تفترض نظرية الجهاز الضابط الخاصة باكتساب(1) اللغة لدى البالغين للمنظر الأمريكي كراشن ان هنالك نظامين منفصلين لدى البالغين من متعلمي اللغة الثانية يطوران قبلياتهم في تعلم تلك اللغة وهما نظام اكتساب اللغة اللاشعوري ونظام تعلم اللغة الإرادي.
لهذا الحد ليس في الأمر ما يثير على الرغم من ان الحقيقة هي ان أكثر ما نؤديه في الصف الدراسي لا يشير إلى وجود نظام الاكتساب على الإطلاق. فغالبا ما توضع البرامج التعليمية وكأن التعلم الإرادي هو الطريق الوحيد لإتقان اللغة الثانية سواء أكان ذلك من خلال تعلم القواعد أم من خلال تطبيقها في إنتاج عبارات ذات معنى في اللغة المراد تعلمها. وأحيانا تكون العملية استنباطية وأحيانا أخرى استقرائية، لكن الجدل ما زال يدور منذ أمد بعيد حول أيهما أكثر أهلية. يميل الميزان لصالح اكتساب اللغة لدى الأطفال إذ ان المعروف أنهم-أي الأطفال- يتمكنون من "التقاط" اللغة دون الحاجة إلى توجيه من معلم(و يعترف المعلمون ان البالغين يمكنهم ان يؤدوا الشيء نفسه)، فما يكثر فيه الجدل هو ان المتعلمين ينجحون بدرجة محدودة فقط، وذلك لأنه بدون مساعدة خارجية لا يمكن للمتعلمين ان يتقنوا اللغة الهدف بل ستكون النتيجة تعلم لغة هجينة وليس تضلعا لغويا حقيقيا. ومن جانب أخر فأننا لا نخسر إذا ما اتبعنا الطريقة التقليدية في التعلم ولو ان ذلك يستغرق وقتا طويلا ولكنه يعني التأكد من إمكانية حصول الإتقان الكامل للغة وتمكن المتعلمين من إنتاج عبارات صحيحة مستعملة ببراعة. ان أفضلية تأثيرات تعلم اللغة إراديا نادرا ما تكون عرضة للشك منذ ان سادت حركة النحو الفرضي في القرن الثامن عشر برغم وجود العديد من الأصوات ضدها بوقت يسبق ذلك التاريخ كثيرا. ان المدهش حول نظرية كراشن هذه ليس احتواؤها على الفكرة التي مؤداها ان النظامين (الاكتساب والتعلم) يسيران جنبا إلى جنب وإنما الافتراض المضاف بوجود نظام الاكتساب اللاشعوري واعتباره أكثر أهمية من نظام التعلم الإرادي. كما ان الفرق بين النظامين يكمن في حقيقة ان عملية اكتساب اللغة تشبه كثيرا عملية الاستعمال اللغوي عند الأطفال في اكتساب لغتهم الأم واللغة الثانية. فذلك يتطلب نوعا من التفاعل مع اللغة الهدف حيث يهتم المتكلمون بشكل رئيس بالرسالة اللغوية المراد إيصالها وفهمها وليس بالتعابير التي يستعملونها. من المعتقد ان المتعلم الإرادي يمكن دعمه بتقديم قواعد صريحة وكذلك بتصحيح الأخطاء التي يقع فيها. وخلال عملية الاكتساب لا يحتاج متعلمو اللغة(ويسميهم كراشن مكتسبي اللغة) إلى إدراك واع للقواعد التي يتعاملون بها. وهم ربما يصححون أخطاءهم بأنفسهم اعتمادا على ما يمتلكون من إحساس بان التعابير مقبولة أو غير مقبولة نحويا في اللغة الهدف. كما يفترض ان التعلم الإرادي مفيد، وفي الحقيقة موجود فقط كجهاز ضابط. فلا يمكن استعماله بنجاح عند الشروع في استخدام التعابير.كما ان الطلاقة في اللغة الهدف تعتمد على ما هو مكتسب أو"ملتقط" من خلال التواصل الفعال، وربما تستعمل المعرفة الشكلية لتغير الإنتاج اللغوي فقط عند الشروع باستخدام نظام اكتساب اللغة. فبينما يعمل الجهاز الضابط أحيانا قبل الإنتاج الفعلي للتعابير، فلا يمكن استعماله عند الشروع في إنتاج يتسم بالطلاقة في اللغة الهدف. ومما هو جدير بالذكر هو ان كراشن لا ينكر ان المتعلم يمكن ان يصوغ عبارات في مرحلة مبكرة جدا من تعلمه للغة من خلال تطبيق ما تعلمه من قواعد. فهو بالتأكيد يستطيع ذلك لكن هذا الإنتاج سيكون محدودا جدا ويفتقر إلى السرعة والعفوية. ومرة أخرى فلا يشكل ذلك ثورة في طريقة التعليم للمعلم المتمرس ولا لأي فرد يحاول تعلم لغة ثانية في موقف تقليدي. ما هو مثير حقا هو مواجهتنا باحتمالية تعاملنا الخاطئ مع الأشياء. فبدلا من الحصول على وقت للتعليم التقليدي أولا وانتظار التمرن على إنتاج يتسم بالسرعة والتلقائية يكون لزاما علينا ان نفكر بأسلوب يوفر لنا بيئة يمكن للمتعلم من خلالها ان يطور نظام اكتسابه للغة بطريقة لاشعورية حين يتلاشى التركيز فيهما على النظام التقليدي لتعلم اللغة وعلى تطوير نظام التعلم عند الفرد.
ان نظرية الجهاز الضابط بمفهومها الحالي غير كافية بذاتها لتحقيق حركة عكسية للإجراءات الصفية المألوفة. لكن افتراض كراشن على ان اكتساب اللغة لاشعوريا هو الوسيلة المركزية التي يختزن الراشدون اللغة الثانية من خلالها(وبذلك فان القدرة على اكتساب اللغة لا تختص عند سن البلوغ). وعندما نأخذ ذلك بنظر الاعتبار مع نتائج البحوث في حقول مثل علم اللغة العصبي وعلم اللغة النفسي وعلم اللغة الاجتماعي، فان ذلك يوفر دعما كبيرا للذين يرغبون ان يعرفوا كنه فوائد ثورة واثقة بمعنى الكلمة في حقل تعليم اللغة الثانية للراشدين.
(1) يستخدم بعض المنظرين في حقل تعلم وتعليم اللغات ومنهم كراشن مصطلح اكتساب اللغة language acquisition للتعبير عن تعلم اللغة لدى البالغين، في حين ان ثمة مصطلحين يستخدمان عند بقية المنظرين: اكتساب acquisition للحالة اللاشعورية (لاكتساب اللغة) والتي تكون لدى الأطفال في حالة تعلم لغتهم الأم، و(تعلم اللغة) language learning الإرادية لدى البالغين.
عن كتاب The Communicative Syllabus by Janice Yalden 1987
ترجمة
أ. د. حميد حسون بجية
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat