《مدرسة عاشوراء》(13) *قراءة تأملية في الخطاب الحسيني*
السيد ابراهيم سرور العاملي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إن خطب الحسين عليه السلام، جاءت كمكون رئيسي لثورته ضد الظلم والفساد والعدوان أبانت بتفاصيلها جميع الأحداث المأساوية ، حتى نهاية مقتله وأستشهاده وأهل بيته وأصحابة عليهم السلام، وكشفت فضائح الطغاة الذين ذهبوا إلى مزابل التاريخ، لبينما بقي مجد الحسين خالدا عبر التاريخ والأزمان تسطرمجده وتستلهم إشعاعه العباقرة والزعماء ورموزالأمة من العارفين بموقعه وبمكانته فى الشرق وفى الغرب من الذين أرخوا لتراثه وثورته الخالدة.
في خُطبتهِ الثّانيةِ التي أَلقاها في يَوْمِ عَاشُورَاءَ، قال الحُسينُ السّبطِ (ع) مُخاطِباً جيشَ البَغي {وَيْلكُم ما عَلَيكُم أنْ تُنْصِتُوا لِي فَتَسْمَعُوا قَوْلي، وَإنَّما أَدعُوكُم إلى سبيلِ الرّشَادِ، فَمَنْ أَطَاعَنِي كانَ من المُرشَدينَ، ومَن عَصَانِي كانَ من المُهْلَكِين وكُلُّكُم عَاصٍ لأَمرِي غيرُ مُسْتَمِعٍ قَوْلي، فَقَدْ مُلِئَتْ بُطُونُكُم مِنَ الحَرَامِ وطُبِعَ عَلى قُلُوبِكُم، وَيْلَكُم، أَلَا تَنصِتُونَ؟ أَلَا تَسْمَعُونَ؟}.
فما علاقةُ عدمِ الاصغاءِ للموعظةِ والذِّكرى والكلمةِ الطَّيبةِ بأكلِ الحرامِ؟! ولماذا كانَ الحُسين (ع) مُصراً على تبليغِ رسالتهِ لمُتلقّين كالّذينَ تجَمهروا في كربلاء في يَوْمِ عَاشُورَاءَ لقتالِهِ، إِنتُزِعت من قلوبِهِمُ الرّحمة ومِن رؤوسهِمُ العقلَ ومن ضميرهِمُ الدّين والقيم والاخلاق وكلّ شَيْءٍ؟!.
وتعد هذه الخطبة كمثيلاتها من الخطب، وبكل المقاييس العلمية والفكرية، تعد رائعة من روائع الخطب التاريخية التراثية لهذا الإمام الجليل من رموزوأقطاب الأمة، آلا وهو أبي الأحرار وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي عليه السلام، الذى فجر هذه الثورة، وهي أول ثورة عربية إسلامية خالدة فى تاريخ الإسلام، سطرمدادها بدمه الطاهروأهله وأصحابه فى ملحمة كربلاء الخالدة ، ووثقها التاريخ ومصادرالمسلمين بحروف من نور.
وفى سياق ومضمون هذا الخطاب نتعرف على المزيد من الحقائق عن خصوصية الإمام فى نهجه العقائدي الإصلاحي والدعوي الحازم والحاسم، فنجد من خلال مضامين مفرداته اللغوية، الصمود والقوة والحزم فى تفنيد الأكاذيب ودفع الحقائق للقوم، والرد على المتأولين والناكثين للعهود من الذين كتبوا له المكاتيب، وهم يطالبون بقدومه وإلإيحاء له بأيعان الثمارواخضرارالجناب، دلالة على تسوية الأمور، وبأن مقدمه سيكون على جند له مجندة أي أنهم سينضمون لثورته وتحت طاعته وإمرته، وقد خص هؤلاء بذكرهم بالإسم حين قال (يا شبث بن ربعي، ويا حجاربن أبجر، ويا قيس بن الأشعث، ويا زيد بن الحارث، ألم تكتبوا إليّ أن أقدم، قد أينعت الثمار، واخضرّالجناب، وإنّما تقدم على جند لك مجنّدة..؟)
فلم يكن ردهم عليه، إلا بالكذب والنكران لهذه المواثيق بكل عنجية وصلافة، بل ودعوته للإستسلام والجبن والخضوع من قبل أحدهم وهوقيس بن الأشعث، للنزول على حكم إبن زياد لمبايعته، والذى دفع إليه الحسين عليه السلام، برد قاطع حازم حاسم قائلا: اومثلي يبايع مثله - هيهات منا الذلة يابى الله ذلك لنا ورسوله وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، من أن نؤثرطاعة اللئام على مصارع الكرام لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفر ّفرار العبيد.
فقد كشف الإمامُ الحسين عليه السلام بخطاباته ، ومواقفه ، وبشهادته : أنّ الأُمّة المسلمة ، إذا كانت بعد مضيّ خمسين عاماً ، لم تعِ ، ولم تدركْ ما عرضَ عليها من الحقائق الواضحة ، وقد أوغلوا في الجهل إلى حدّ الإقدام على قتل سبط نبيّهم وأسر بناته وأهله , فإذا بلغَ وَعْيُ الأُمّة بعد خمسين سنة من حكم الخلفاء باسم الإسلام , إلى هذا الحدّ المتردّي ، من الجهل والتدنّي والانحطاط والوحشيّة ، الذي هو عين اللاوعي , بالرغم من تكاثف الأعوام وتكرّر المفاهيم التي جاء بها الإسلام بقرآنه وسُنّته ، وسيرة أصحابه ، أمامَ مرأى الأُمّة ومسامعها, فكيف بهذه الجهلة الجهلاء التي نبذت سيرة النبي صلوات الله عليه وجعلت الكتاب خلف ظهرانيها تبتغي
إنحدار الأمة الى زمن الجاهلية من خلال القضاء على ممثل الله الأكبر وخليفته في أرضه الذي تصدى من خلال مواقفه وبياناته وخطاباته الواعية لكل محاولات تسقيط الدور الذي قام به المصلحون والأولياء في سبيل نجاح الدعوة الى الحق ومواجهة الباطل مهما كانت النتائج
طالما أن هناك انحفاظ الدين الحنيف
والقيم والمبادئ التي دعى اليها وضحى بالغالي والنفيس من أجل بقاءها.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
السيد ابراهيم سرور العاملي

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat