إلى جانب روعة المنجز الفني العراقي القديم في مجالي النحت البارز(Relief) والمجسم (Sculpture Stereotactic) من حيث اناقة الاساليب الفنية وطرق تنسيق المشاهد التي تضمها كل لوحة ومجسم ثمة روعة تتجلى في ازورار المعاني التي يرغب ان يسوقها الفنان من وراء الاشكال التي صاغتها يديه , وهذا كله يمكن تلمسه من خلال دراستنا لما شاع وعُرف بين المختصين والباحثين الاكاديميين بتسمية الإناء النذري والذي ولا شك قادت طبيعة عرض المشاهد المصّورة عليه وازورار المعاني إلى ان يتلمسوا طريقاً لفك رموزه إلا أنه ما فتأ ان احس الجميع بوجود حاجة إلى دراسة تلو الاخرى لإشباعه قراءةً وكأن الفنان اراد من ذلك ان يبقى منجزه الفني حياً لا يفارق متلقيه الاكاديميين بحثاً ودراسة وسبر ما ورائياته وهي رغبةً راودتهم بالفعل منذ اخلت الارض سبيل الإناء النذري الذي بقيَّ زهاء اربعة آلاف سنة مطموراً فيها وكأن هذا الإناء ايضاً لم يشأ ان تُفك رموزه بسرعة لا تتناسب ومقدار بقائه فيها وهذا البحث (الكون من العماء في الإناء النذري من الوركاء) يحاول التوصل إلى قراءة تستكمل فيها عناصر صورة غابت عن عدسات الباحثين بعض اجزائها وبحثنا هذا سيتناول اولاً اكتشاف الإناء النذري
الإناء النذري الاكتشاف والمكونات والغرض المادي
في عام 1849م اكتشفت مدينة الوركاءوإلى عام 1953م تعود معظم الاكتشافات النحتية الفخارية ومنها الإناء النذري موضوع بحثناإذ تم الكشف عن هذا الإناء من قبل بعثة التنقيب الألمانية اثناء تنقيباتها في مدينة الوركاء عامي 1933-1934م, والإناء النذري يعُد حالياً واحداً من روائع المتحف العراقي فهو يعبر عن الكشف الفلسفي والمعرفي للعقلية الرافدينية القديمة , وقد تم تجسيد مشاهد الإناء على رخام أبيض اللون (الألبستر الشمعي) اسطواني الشكل تقريباً يقوم على قاعدة مخروطية عالية نسبياً وارتفاعه الكلي (105 سم), وافتقار الجغرافية الطبيعية لمدينة الوركاء في محافظة المثنى جنوب العراق (280 كم جنوب غرب بغداد) إلى حجر الالبستر الشمعي وهي خامة اناء الوركاء النذريلم تقف عائقاً امام مبتدع هذا الإناء من الحصول على حجر الالبسترلتنفيذ عمله وربما كانت أهمية الصورة التي رسمتها مخيلته ونفذتها أنامله هي من دفعته لإحضار هذا الحجر من مكان بعيد.
عُثر على إناء الوركاء النذري محطماً فتم رأب اجزاءه آنذاك باسلاك من النحاس اثرها واضح في الوقت الحاضر, وهذا الإناء يُعد اقدم إناء ديني نحته فنان من الحجر وقد تم العثور عليه في العراق إذ يعود تاريخ تصميمه إلى حوالي ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد, وعلى ابعد تقدير 3200 سنة قبل الميلادوكان الغرض من تقديم نذور الآنية شأنها في ذلك شأن انواع القرابين وانواع النذور الاخرى هو الحصول على رضا الآلهة وبخلاف نذور الهراوات والاسلحة المعدنية والتماثيل والانواع المختلفة الاخرى للنذور فالآنية كانت تؤدي وظيفة عملية في المعبد خصوصاً فيما يتعلق بقرابين الاكل والشرب وكذلك التطهير ولا يستبعد كلياً ان تكون الآنية المقدمة ذا صلة بآنية اخرى فخمة لم تكن تستعمل في المعبد لكنها كانت لإثراء غرفة الإله كتحفة لا غير وهناك آنية استخدمت كمقتنيات منزلية واخرى لحفظ كميات كبيرة من السوائل واخرى اصغر حجماً لصب السوائل من الكبيرة المخصصة للتخزين إلى الصغيرة المعدة للاستخدام المباشر, ويحتمل ان الاناء كان يملأ بالسوائل ليرتشف منها الإنسان فتحقق فعل الخصب السحري أو لعله مجرد تمثيل لمشهد على سطحه الخارجي الذي يمثل فعاليات الزواج المقدس (حفل سنوي كان يقام في رأس السنة) والذي من شأنه ان يؤدي إلى اخصاب مفردات الطبيعة جميعاً استناداً لمبدأ السحر التشاكلي والذي يقوم على فكرة الشبيه ينتج الشبيه, وينفرد الاستاذ سيتون لويد بالقول ان الاواني الفخارية الطويلة استخدمت على ما يبدو لحرق بقايا القرابين المقدمة للآلهة من حيوانات أو طيور أو اسماك, وربما تدل كثرة الآنية إلى ان دورها الطقوسي كان لا ينحصر بالرسوم التي تزين بها او تنحت حولها وإنما في هبتها إلى الارض بدفنها لتحقيق الاتصال الارضي بالسماوي على اعتبار ان الغاية الرئيسية هي في استنبات الارض بما يتطلبه ذلك من حراثة وبذار وسقي وسائر العمليات الزراعية وصولاً إلى قطف او جني ثمارها ولعل ذلك يقودنا إلى الربط ما بين مدلول الإناء النذري وأسطورة نزول إنانا/عشتار إلى العالم الاسفل في حال تم لنا اثبات ان نزولها وصعودها منه كان للتعبير عن مراحل انبات البذور بدءاً من بذر البذار التي تجسد حالة النزول إلى أسفل الأرض وصولاً إلى ظهور البراعم على سطحه تجسيداً لحالة الصعود وان الفكر الرافديني القديم خص هذه الإلهة بأسطورة (نزول إنانا/عشتار إلى العالم الأسفل) للتعبير عن نزولها إلى العالم الأسفل وصعودها منه كونها الإلهة التي عدت بالإلهة الام حسب اغلب آراء العلماء المختصين بالتاريخ والفكر العراقي القديم.
وتدخل فكرة الإناء النذري ذي النحت البارز ضمن مفهوم المناظر الروائية التي وجدت لها متشابهات في المنحوتات الحجرية من عصر الطبقة الرابعة في الوركاء, ويتكون الإناء النذري من سبعة حقول افقية (بضمنها ثلاثة مساحات من اي مشهد) وربما يكون لهذا الرقم مدلولات كونية ذلك ان طبقات السماء سبع واسوار العالم الاسفل سبعة, وتجسد المشاهد الثلاثة الأولى من الأسفل إلى الاعلى صفاً من سنابل الشعير وفسائل النخيل وكأنها فوق صفحة من الماء , يليه إلى الأعلى دائماً موكب من الاغنام المنذورة ثم وعلى الافريز الاوسط يظهر لنا عدد كبير من الخدم العراة في موكب يحمل كلاً منهم السلال والاباريق والجرار النذرية التي تحوي الفاكهة والمشروبات وفي استقبال الموكب بأجمعه امرأة برداء ولها لبدة كثيفة من الشعر ولباس رأس مدبب ذي قرون وهي تقف امام رايتين من حزم دائرية من القصب المشدود عند مدخل احد المعابد او المخازن التي وجدت فيه مسبقاً اواني مختلفة فيها هدايا وبعض الأواني ذات اشكال حيوانات كاملة هي اسد ومعزى وكذلك دكة مدرجة لها حزم من القصب ونعجة على كل من جانبيها وعلى الدكة شكلان بشريان يقفان لأداء الصلاة وتقديم القرابين, وقد استقبلت الإلهة الملك وقد استبقه رجلاً عارٍ حاملاً سلة في حين يحمل إليه خلفه الخادم الأول ذي ملبس قصير حزمة من القصباما الحقول الثلاثة الخالية التي تشاهد على سطح الإناء النذري فجاء احداها عقب مشهد السنابل والثاني عقب مشهد قطيع الخراف فيما جاء الحقل الثالث الخالي من المشاهد عقب طابور الخدم الحاملين للسلال ويذهب الاستاذ زهير صاحب إلى تفسير الاشرطة الخالية التي ذكرنا بأن الاول منها يمثل عزل للنفس النباتية عن الانسانية والثانية لتكريم النفس الانسانية المتحللة عن عالمي النبات والحيوان والثالث لتجسيد فكرة عزل عالم الإنسان عن عالم الآلهة, وعلى العكس مما ذهب إليه معظم ان لم نقل جميع الباحثين الذين تناولوا موضوع الإناء النذري بقولهم انه يمثل اسلوب النحت البارز في تنفيذ مشاهده وهذا ما نستغربه حقاً نجد ان الإناء نفذَ بكلا الأسلوبين المجسم والبارز معاً وهذا ما سنبينه ونوضحه في المبحث الثاني من هذا البحث.
رمزية المشاهد النحتية على سطح الإناء النذري
سعت الشعوب من خلال فنونها ذات الطابع الهندسي الرمزي إلى تحقيق الافكار الرمزية وابتعادها عن الواقع لم يمنعها من تحقيق هدف ملموس يدركه متلقي ذلك الزمان وتم لنا نحن ادراكه بفهمنا لطبيعة المعتقد الديني الذي تدين به تلك الشعوب وهو بالتالي هدف طقسي عبادي سعى فنان ذلك الزمان إلى تجسيدهوهذا ما نلمسه جلياً في المشاهد التي ضمها الإناء النذري , إذ ان المعنى الحقيقي للمشهد يمثل الإلهة إنانا/عشتار أو بديلتها وهي كاهنة عظمى تستقبل عريسها في رأس السنة للاحتفال بالزواج المقدس وهذا العريس الذي عُرف من مصادر مكتوبة متأخرة هو الملك النصف اسطوري دموزي السومري ملك الوركاء او تموز كما يسميه الساميون وهو راعي (بما تعنيه اللفظة من رعي للأغنام) دون شك وهنا نشاهد واحداً من العناصر الجوهرية والاساسية للحضارة السومرية التي بدأت في الوركاء مدينة إنانا/عشتار فالحياة اي الحياة الازلية المتمثلة في نمو واضمحلال في شخصية الآلهة هي بلا شك الحياة التي رمز إليها بالملك دموزي وليس من اليسير معرفة ما إذا كان المشهد في اعلاه يمثل حادثاً اسطورياً اي حادثة حياة الآلهة إنانا/عشتار وعشيقها ويكون مثل هذا ممكناً إذا كان لباس الرأس الذي كانت تلبسه المرأة الرئيسة ذا قرون حقاً ذلك لأن هذا اللباس سيصبح اول تاج إلهي ام ان انه كان يقصد به ان يمثل احتفالاً دينياً على غرار ما يقع في كل رأس سنة تقليداً لأسطورة زواج إنانا من دوموزي:
بعد ان استعرضتهُم جميعهم
فإن دوموزي هو الذي دعوتهُ ليصبح إله البلاد
دوموزي المفضل لدى انليل
والذي كانت تميل إليه أمي
وكان أبي يشيد بهِ.
ومن هذا الإناء نحصل لأول مرة على فكرة عن الطريقة التي كان فيها الإنسان يدخل حضيرة آلهته فهو لم يكن ليجرأ على ان يأتي خالي اليدين وان الكمية الهائلة من الهبات تشهد بعرفان الجميل تجاه واحدة من الآلهات العظمى للمدينة ذلك ان منتوج الحقل ونخبة القطيع تدخل في تكوين النذر, وان المشهد ان ثبت لدينا بأنه تجسيد لكرنفال الزواج المقدس فهو إنما جاء لأن في أولويات الفكر الأسطوري أن الشبه والهوية يتمازجان وإن شبيه الشيء لا يختلف عن الشيء نفسه فإذا تقمص الحاكم هوية الإله (تموز) في مسرح الوجود غدا هو الإله (دوموزي/تموز) وهكذا تغدو الكاهنة هي (إنانا/عشتار).
وهناك شبه اجماع على ان الرجل المرموق قائد موكب حمل النذور الذي تحطم وجهه نتيجة تلف اصاب الإناء هو ملك المدينة أو كاهنها الأعظم, وربما ملكاً أو قائداًولا نستبعد ان يكون هذا الذي سبق الملك نحو الإلهة هو الإله الشخصي ؛ إذ لم يكن السومري يتصور إمكانية نيل الاستجابة من لدن الآلهة الكبيرة دونما إله شخصيوهو الذي يتيح له فرصة محادثة هذه الآلهة , فُيستمع إليه , ويجيبوا على ما يقول, ولا يمكن لنا ان نتصور ان عدم حمل الملك او الملك الكاهن في مشهد الإناء لسلة الفواكه واسناد هذه المهمة لاحد خدمه من باب التكبر أو الأنفة لسببين الأول أن منصب الملك هبة من الآلهة فكيف يتكبر عليها والأمر الآخر كيف لشخص وضيع في خدمة الملك يكون في موضع مستقبلاً فيه الإلهة , وان تقديم الآلهة الثانوية للملوك قد جسدته الفنون العراقية القديمة في أكثر من مشهد فعلى سبيل المثال في المسلة التي عُرفت باسمه نشاهد الملك اورنمو (2112-2095 ق . م) مؤسس سلالة اور الثالثة (2112-2004 ق . م) وهو يحمل عدة البناء على كتفه وكذلك نلاحظ ان الإله الحامي أو الثانوي يفسح له الطريق لبلوغ الإله القمر ننارالإله الحامي لمدينة أور.
ومما تقدم نلاحظ ان القراءات السابقة للإناء النذري قد استثنت وبشكل واضح قاعدة الإناء واتجهت جميعاً لاستكناه المفاهيم التي جسدتها انامل الفنان بدءاً من الخطوط المتموجة التي رمزت إلى الماء وقد فسّرَ الاستاذ زهير صاحب ظهور الخطين المتموجين بقوله (جاء الحقل الأول من الأسفل أي الأرض لشكل خطين ايقاعيين متموجين للإشارة إلى موجة المياه معُتبراً الماء مادة الخلق الأولى وذلك بمثابة الكشف الفكري الكبير لماهية الوجود وظهور الأشياء وفي الحقل الأعلى منه نسقاً لسنابل القمح على ضفاف النهر) , وهذا الأمر ينطبق على مياه الانهار التي تنبت على ضفافها النباتات ولا يؤشر كلا الخطين والتفسير الذي اورده إلى الكتلة التي سبقت الخطين المتموجين ونعني بها قاعدة الإناء والتي نرى انها تشير إلى كتلة العماء الاولى التي انبثق عنها الكون , فقاعدة الإناء هي كتلة العماء الاول وقد انبجست عنها المياه ثم الأرض وقد ناب الفنان عن ابتداع خط محوري حول الإناء بعد الخطوط الثلاثة الدالة على المياه (ليس خطين كما ذهب إلى ذلك الاستاذ زهير صاحب) للدلالة على الأرض بصف من النباتات كناية عن وجود التربة أو لعله ذهب إلى أبعد من ذلك بتصوير ان كل الموجودات بما فيها الآلهة هي من الماء ولا غرابة في ذلك وهو الذي عدَّ الكونبما فيه من اجرام سماوية قاده فكره لتأليهها بأنها صنيع الصراع الأول بين آلهة العماء الأولى , ودليلنا على ذلك ان قاعدة الإناء التي نحتها الفنان جعلها من ضمن جسم الإناء ولم يتم الصاقها به وبذا لم يخلو مجسم الإناء من وظيفة في تصميمه الخارجي وعلى اقل تقدير ان لم يكن قد نحت الإناء كمجسم بأكمله قد استخدم اسلوباً فنياً لتصنيعه ونحت قاعدته بمطرقته وأزميله.
ان انطباق تفسيرنا السابق للإناء ومشاهده التي نحتت على سطحه الخارجي يتأتى لنا ادراكه بمعرفة ان هناك روايتان عن قصة الخلق سومرية وبابلية الاولى لم يعُثر على رواية مستقلة بذاتها تروي قصة الخلق بل اسهمت جهود علماء الآثار وعلى رأسهم كريمر في التوصل إلى فكرة الشعب عن الخلق من خلال عدة نصوص متناثرة تم لهم العثور عليها وقراءتها والتي يشير مضمونها إلى ان الشعب السومري اعتقد بان الخلق بكليته يعود إلى عنصر خلاق واحد هي المياه التي دعاها بالإلهة "نمو" ومنها انبثقت السماء والأرض ومنها جاءت جميع عناصر الكون الاخرى لذا عُدت الإلهة الام الاولى وهذه المياه وجدت منذ الأزل وقد وصفها الفكر السومرية بـ"المياه الكونية" وهذه المياه كانت مسؤولة عن خلق الإنسانكما جاء في ملحمة كلكامش (دونت اواخر الألف الثالث أو اوائل الألف الثاني قبل الميلاد) :
بعد ان ابتعدت السماء عن الأرض
بعد أن انفصلت الأرض عن السماء
بعد أن عُين اسم الإنسان.
وقد استنتج السومريون وجود ما يمكن تسميته بالبحر الاول وأنهم رأوا في ذلك البحر السبب الأول والمحرك الأول ولم يتساءلوا عن ماهية الشيء الذي سبق ذلك البحر في الزمان
والمكان ومن هذا البحر الأول ارجعوا نشأة الكون بما يعنيه من ارض وسماء فكانت قبة السماء موضوعة فوق الأرض المنبسطة والمتصلة بها وما بينهما كان الجو المتحرك المتمدد ومنه تولدت الأجرام المنيرة الشمس والقمر والكواكب والنجوم وليعقب انفصال السماء عن الأرض وخلق الأجرام مجيء الحياة النباتية والحيوانية والبشرية إلى الوجود, اما اسطورة الخلق البابلية حسبما جاء في الأسطورة البابلية الشهيرة التي عُرفت بـ"أسطورة الخلق البابلية" فجاء الخلق الكوني كله عقب صراع بين الآلهة العتيقة العنصر المؤنث فيه المياه المالحة التي دعُيت بـ"تيامة" والعنصر المذكر زوجها المياه العذبة "ابسو" والأسطورة بالمحصلة تؤكد على ان الكون كان في الأصل مؤلف من كتلة مائية مالحة وعذبةكما جاء في قصة الخلق البابلية (دونت ما بين 1500 – 1400 ق . م) :
حينما في الأعالي لم تكن السماء بعد قد سُمَّيت
وفي الأسافل لم تكن الأرض بعد قد ذكرت باسم
حينما كان ابسو الأول منجبهم
وممو و تيامت التي ولدتهم جميعاً.
ومن خلال ما تقدم نتوصل إلى ان الإناء النذري سواءً قلنا ان تنفيذه جاء ضمن منظور فن النحت الناتئ (البارز) أو الناتئ والمجسم (المدور) في آن معاً كما اوضحنا فيما تقدم له اهمية عند الفنان العراقي القديم الذي ابتدعت انامله هذا الأثر الفني الرائع وهي أي الأهمية لم تكن خافية عنه إذ لم يمنعه جدب طبيعة المنطقة التي يعيش فيها من ان يأتي بالحجر الملائم لإنجاز عمله الفني , ناهيك عن خطورة الموضوع الذي تناوله , وذات الأهمية تتجلى عندنا كونه يصّور لنا صورة المعتقدات الدينية سواء كانت في تقديم النذور أو القرابين أو في كيفية القدوم على الآلهة إلى جانب ما ذهبنا إليه من ان المشاهد التي نحتت على الإناء هي تجسيد لفكرة الإله الشخصي ومن ان الإناء كان يستخدم لغرض طقوسي يتمثل في نذره داخل مبنى المعبد أو تحت ارضيته ؛ للدلالة على قيام الشخص بتقديم النذور والقرابين للإله الذي نذر له هذا الإناء فيما كان واضحاً من ان البحث قد ناقش مسألة في غاية الاهمية تتجلى في عدم خضوع قاعدة الإناء للقراءة أو التفسير وكأنها في نظر من عالج موضوع الإناء جزء متمم ليس إلا والأمر لا يبدو كذلك ان قلنا بأن اسلوب نحت الإناء قد جمع بين اسلوبين هما النحت المجسم في صياغة شكل الإناء التكويني الجسماني واسلوب النحت البارز في استنطاق المشاهد من على سطح الإناء الخارجي وبالنتيجة تكون لقاعدة الإناء اهمية كبيرة ان اسقطنا عليها معتقد العراقي القديم المتعلقة بنشأة الكون (الأرض – السماء) من العماء الأول (المياه المالحة + المياه العذبة).
ابرز مصادر البحث :
1- زهير صاحب , الفنون السومرية , جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين , (بغداد/2005).
2- سيتون لويد , فن الشرق الأدنى القديم , تر : محمد درويش , دار المأمون , (بغداد/1988).
3- صموئيل نوح كريمر , الأساطير السومرية دراسة في المنجزات الروحية والأدبية في الألف الثالث قبل الميلاد , تر : يوسف داود عبد القادر , جمعية المترجمين العراقيين , (بغداد/1971) ؛ كذلك : السومريون تاريخهم حضارتهم وخصائصهم , تر : فيصل الوائلي , مكتبة الحضارات , (بيروت/ 1973) ؛ كذلك : الديانة السومرية , في كتاب موسوعة تاريخ الأديان , الكتاب الثاني , تحرير فراس السواح , دار علاء الدين , ط2 , (دمشق/2007).
4- انطوان مورتكات , الفن في العراق القديم , تر : عيسى سلمان وسليم طه التكريتي , مطبعة الاديب , (بغداد/1975).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat