الجفــــــاف والغــــرق
محمد زكي ابراهيم
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يتعرض العراق بين حقبة وأخرى لموجات من الجفاف وانحباس الأمطار، في أجزاء كثيرة منه، تسبب له أضراراً اقتصادية وبيئية. ليس أهونها شحة المياه وتصحر المراعي وهلاك الزروع ونفوق الحيوانات وارتفاع الغبار.
وفي سنوات أخرى تنهمر الأمطار بغزارة، وتهاجم السيول مناطق شاسعة من البلاد. فتتعرض المدن والقرى عندها إلى الغرق. وتقع خسائر جمة في الغلال والزروع والبنى التحتية، وتصاب الحياة بالشلل والإحباط.
وقد حدث في أكثر من مرة أن اجتاح الطوفان العاصمة بغداد، وأغرق أحياء كثيرة منها. فعجزت مسارب المياه عن تصريفه، وعاش الناس لأسابيع في عذاب عظيم. وكان من الطبيعي أن تتوقف الحركة وتتعطل الأعمال ويتذمر المواطنون. ولم تقف الكوارث المائية عند حدود بغداد بل تجاوزتها إلى مدن أخرى، عجزت شبكات تصريف مياه الأمطار فيها عن القيام بواجبها. في ما غمرت هذه المياه مساحات هائلة من الأراضي الزراعية أو البور.
وقبل سنوات اعتادت هذه الأعاصير مهاجمة مناطق شرق محافظتي الكوت والعمارة، والتسبب بانهيار مباني وأسيجة ودور ومنشآت صناعية. قبل أن تتجه نحو مسارات الأنهر، وتواصل تدفقها نحو الجنوب. وفي كل مرة لا تستطيع الدولة الإفادة من هذه الثروة الضخمة. فكل ما لديها من خزانات يمتلئ بسرعة فائقة تاركاً القسم الأعظم من المياه يأخذ طريقه إلى البحر، أو يتبخر في الهواء. وعجزت الأهوار التي كانت مناطق خزن طبيعي منذ أقدم العصور عن استيعاب الفائض، والاحتفاظ به لوقت معلوم.
ولأننا اعتدنا أن ننسى مصائبنا بسرعة، ونتجاهل أولوياتنا دون اكتراث، فإن حدوث جفاف مفاجئ يضعنا في زاوية حرجة. ونهرع دونما إبطاء إلى دول المنبع متوسلين إليها لإطلاق بعض الكميات المحبوسة لديها. ولا نكف عن التذكير بالمعاهدات الدولية التي تنظم العلاقة بين الدول المتشاطئة. مع أن تأمين حاجتنا إلى المياه بشكل ذاتي، يجعلنا في منأى من الضغوط والابتزاز والمساومات السياسية.
وقد حدث أن بعض الخزانات التي أنشأها العراق على أراضيه منذ وقت طويل، أصبح عرضة للانهيار. ووقع البعض الآخر منها تحت سيطرة الجماعات الإرهابية. أما الخزانات التي بنيت في مناطق المرتفعات فقد أصبحت وسيلة للابتزاز من قوى غير منضبطة! بل إن بعض أصحاب النفوذ وموظفي الحكومة لم يتورعوا عن التصريح بعزمهم مقايضة مياه هذه الخزانات ببراميل من النفط أو منعها من التدفق نحو الجنوب!
وبالطبع فإن الحديث عن استراتيجية جديدة للأمن المائي ليست محل نظر، لأنها تحتاج إلى أموال طائلة لم تعد موارد البلاد قادرة على تأمينها في الوقت الحاضر. وبسبب ذلك فإن الكوارث الطبيعية من جفاف أو سيول، تتكرر علينا من حين لآخر، ولا تواجه إلا بالإطاحة ببعض كبار الموظفين، وتحميلهم كل التبعات دون أدنى رحمة!
هل علينا أن ننتظر حتى يحل الأمن في ربوعنا لنقوم بتحصين أنفسنا ضد الجفاف والغرق، لنقوم بعدها بالاستفادة من كل قطرة مياه تتساقط على رؤوسنا في خزانات ضخمة، عملاً بمبدأ الماء الأبيض ينفع في اليوم الأسود؟
ألا تؤمن هذه الخزانات موارد جديدة للبلاد، بدلاً من الاعتماد الكلي على النفط، أو الوقوع تحت مطرقة الابتزاز والإهانة والتجويع؟
أم أننا استمرأنا تدخل الآخرين في شؤوننا دون أن نكون قادرين على الرد أو المعاملة بالمثل؟
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
محمد زكي ابراهيم

يتعرض العراق بين حقبة وأخرى لموجات من الجفاف وانحباس الأمطار، في أجزاء كثيرة منه، تسبب له أضراراً اقتصادية وبيئية. ليس أهونها شحة المياه وتصحر المراعي وهلاك الزروع ونفوق الحيوانات وارتفاع الغبار.
وفي سنوات أخرى تنهمر الأمطار بغزارة، وتهاجم السيول مناطق شاسعة من البلاد. فتتعرض المدن والقرى عندها إلى الغرق. وتقع خسائر جمة في الغلال والزروع والبنى التحتية، وتصاب الحياة بالشلل والإحباط.
وقد حدث في أكثر من مرة أن اجتاح الطوفان العاصمة بغداد، وأغرق أحياء كثيرة منها. فعجزت مسارب المياه عن تصريفه، وعاش الناس لأسابيع في عذاب عظيم. وكان من الطبيعي أن تتوقف الحركة وتتعطل الأعمال ويتذمر المواطنون. ولم تقف الكوارث المائية عند حدود بغداد بل تجاوزتها إلى مدن أخرى، عجزت شبكات تصريف مياه الأمطار فيها عن القيام بواجبها. في ما غمرت هذه المياه مساحات هائلة من الأراضي الزراعية أو البور.
وقبل سنوات اعتادت هذه الأعاصير مهاجمة مناطق شرق محافظتي الكوت والعمارة، والتسبب بانهيار مباني وأسيجة ودور ومنشآت صناعية. قبل أن تتجه نحو مسارات الأنهر، وتواصل تدفقها نحو الجنوب. وفي كل مرة لا تستطيع الدولة الإفادة من هذه الثروة الضخمة. فكل ما لديها من خزانات يمتلئ بسرعة فائقة تاركاً القسم الأعظم من المياه يأخذ طريقه إلى البحر، أو يتبخر في الهواء. وعجزت الأهوار التي كانت مناطق خزن طبيعي منذ أقدم العصور عن استيعاب الفائض، والاحتفاظ به لوقت معلوم.
ولأننا اعتدنا أن ننسى مصائبنا بسرعة، ونتجاهل أولوياتنا دون اكتراث، فإن حدوث جفاف مفاجئ يضعنا في زاوية حرجة. ونهرع دونما إبطاء إلى دول المنبع متوسلين إليها لإطلاق بعض الكميات المحبوسة لديها. ولا نكف عن التذكير بالمعاهدات الدولية التي تنظم العلاقة بين الدول المتشاطئة. مع أن تأمين حاجتنا إلى المياه بشكل ذاتي، يجعلنا في منأى من الضغوط والابتزاز والمساومات السياسية.
وقد حدث أن بعض الخزانات التي أنشأها العراق على أراضيه منذ وقت طويل، أصبح عرضة للانهيار. ووقع البعض الآخر منها تحت سيطرة الجماعات الإرهابية. أما الخزانات التي بنيت في مناطق المرتفعات فقد أصبحت وسيلة للابتزاز من قوى غير منضبطة! بل إن بعض أصحاب النفوذ وموظفي الحكومة لم يتورعوا عن التصريح بعزمهم مقايضة مياه هذه الخزانات ببراميل من النفط أو منعها من التدفق نحو الجنوب!
وبالطبع فإن الحديث عن استراتيجية جديدة للأمن المائي ليست محل نظر، لأنها تحتاج إلى أموال طائلة لم تعد موارد البلاد قادرة على تأمينها في الوقت الحاضر. وبسبب ذلك فإن الكوارث الطبيعية من جفاف أو سيول، تتكرر علينا من حين لآخر، ولا تواجه إلا بالإطاحة ببعض كبار الموظفين، وتحميلهم كل التبعات دون أدنى رحمة!
هل علينا أن ننتظر حتى يحل الأمن في ربوعنا لنقوم بتحصين أنفسنا ضد الجفاف والغرق، لنقوم بعدها بالاستفادة من كل قطرة مياه تتساقط على رؤوسنا في خزانات ضخمة، عملاً بمبدأ الماء الأبيض ينفع في اليوم الأسود؟
ألا تؤمن هذه الخزانات موارد جديدة للبلاد، بدلاً من الاعتماد الكلي على النفط، أو الوقوع تحت مطرقة الابتزاز والإهانة والتجويع؟
أم أننا استمرأنا تدخل الآخرين في شؤوننا دون أن نكون قادرين على الرد أو المعاملة بالمثل؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat