ليس فخراً أن تحتفي السعودية بنجاح موسم حجّ هذا العام ؛ إذ إنّها وجدت نفسها بعد أحداث الموسم الماضي الشهيرة أمام تحدٍّ عظيم لإثبات كفاءتها وجدارتها بإدارة الحجّ على أفضل مايرام ؛ كي تردّ على الاتّهامات التي تعرّضت لها ، مثل : ضعف الإدارة والتنسيق ، وهشاشة الاحتياطات التي أدّت إلى حادثي الحرم المكّي الشريف و منى المروّعين ، ولاسيّما الثاني الذي راح ضحيّته - على بعض الروايات -آلاف الحجّاج بلاذنبٍ سوى لأنّهم كانوا إزاء ركاكةٍ في التدبير وتخبّطٍ في التخطيط ودهشةٍ عن سليم التصميم .
إنّ هامّ الأمر هو النجاح النسبي لمواسم الحجّ ، لا نجاحه هذا العام دون ذاك .. ثم إنّ نجاحه هذه المرّة كان متوقّعاً تماماً ؛ بفعل التحدّي الشديد والضغط النفسي المثير الذي تعرّضت له السعودية طيلة عامٍ مرير ، فجنّدت كلّ ما باستطاعتها تجنيده من إمكانيات هائلة وطاقات بشرية كبيرة ؛ كي تقول : إنّنا جديرون بإدارة الحجّ ، وماتدّعيه إيران وماتطالب به لاصحّة له ومردودٌ بالأدلّة العديدة !
لكنّ الفخر كلّ الفخر للسعودية كان يمكن أن يكون بحضور إيران حجّ هذا العام بالذات ، ثم الإعلان عن النجاح والتوفيق المعهود ..
إنّ حضور إيران ، هذا الرقيب الإسلامي المذهبي السياسي العملاق ، هو التحدّي الشاخص والأهمّ في ادّعاء النجاح من عدمه في ميدان السباق ..
بمعنى : أنّ السعودية بحضور إيران هذا الموسم ، وبتساميها المرحلي فوق الخلاف المذهبي والسياسي ، وبإظهارها حسن النوايا وخدامة الحرمين الشريفين ، الإعلاميين ولو ، كان يمكن لها الحديث آنذاك عن النجاح الباهر ولو .. أما والحال هكذا ، فإنّه يعطي انطباعاً واضحاً بكون نجاح هذا الموسم كان نجاحاً باهتاً من جهة ، كما ويؤكّد أثر الخلفيات المذهبية والسياسية التي كانت تدير التعامل السعودي السيّء المشهود مع الإيرانيين طيلة مواسم الحجّ والعمرة الماضية ، من جهةٍ أُخرى .
فعلى الرغم من النظم العالي الملفت للنظر والذي تمتاز به بعثات الحجّ والعمرة الإيرانية ، وعلى الرغم من الفوائد الاقتصادية التي تدرّ على السعودية جرّاء هذا الحضور المكثّف الفاعل ، إلّا أنّ السلوك الفجّ الخشن مع الحجّاج الإيرانيين غير الممكن إغفاله ونكرانه ، قد شكّل نقطةً سوداء في الملفّ السعودي الخاصّ.
إنّ مَثَلَ السعودية بفخرها بنجاح موسم حجّ هذا العام ، مَثَلُ ذاك الذي فاز بسباقٍ غاب عنه أبرز المنافسين والرقيب الهام .. فلا تجده بقرارة أعماقه يشعر باللذّة الحقيقية ولا النشوة الواقعية .
لقد أخطأت السعودية خطأً جسيماً حين لم تعمل على إقناع إيران بحضور موسم حجّ هذا العام بالذات ، فكان عليها السعي الحثيث بمختلف الأدوات والآليات المتاحة إلى ترغيب إيران وجرّها بذكاءٍ للحضور ، لا أن تضع العراقيل وتصطنع المبرّرات الهزيلة لمنع تواجدها هذا الموسم بالخصوص .. فغاب عن السعودية الدهاء المطلوب مثلما غاب عنها في بعض موارد من هذا النوع .
بخلاف إيران ، فإنّها وإن غُيِّبَت عن حجّ هذا العام ، فإنّها قد نجحت مرّة أُخرى في اغتنام الفرصة وإثبات كونها - بهذا التغييب - الشاخص الأهمّ و المؤشّر الأبرز في محرار نجاح موسم الحجّ من عدمه .. هذا على وجه الخصوص ..
أمّا على وجه العموم ، فإنّها - بدهائها ونفَسها الطويل- قد برهنت على كونها اللاعب الكبير في صياغة الموازين والمعادلات على شتّى المضامير والميادين .
إنّ هذين الجارين التاريخيين الكبيرين ، السعودية وإيران ، محكومان دينياً وسياسياً بتفاهماتٍ مصيرية ، قد تستدعي بعض الليونة المرّة تارةً والحلوة ثانية ؛ من أجل الخلاص من عواقب خطيرة غير محمودةٍ بالمرّة .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat