يا أهل العراق يا أهل الشقاق و النفاق .. بين الحقيقة و الأفتراء !!
الشيخ عباس الطيب
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بسم الله الرحمن الرحيم , و الحمد لله رب العالمين , و الصلاة و السلام على نبينا محمد , و على آلهِ الطيبين الطاهرين .
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته , أخوتي و أخواتي في الله .
أما بعد ..
الكثير منا يسمع هذا الحديث يتردد على ألألسن و خاصة على ألسن العراقيين , و حتى أن أصبح هذا الحديث شبه المُتسالم عليهِ بين العراقيين لشهرتهِ بينهم , و لكن للأسف الشديد لا أحد من الذين يرددون هذا الحديث على ألسنتهم أو من الذين يسمعونه قد سألوا أنفسهم يوماً و قالوا : هل أن هذا الحديث فعلاً قد صدرَ من ألإمام علي (عليه السلام) , أم لا ؟! .
فعن نفسي منذ زمن بعيد و أنا أسمع بهذا الحديث كثيراً يتردد على ألألسن , و لكن عندما كنتُ أتأمل مع نفسي قليلاً و أفكر فيهِ فلم أستطع أن أقتنع بهِ يوماً قط .
و نحن نعيش هذه ألأيام المُباركة , و هي أيام ولادة نفس الرسول , زوج البتول , أبو السبطين , الحسن و الحسين , الإمام الهمام , القائد الضرغام , أسد الله الغالب علي أبن أبي طالب (عليهِ السلام) .
و في هذه الأيام المُباركة و أبطال العراق أولاد حيدر الكرار (عليهِ السلام) يخوضون أقدس معركة عرفها التأريخ و عصرنا الحاضر , و بسبب ما تكيله لنا الدول الجارة و مَن يُساندها من دول الأستكبار من المغرضين للعراق , و لأهله الشرفاء , فقد عَزَمْتُ على أن أبحث في هذا الحديث و مصادره , و أرى هل فعلاً قد صدرَ من ألإمام علي (عليه السلام) هكذا حديث , أم لا ؟! .
فبعد أن وفقنا الله سبحانه و تعالى في هذه السطور المتواضعة , فإنني و بمناسبة الولادة الميمونة لولي الله الأعظم و خليفة رسولهِ (صلى الله تعالى عليهِ و آلهِ و سلم) أهديها إلى سيدي و مولاي و شفيعي و إمامي , الإمام علي أبن أبي طالب (عليهِ السلام) .
:::
@ الـســـــؤال :
هل صحيح أن ما يُنسب لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) على أنه قال عن أهل العراق :
(( يا أهل العراق يا أهل الشقاق و النفاق )) ؟! .
@ الـجـــــواب :
لم نجد حديثاً قد صدر من أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذا النص ، بل ثَبَتَ في المصادر الإسلامية أن هكذا حديث قد صدر من أعداء أهل البيت (عليهم السلام) , الذين يكيلون التهم و السُباب لأهل العراق الحبيب , لأن أهل العراق على مر التأريخ فيهم جذوة الثورة , و رفض الظلم , و لم يتقبلوا الحكام المتسلطين , و أنكروا الإسلام ألأموي المُزيف الذي حاولوا أعداء أهل البيت (عليهم السلام) الترويج له و إلى عصرنا الحاضر , و من أولائك الأعداء الذين أساءوا إلى العراق و أهلهِ على نحو الإطلاق :
(1) معاوية لعنه الله تعالى ؛ فإنه قال للوليد بن جابر بن ظالم الطائي : ((... و أنك لتهددني يا أخا طيء بأوباش العراق , أهل النفاق و معدن الشقاق ...)) .
فكان رد وليد الطائي على معاوية كالصاعقة مُذكرَهُ بما فعلوه بهِ أهل العراق الأبطال في معركة صفين مع الإمام علي (عليه السلام) , فقال له : ((يا معاوية هم الذين أشرقوكَ بالريق , و حبسوكَ في المضيق , و ذادوكَ عن سَنَن الطريق ؛ حتى لذتَ منهم بالمصاحف ؛ ... فغضبَ معاوية))[1] .
(2) الحجاج لعنه الله تعالى ؛ فإنه قال في إحدى خطبة : ((يا أهل العراق , يا أهل الشقاق و النفاق و مساوئ الأخلاق , أما والله لألحونكم لحو العصا , و لأعصبنكم عصب السلم و لأضربنكم ضرب غرائب ألإبل ...))[2] .
(3) و في خطبة ثانية له لعنه الله تعالى ؛ يصف أهل العراق بهذا الوصف مرتين : ((يا أهل العراق يا أهل الشقاق و النفاق ، إن الشيطان أستبطنكم ..... يا أهل العراق يا أهل الشقاق و النفاق ! الكَفَرات بعد الفَجَرات))[3] .
(4) و في خطبة ثالثة له لعنه الله تعالى ؛ بعد موت أخيه و أبنه قال : ((يا أهل العراق ... فما زال بي شِقاقكم ...))[4] .
(5) الجلاد عثمان بن حيان لعنه الله تعالى ؛ والي المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك : قال في خطبة له عندما وصل المدينة : ((أيها الناس إنا وجدناكم أهل غش لأمير المؤمنين في قديم الدهر و حديثه , و قد ضوى إليكم من يَزيدُكم خبالاً , أهل العراق أهل الشقاق و النفاق , هم والله عُش النفاق ...))[5] .
و السبب الذي جعل معاوية , و الحجاج , و عثمان بن حيان , أن يصفوا أهل العراق بهذه الأوصاف هو أن أهل العراق لم يكونوا مُطيعين لهم . و يُـبـيـن أبن أبي الحديد المُعتزلي سبب و علة عصيان أهل العراق لهؤلاء و أمثالهم من أئمة الطغيان و الجور , فـيـقـول :
و قال أبو عثمان الجاحظ : العِلّة في عصيان أهل العراق على الأمراء ... أنّ أهل العراق أهلُ نظرٍ و ذوو فِطَن ثاقبة , و مع الفطنة و النظر يكون التنقيب و البحث , و مع التنقيب و البحث يكون الطعن و القَدْح و الترجيحُ بين الرجال , و التمييز بين الرؤساء , و إظهارُ عيوب الاُمراء ... , و ما زال العراق موصوفاً أهله بقلّة الطاعة , و بالشقاق على أولي الرئاسة[6] .
:::
و لو أفترضنا صدور مثل هذا الكلام من أحد المعصومين (عليهم السلام) فإنه قطعاً لا يشمل الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) , بل هو خاصٌ بأعدائِهم من أهل العراق و ليس عامٌ , لأن العراق في ذلك الوقت بعد لم يكن كل أهله من الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) , بل فيه الكثير من المعاندين , و أذكر على سبيل المثال لا الحصر :
ـــ أولاً : فإننا نجد أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد وصف أصحاب الجمل , أتباع عائشة و طلحة و الزبير بقولهِ : ((كُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ وَ أَتْبَاعَ الْبَهِيمَةِ رَغَا فَأَجَبْتُمْ وَ عُقِرَ فَهَرَبْتُمْ أَخْلَاقُكُمْ دِقَاقٌ وَ عَهْدُكُمْ شِقَاقٌ وَ دِينُكُمْ نِفَاقٌ وَ مَاؤُكُمْ زُعَاقٌ ...))[7] .
ـــ ثانياً : عن صفوان الجمَّال قال : قال الإمام الصادق (صلوات الله عليه) في زيارة الأربعين : ((اَلسَّلامُ عَلى وَلِيِّ اللهِ وَ حَبيبِهِ ، اَلسَّلامُ عَلى خَليلِ اللهِ وَ نَجيبِهِ ، ... وَ قَدْ تَوازَرَ عَلَيْهِ مَنْ غَرَّتْهُ الدُّنْيا ، ... وَ أطاعَ مِنْ عِبادِكَ أهْلَ الشِّقاقِ وَ النِّفاقِ وَ حَمَلَةَ الأوْزارِ الْمُسْتَوْجِبينَ النّارَ , ...))[8] .
و على هذا الأساس يُفسر ما ورد في الزيارة , و هم أعداء أهل البيت (عليهم السلام) , و لم يقل في الزيارة أن كل أهل العراق أو بعضهم من أهل الشقاق و النفاق , بل أن المَـطَـاعِـين أمثال عبيد الله بن زياد , و عمر بن سعد , و شمراً لعنهم الله تعالى المتسلطين من قبل السلطة الأموية هم أهل الشقاق و النفاق .
ـــ ثالثاُ : بل أننا نجد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جعل صفتا (الشقاق و النفاق) وصفاً خاصاً بأعداء الإمام أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) بقوله في خطبة الـغـديـر : ((مَعاشِرَ النّاسِ ، أَنَا صِراطُ اللهِ الْمُسْتَقيمُ الَّذي أَمَرَكُمْ بِإتِّباعِهِ ، ثُمَّ عَلِيٌّ مِنْ بَعْدِي ، ثُمَّ وُلْدي مِنْ صُلْبِهِ أَئِمَّةُ الْهُدَى ، يَهْدُونَ إلَى الْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ ... أَلا إنَّ أَعْداءَ عَلِيٌّ هُمُ أهْلُ الشِّقَاقِ وَ النِفَاقِ , ...))[9] .
:::
@ الـخُـلاصـــــة : إن منهج أهل البيت (عليهم السلام) واضح , و هو منهج القرآن الذي لا يرى للقوميات و الأعراق و البلدان أثرٌ في إيمان أو نفاق الشخص .
فقد رفع الإسلامُ سلماناً المحمدي و هو فارسي , و أذلَ أبا لهبٍ و هو عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ! .
فبناءً على كل ما تقدم فإنه لا يُمكن أن يصدر من أهل البيت (عليهم السلام) مثل هكذا قولٍ , بل ليس من العدل و المنطق أن يُنسب إلى أمة بكاملها إلى الشقاق و النفاق .
@ أسـتـــــدراك : نعم قد نَسَبَ الشيخ الطوسي هذا القول إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) في تفسيرهِ (تفسير التبيان)[10] , و لكن لا يُمكن الأعتماد عليهِ بتاتاً , و ذلكَ لأمرين :
ألأمـر الأول : أن الشيخ الطوسي قد أورده مرسلاً دون ذكر أي طريق له .
ألأمـر الثاني : أن الشيخ الطوسي لم يذكر من أين أخذه , أي مجهول المصدر .
و لكن عند الرجوع و التفحص في المصادر كـ(البيان و التبيين) للجاحظ , و (تاريخ الطبري) , و المصادر اللاحقة له كـ(شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد ألمعتزلي , و (البداية و النهاية) لأبن كثير , نجد أنها قد أوردت نفس الكلام عن الحجاج مخاطباً به أهل العراق (و هو الذي مر سابقاً) .
@ الـخـاتـمـــــة : و بعد الرجوع للمصادر و البحث فيها يُمكن الجزم و القطع على أن هذا الحديث لم يصدر من أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أبداً , بل من أعدائهِ . فلاحظ و تأمل .
نسألكم الدعاء , و دمتم في رعاية الله و حفظِ .
الـهـوامـش ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] شرح نهج البلاغة , أبن أبي الحديد المُعتزلي : ج16 , ص291 .
[2] شرح نهج البلاغة , أبن أبي الحديد المُعتزلي : ج1 , ص252 .
[3] شرح نهج البلاغة , أبن أبي الحديد المُعتزلي : ج1 , ص252 - 253 .
[4] شرح نهج البلاغة , أبن أبي الحديد المُعتزلي : ج1 , ص254 .
[5] تاريخ الطبري : ج6 , ص485 .
[6] شرح نهج البلاغة , أبن أبي الحديد المُعتزلي : ج1 , ص251 - 252 .
[7] شرح نهج البلاغة , محمد عبدة : ج1 , ص46 , خطبة رقم / 13 .
[8] مفاتيح الجنان , الشيخ عباس القمي : الزيارة الثامنة زيارة الأربعين , ص512 .
[9] الاحتجاج , الشيخ الطبرسي : ج1 , ص80 .
[10] تفسير التبيان , الشيخ الطوسي : ج9 , ص 138 .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
الشيخ عباس الطيب

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat