صفحة الكاتب : اسراء العبيدي

الدموع المتجمدة
اسراء العبيدي
وقفت فتاة بالقرب من بركة المياه فشاهدها رجل مسن وقال لها : ماذا تفعلين هنا الجو بارداً ؟
قالت له : الداء يثلج راحتي ويطفئ الغد في خيالي ويشل أنفاسي . فتهتز الرئتين ومن ثم يرقص بينهما شبح الزوال وهما مشدودتان الى ظلام قبر من الدم والسعال.
فلا تقلق أنا جلدي لا يخشى البرد فقد جفت روحي كما يجف ندى الصباح . والزمان لوى ذراعي وكسر لي الجناح .
فأنا اليوم أقف على هذه البركة لأغني لحن الموت . فقد ماتت روحي وصبغت بالدماء . وخرس لساني فلا يتكلم ولا يحدث صوت .
أندهش الرجل المسن وقال : ماذا دهاك يا ابنتي ؟ إذا كان الماضي مؤلم فالقادم أجمل . ودعي الماضي لأنه رحل كما ترحل الطيور المهاجرة لأبعد مكان  . 
وأنا أجد بعض العبارات التي اطلقتيها كانت للشاعر بدر شاكر السياب . أليس كذلك ؟ و لربما قصيدة رئة تتمزق . 
أسرت هذه الكلمات قلب الفتاة وكأن الهوى يشع في ناظريها وقالت : 
أنا اليوم في الشتاء ولن انتظر الربيع حتى يأتي , فإن صدري لن يرتاح فقد غزوته عاصفة الرياح وانحل كالظل الهزيل . وإنزال الامل بشيء أسمه مزيل . أحدث في قلبي الزلزال  . وكل حلم لي والفرح قد إنزال . 
فلا تحدثني عن الطيور المهاجرة .. فأنا أعلم ما معنى كلمة الطير ؟ فالطير يطير ويحلق في كل مكان وأنا قلبي لا يستطيع أن يطير . فقد انلوى وأمسى مكسور الجناح .
وبعد أن انتهت من حديثها أرادت القفز الى البركة المتجمدة بالثلج و سرعان ما حققت هذه الفكرة التى دارت ببالها و قفزت . وألقت بذكرياتها في البركة لتكون ستاراً من الأدمع الراجفة . فتجمدت دمعتها وبردت كما تبرد العاصفة  . وضاع عطرها وأنحل شعرها وبدأ يتغلغل في اعماق البركة . والمسكينة لا تستطيع العوم لذلك لم يتمكن الرجل المسن من تمالك نفسه وسرعان ما قفز بالبركة ورغم انه لا يستطيع السباحة  لكنه قفز . فتجمدت يداه وقدماه وسط الضباب الثقيل ورغم شدة البرد أستطاع مسك يدها . وسحبها بصعوبة جداً فقد كان وزنها ثقيل جداً , لأنها بدت كالجثة الهامدة ويداها جامدة و لم يستطيع حملها ولكنه مسك قدميها فانحنى ظهره المقوس . رغم ما حدث تابع عملية إنقاذها ووضعها على جليد الثلج الغير منكسر. وبدأ يحاول ايقاظها .  فاستيقظت وبدأت تقول بضع كلمات وهي تهذي :
غرست الورود في حديقتي وطار العصفور بعيداً... كيف يكون قلبي سعيداً ؟ والعصفور قد طار الى عش آخر . وهو الآن يعيش حياته ويحلق بسعادة . وإنا هنا لوحدي لن اغامر بقلبي من جديد فقد تجمدت دموعي وسط البركة المتجمدة . 
يا الهي لا أستطيع أن اتخيل إن العصفور يغرد بعيداً ويعيش حياته بعيداً عني . فقد طار وترك بداخلي حزناً منه لا أفيق .  وأمست روحي كالسراب بلا رفيق . انا وحيدة من سيهتم بي ويطفئ حزني . الكل تركوني فقد تجمدت عيوني .
فجأة تسارعت دقات قلبها وغاصت في وعيها . ركض الرجل المسن مسرعاً وحملها وهو يقول :
أنقذتك من البركة المتجمدة ووضعتك على الجليد الغير منكسر . والآن سأحملك كي لا ينكسر الجليد بك وتقعي في البركة , فأنني على حافة الهاوية ولن ادعك تقعين مرة اخرى . فإن إنكسرتي كما ينكسر الجليد وانكسر قلبك الرقيق لن تنكسري بعد اليوم . لن اسمح بذلك انا الزمان أتى بي الى هنا لأنقذك . 
أنا قدرك سأحملك مع دموعي المتجمدة  . سأنقذك فلا يهم ما حصل وما يزال هناك بعض الامل يا صغيرتي.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


اسراء العبيدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/08/11



كتابة تعليق لموضوع : الدموع المتجمدة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net