هل زار أحدكم شجرة آدم الشهيرة في مدينة القرنة عند ملتقى الفراتين؟ هل فكرتم يوماً بم ترمز إليه هذه الشجرة المباركة؟ ولماذا كانت موضع اهتمام الأجانب على مدى قرون عديدة؟ وكيف انحسرت عنها الأضواء فجأة في العقود الأخيرة؟
إن أسئلة كهذه لم تعد تخطر على بال العراقيين فضلاً عن الأجانب، منذ أن امتدت إليها نيران الحرب العراقية الإيرانية بعد سنتين أو ثلاث من اندلاعها عام 1980. ومنذ أن قرر السكان الفرار إلى مدن الفرات الأوسط في ذلك التاريخ. فالبشر هم أكثر أهمية وقداسة من الزرع والضرع، والشجر والمدر. وهم أولى بالرعاية من مخلفات العصور القديمة التي سلمت من العبث، ونجت من العدوان.
ولكن ما حدث في ما بعد أمر يبعث على الأسى حقاً. فلا أحد داخل العراق، فضلاً عن خارجه، استعاد وعيه بأهمية هذا المكان. ولم يكترث كائن للدلالات العميقة الموجودة فيه. كان الرحالة الأجانب القادمون من شمال أوربا وجنوبها يشدون الرحال إليه منذ ثلاثة قرون أو يزيد، ويقفون عنده بذهول منقطع النظير. لأنه بنظرهم الدليل الأبرز على موقع جنة عدن التي عاش فيها آدم وحواء أجمل أيام عمرهما المديد. ولأن ما كتب في التوراة عن هذه الجنة يتلائم تماماً مع ما فيها من مظاهر الجمال.
العراقيون ربما كانوا أقل احتفاء بهذه الشجرة من ضيوفهم الآتين من وراء البحار. وأدنى وعياً من الآثاريين الذين كتبوا عنها الكثير. فملامح الفقر والبؤس والتخلف والجهل الظاهرة على المنطقة أعطتهم انطباعاً مغايراً تماماً. وكانوا يتصورون أنها أقرب إلى الجحيم منه إلى الجنة. وأدعى إلى الهوان منها إلى الحضارة.
أحد المؤرخين الأجانب الذين شغفوا بالعراق، وعاشوا فيه، وهو هنري فوستر، ذكر أن دليله العراقي اسر له أن جده هو الذي قام بغرس هذه الشجرة، نافياً أي صلة لها بآدم وجنته المفقودة! مع أن أقرانه في بلاد العالم الأخرى يخترعون الروايات ويضعون الأساطير للبرهنة على صحة ما يروجون له من آثار.
هذه الشجرة المتيبسة ماتزال راقدة في مكانها الذي قامت البلدية بتسييجه منذ عشرات السنين. دون أي مظهر من مظاهر الاحتفاء . وهو بقليل من الجهد والمال سيتحول إلى روضة غناء تشبه الجنة الأصلية، إن لم تماثلها بهاءً. فيستريح عندها الزائرون القادمون من شتى بقاع المعمورة.
إن تحويل المكان الذي يحوي في ما عدا ذلك على أبنية قديمة وقصور، إلى حي تراثي مفرط الجمال، ليس بالأمر الصعب. ولا يحتاج إلى خبرات أجنبية ولا إلى شركات متخصصة. ولكن أحداً لم يفكر يوماً بأهمية هذا الصنيع، أو يحاول استمزاج الرأي العام في المدينة. مع أن من الطبيعي أن تقوم الإدارة المحلية بإعادة الروح إلى بقعة فقدت بريقها منذ عقود، وتجعلها قبلة الأنظار في العراق وخارجه.
ألم يأن لنا أن نعيد النظر بأولوياتنا، ونفكر ولو للحظة بما يبرز أهمية مدننا وقرانا، ويمنحها ما تستحقه من مجد وجمال وحيوية ؟ ولماذا نكون وحدنا الذين نزهد بكل ما نمتلكه من ثروات؟ هل تحول كل اهتمامنا إلى ما في باطن الأرض من كنوز، ونسينا ما فوقها من أسباب القوة والرفاهية والخير العميم؟
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
هل زار أحدكم شجرة آدم الشهيرة في مدينة القرنة عند ملتقى الفراتين؟ هل فكرتم يوماً بم ترمز إليه هذه الشجرة المباركة؟ ولماذا كانت موضع اهتمام الأجانب على مدى قرون عديدة؟ وكيف انحسرت عنها الأضواء فجأة في العقود الأخيرة؟
إن أسئلة كهذه لم تعد تخطر على بال العراقيين فضلاً عن الأجانب، منذ أن امتدت إليها نيران الحرب العراقية الإيرانية بعد سنتين أو ثلاث من اندلاعها عام 1980. ومنذ أن قرر السكان الفرار إلى مدن الفرات الأوسط في ذلك التاريخ. فالبشر هم أكثر أهمية وقداسة من الزرع والضرع، والشجر والمدر. وهم أولى بالرعاية من مخلفات العصور القديمة التي سلمت من العبث، ونجت من العدوان.
ولكن ما حدث في ما بعد أمر يبعث على الأسى حقاً. فلا أحد داخل العراق، فضلاً عن خارجه، استعاد وعيه بأهمية هذا المكان. ولم يكترث كائن للدلالات العميقة الموجودة فيه. كان الرحالة الأجانب القادمون من شمال أوربا وجنوبها يشدون الرحال إليه منذ ثلاثة قرون أو يزيد، ويقفون عنده بذهول منقطع النظير. لأنه بنظرهم الدليل الأبرز على موقع جنة عدن التي عاش فيها آدم وحواء أجمل أيام عمرهما المديد. ولأن ما كتب في التوراة عن هذه الجنة يتلائم تماماً مع ما فيها من مظاهر الجمال.
العراقيون ربما كانوا أقل احتفاء بهذه الشجرة من ضيوفهم الآتين من وراء البحار. وأدنى وعياً من الآثاريين الذين كتبوا عنها الكثير. فملامح الفقر والبؤس والتخلف والجهل الظاهرة على المنطقة أعطتهم انطباعاً مغايراً تماماً. وكانوا يتصورون أنها أقرب إلى الجحيم منه إلى الجنة. وأدعى إلى الهوان منها إلى الحضارة.
أحد المؤرخين الأجانب الذين شغفوا بالعراق، وعاشوا فيه، وهو هنري فوستر، ذكر أن دليله العراقي اسر له أن جده هو الذي قام بغرس هذه الشجرة، نافياً أي صلة لها بآدم وجنته المفقودة! مع أن أقرانه في بلاد العالم الأخرى يخترعون الروايات ويضعون الأساطير للبرهنة على صحة ما يروجون له من آثار.
هذه الشجرة المتيبسة ماتزال راقدة في مكانها الذي قامت البلدية بتسييجه منذ عشرات السنين. دون أي مظهر من مظاهر الاحتفاء . وهو بقليل من الجهد والمال سيتحول إلى روضة غناء تشبه الجنة الأصلية، إن لم تماثلها بهاءً. فيستريح عندها الزائرون القادمون من شتى بقاع المعمورة.
إن تحويل المكان الذي يحوي في ما عدا ذلك على أبنية قديمة وقصور، إلى حي تراثي مفرط الجمال، ليس بالأمر الصعب. ولا يحتاج إلى خبرات أجنبية ولا إلى شركات متخصصة. ولكن أحداً لم يفكر يوماً بأهمية هذا الصنيع، أو يحاول استمزاج الرأي العام في المدينة. مع أن من الطبيعي أن تقوم الإدارة المحلية بإعادة الروح إلى بقعة فقدت بريقها منذ عقود، وتجعلها قبلة الأنظار في العراق وخارجه.
ألم يأن لنا أن نعيد النظر بأولوياتنا، ونفكر ولو للحظة بما يبرز أهمية مدننا وقرانا، ويمنحها ما تستحقه من مجد وجمال وحيوية ؟ ولماذا نكون وحدنا الذين نزهد بكل ما نمتلكه من ثروات؟ هل تحول كل اهتمامنا إلى ما في باطن الأرض من كنوز، ونسينا ما فوقها من أسباب القوة والرفاهية والخير العميم؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat