صفحة الكاتب : محمد زكي ابراهيم

اختلال موازين القوة
محمد زكي ابراهيم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عندما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها عام 1918، وجدت الدول الضالعة في الحرب أنها فقدت كل احتياطاتها النقدية. وأنها أصبحت مدينة للولايات المتحدة بمبالغ هائلة جداً. وأدركت أن الوسيلة الوحيدة لإطفاء هذه الديون تكمن بفرض غرامات ثقيلة على ألمانيا، الخاسر الأكبر في هذه الحرب.

ولم تكن ألمانيا بأفضل حالاً من الحلفاء كي تستطيع الإيفاء بهذه الغرامات. فقد تدنت عملتها إلى وضع لا تحسد عليه. ولكن الحلفاء تمكنوا من إقناع الولايات المتحدة باستيفاء ديونها منها مباشرة  مقابل تبعيتهم شبه المطلقة لها.

ولسنوات طويلة احتفظت الولايات المتحدة التي لم تتورط مباشرة في الحرب بنفوذ كبير في العالم. وكانت لها اليد الطولى في توجيه السياسة الخارجية للغرب. واستطاعت بذلك تفادي الدخول في الحرب الثانية ماخلا السنة الأخيرة منها. وسبب ذلك بالطبع هو الوفرة المالية التي اجتمعت لديها، وكرستها القوة الأعظم في هذا الكوكب.

وفي الشرق عموماً امتلكت المملكة العربية السعودية قوة تأثير كبرى على دول المنطقة. واستطاعت هي وبعض إمارات الخليج الصغيرة الإطاحة بأنظمة قوية وراسخة. كما تمكنت من زعزعة استقرار دول أخرى أعظم قوة وأكثر رسوخاً. ولم يأت كل هذا النفوذ بسبب وفرة السلاح، فهي أضعف من أن تواجه جيوشاً منظمة. ولكن بسبب امتلاكها لأموال النفط، وقيامها  بشراء الذمم والمواقف والرؤى والأفكار.

في العراق تجري الأمور بشكل معكوس. فليس لدى المجموعة التي تمتلك الثروة والعمق البشري والقوة العسكرية أي نفوذ على الأقليات الأخرى. وليس بإمكانها فرض شروطها على شركاء الوطن بأي شكل من الأشكال.

بل إنها اضطرت لإرسال أبنائها لتحرير المدن التي تقطنها هذه الأقليات، ودفعت بسبب ذلك ضريبة الدم، فضلاً عن ضريبة المال!

ورغم ذلك فقد فرضت عليها شروط ثقيلة، وأمرت بمغادرة المنطقة حال اكتمال عملية التحرير. ووجهت لها اتهامات صريحة بانتهاك حقوق الإنسان! ولم يكتف بذلك بل طولبت بتخصيص المزيد من الأموال لإعمار الأحياء التي دمرها الغزاة والمتعاونون معهم من مواطني تلك المنطقة!

ومع ذلك فإن مساحات شاسعة من أراضيها مازالت تعاني من الخراب منذ أربعة عقود تقريباً. ولم تسنح الفرصة لإعادة ترميمها بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي!

ويلوح هؤلاء الذين تحررت أراضيهم بفعل الدم والمال الجنوبي بالانعزال في إقليم خاص لتفادي أي نفوذ محتمل أو هيمنة متوقعة لرجال التحرير. وكالعادة فإن على هؤلاء أن يدفعوا الأموال صاغرين، وليس لهم الحق في أن يسألوا أين تصرف هذه الأموال!

هذه الحال ليست الأولى بالطبع، فمأساة إقليم كردستان ماتزال ماثلة للعيان. وغير خاف أن الأخير يزدري أي تدخل حكومي في توجيه سياساته، ويمنع مرور أي قطعات عسكرية في أراضيه، ولكنه يصرخ محتجاً إذا ما قطعت إمدادات المال عنه!

هل يوجد نظير لهذا الوضع في العالم، يكون صاحب الثروة فيه الطرف الأضعف والأهون والأقل شأناً، والآخرون الذين يعتاشون على موارده يتحكمون في أمنه وقضائه وتعليمه وصحته وزراعته وصناعته وحصته التموينية .. ألخ، ويرفضون أي رأي له في أوضاعهم الداخلية؟

لا أظن ذلك على الإطلاق!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد زكي ابراهيم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/02/09



كتابة تعليق لموضوع : اختلال موازين القوة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net