالانفصال، فقد كانا في البداية في وحدة تامة مع بعضهما البعض باعتبارهما جزء لا يتجزأ من العالم الروحاني، لكن سرعان ما أكلا من الشجرة المحرمة تم تنزلهما إلى العالم المادي المحسوس، فأصبحا يشعران بالانفصال والوحدة، فما بقي أمامهما إلا البحث من جديد عن كيفية الرجوع إلى هذه الحالة الأولى، فكان الحل الوحيد في الحب الخالص غير القائم على المقايضة. وهذا الشعور بالانفصال لا نجده فقط في هذه القصة بل نجده كذلك في علاقة الطفل بأمه، فهما يكونان في البداية في حالة إتحاد، نظرا لاحتياج الطفل إلى ثدي أمه وجسدها المادي، فهي عالمه، تغذيه وتعتني به من جهة، وهو من جهة أخرى من يزين لها حياتها، ولكن عندما يكبر هذا الطفل سرعان ما يبدأ يشعر بالوحدة ولم تعد تكفيه أمه.
إذن فالانفصال والشعور بالوحدة هما السبب الرئيسي في البحث عن الحب، فجميع الناس عندما تشعر بالوحدة والانفصال، فإنها تبحث عن شيء يخرجها من هذه الحالة، وقد يكمن هذا الشيء إما في السكر، الجنس، الفن، الانتحار، المساواة، ليصنعوا عالما آخر خارج ذواتهم يصبحون معه شيئا واحدا، غير أن هذه الوحدة هي مجرد وحدة مؤقتة وزائفة، ومن تم فهذه الحلول ليست إلا حلولا جزئية لمشكلة الوجود المتمثلة في العزلة. فما هو الحل الأمثل إذن؟
لا حل لمشكلة الوجود هذه سوى الحب، فالناس جميعا يشتاقون إليه ويعتبرونه شيئا مهما، بحيث أنهم دائما نجدهم يتأرجحون بين كيف يحبون وكيف يكونون محبوبين، إلا أنهم يرون أن هذا الحب هو شيء بسيط قائم على اللذة الجسدية فقط، فلا أحد منهم فكر ولو مرة واحدة في امتلاك معرفة كافية به وبدل جهد من أجل تعلم فنه، وهذه هي المعضلة الكبرى، فبسبب نقص معرفتهم أصبح الحب في حياتنا المعاصرة قائما فقط على شهوة الشراء وفكرة المقايضة، فسعادة الإنسان أصبحت تقوم بالأساس على شراء كل ما يقدر عليه سواء بالقسط أو بالنقد، وكأننا في سوق تجارية يعد النجاح المادي فيها هو القيمة البارزة؛ فالمرأة لم تعد تريد الرجل من أجل ذاته، أي تريده من دون أن تتغيا منفعة ما، بل أصبحت تريد رجلا جذابا ذو مال وثراء فاحش كل حياته مليئة بالنجاحات والانتصارات، والرجل كذلك لا يحب المرأة حبا خالصا يقوم على المشاعر الجملية، لأنه في الحقيقة عندما يدخل معها في علاقة فهو لا يطمح من ورائها سوى إلى استغلال جسدها المثير، وبعد أن يحصل عليه يتركها، فتغدو بذلك علاقات الحب في مجتمعنا هذا شبيهة بالسلع التجارية القائمة على فكرة المقايضة؛ أنا أعطيكِ المال وأنتِ تعطينني جسدك، حتى أننا لم نعد نقول أن الشخص ذاهب للزواج، بل ذاهب لكي يساوم بكم سيأخذ تلك الفتاة من والديها، ويجب أن تكون هي بحد ذاتها موضوعا مرغوبا فيه بقدر قيمتها المرتفعة التي دفعت لوالديها.
وهكذا يمكننا القول أن الحب ليس شيئا بسيطا كما يعتقد جميع الناس، بل هو فن كباقي الفنون الأخرى، يتطلب معرفة كافية بأسسه وقواعده، وممارسة طويلة تمكننا من الدخول إلى غماره، لكي نعرف بها كيف نتجنب هذه التخبطات وخيبات الآمل المستمرة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat