صفحة الكاتب : الشيخ عباس الطيب

الأختراق الثقافي : الشباب و الإحتفالات العامَّة ( 1 )
الشيخ عباس الطيب

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم , و الصلاة و السلام على نبينا محمد , و على آلهِ الطيبين الطاهرين .

السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته ..

✍️ [مُـقـدَّمـــــة]

قال الله (عزَّ و جلَّ) : {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}[1] .

رُوِيَ عن النبي (صلى الله عليهِ وآلهِ) أنَّه قال : ((لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ ، وَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ ، لَا تُخْطِئونَ طَريقَهُمْ ، وَ لَا يُخطَأ شِبْرٌ بِشِبْرٍ , وَ ذِراعٌ بِذِراعٍ , و باعٌ بِباعٍ ، حَتّى لَوْ أَنْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ دَخَلَ جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُموهُ ، قالوا : اليهود و النصارى تعني يا رسول الله ؟ قالَ : فَمَنْ أَعْني ؟ لَتَنْقُضُنَّ عُرَى الإِسْلامَ عُرْوَةً عُرْوَةً ، فَيَكونُ أَوَّلَ مَا تَنْقُضُونَ مِنْ دِينِكُمُ الأَمَانَةُ ، وَ آخِرَهُ الصَّلاةُ))[2] .

(الأختراق الثقافي) هي إحدى السياسات الغربية التي تصب في تغريب الأُمَّة الإسلاميَّة و سلب هويتها الدينية إمَّا بصورة مُباشرة أو تحت غطاء الدعايات البراقة و الخادعة أمثال : الفن , و الأدب , و التقدُّم , و التسامح , و الحضارة , و المدنيَّة , و غيرها من الدعايات و الأساليب الماكرة التي تهدف لهدم كيان الأُمَّة بشكل ناعم و بطيء , و تستبدل هويتها و ثقافتها بهويات و ثقافات دخيلة .

و للأسف الشديد إذ أصبحنا نرى ما يجري في الساحة الثقافية من خروقات خطيرة تتسع دائرتها شيئاً فشيئاً تُهدد كيان الفرد و المُجتمع أخلاقياً و ثقافياً و سياسياً ، و تُوقعه في الضلال و التيه فيصبح منكوساً ، مِمَّا يسهل عملية التغريب و السيطرة عليه .

و عادةً ما تستهدف الثقافات الدخيلة الشباب , و ذلكَ بأعتبار أهمية شريحة الشباب التي تُمثل العُنصر الفاعل في حركة و تطور أي مُجتمع من المُجتمعات الإنسانيَّة .

و في هذه الحلقات المُتواضعة إذ نُحاول تسليط الضوء ــ و لو بطريقة خاطفة ــ على أبرز الأزمات التي يعيشها شبابنا في ظل تأثيرات العولمة , و هو تأثيرهم بشكل كبير و ملحوظ بالأحتفالات و المُناسبات الدخيلة على الثقافة الإسلاميَّة .

:::

✍️ [الشباب و الإحتفالات العامَّة]

من الطبيعي أن يُحيي المُجتمع الإسلامي ذكرى بهيجة تعود عليهِ في كل سنة , فينعكس هذا الإحياء على إبراز الزينة و تبادل التهاني و إشاعة الفرح العام , و لكن المُعتاد في مثل هكذا أمر أن ترتبط تلكَ المُناسبة بالمُجتمع الإسلامي تأريخياً , سواء كان هذا الأرتباط له بُعد (ديني) أو (قومي) أو (محلي) , بحيث يُعبِّر هذا الإحتفال عن أعتزاز المُسلمين بتراثهم الذي ينتمون إليهِ كأُمَّة لها شخصيتها المُستقلة .

أمَّا ظاهرة إحياء المُجتمعات الإسلاميَّة لمُناسبات دخيلة لا ترتبط بها تأريخياً فهي مسألة جديدة ظهرتْ بواكيرها في عصر الإنتداب[3] بعد الحرب العالمية الأُولى , إذ عمِلَتْ بعض حكومات الدول الإسلاميَّة على إقامة أحتفالات بذكرى مُناسبات غربية , ففي العراق مثلاً بدأ الإحتفال بعيد رأس السنة الميلادية مُنذ العهد الملكي في عام 1921م[4] .

و من الطبيعي أن يكون لهذا الإجراء الحكومي تأثير على الجمهور المُسلم و بخاصَّة الشباب , لكن تأثيره كان سطحياً بحيث لم يتجسد بشكل واضح على السلوك العام , و لم يُؤدِ بأي حال إلى أن تنمو هذه المُناسبات كسلوك طوعي بين الشباب المُسلم كما يحدث اليوم , إذ أنَّ مُناسبات غربية مثل (رأس السنة الميلادية) و عيد الحُب (فلنتاين) قد بدأتْ تُوازي ــ من حيث الإهتمام ــ الأعياد الإسلاميَّة لدى عامَّة الشباب في الدول الإسلاميَّة .

طبعاً فإنَّ هذه الظاهرة تُمثل نتيجة من نتائج تمكُّن العولمة من تغيير بوصلة الشباب المُسلم من الداخل , ففي الوقت الذي لم تعد الحكومات فيهِ تعبأ كثيراً بإحياء هذه المُناسبات , نجد أنَّ الجماهير المُسلمة ــ الشباب بالذات ــ يُحيُونها طوعياً , و لم يُعد هذا الإحتفال ينحصر بالأفراد أو الجماعات على نطاق ضيق , بل بدأ الشباب يَميلون إلى تحويله إلى مظاهر عامَّة يُنظّمُها أفراد و يُشارك فيها المئات في مراكز المُدن الإسلاميَّة بشكل خاص .

( ( ( يُــتــبــع ) ) )

 

الهوامش ـــــــــــــــــــــــــ 
[1] سورة البقرة : آية / 120 . 
[2] بحار الأنوار ؛ الشيخ المجلسي : ج28 , ص8 , ح11 , الطبعة الثالثة المُصححة , مؤسسة الوفاء , دار إحياء التراث العربي , بيروت . 
[3] الإنتداب : هو تمكين دولة تدَّعِي مُساعدة البلدان الضعيفة المُتأخرة على النهوض و تدريبها على الحُكم , حتى تصبح قادرة على أن تستقل و تحكم نفسها بنفسها , و قد وجدتْ في هذه الفكرة الدولتان الغربيتان (فرنسا) و (إنجلترا) ضالتهما المنشودة لتغليف مطامعهما الإستعماريَّة بهذا القالب الجديد , الذي أتاح لهما أحتلال الأقطار العربية المُنفصلة عن الدولة العثمانية بحُجَّة الوصاية على شعوبها (ويكيبيديا ــ إنتداب) . 
[4] يُنظر : (ماذا يعني عيد رأس السنة ؟) , إلسي مِلكونيان , موقع أرفع صوتكَ , نُشِرَ بتأريخ 31 / 12 / 2016م .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ عباس الطيب
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/01/13


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • [مضموناً] الحيدري يدَّعِي أنَّ النبي قد كذَّبَ على المُشركين لأجل أن يكسبهم !!!  (المقالات)

    • الحلقة الثالثة : العراق و مشروع الخصخصة .. الأحتلال بوجهٍ جديد !!! .  (المقالات)

    • الحلقة الثانية : العراق و مشروع الخصخصة .. الأحتلال بوجهٍ جديد !!! .  (المقالات)

    • الحلقة الأولى : العراق و مشروع الخصخصة .. الأحتلال بوجهٍ جديد !!! .  (المقالات)

    • الـفـصـل الرابع : الـسـيـد الـحـيـدري .. و مـصـادره الـعِـلّـمَـانِـيَّـة !!! .  (المقالات)



كتابة تعليق لموضوع : الأختراق الثقافي : الشباب و الإحتفالات العامَّة ( 1 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net