صفحة الكاتب : احمد خالد الاسدي

بحث حول مبنى المرجع الاعلى دام ظله حول رؤية الهلال(1)
احمد خالد الاسدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين خالق الوجود ومقّدر الامور بأحسن تقدير والصلاة والسلام على رسوله الخاتم افضل من خلق محمد صلى الله عليه وآله وعترته واهل بيته المعصومين المطهرين من كل رجس وذنب عليهم من الله افضل الصلاة والسلام وبعد: 
سبق وان كتبنا في موضوع الهلال وطرق تحديد بداية الشهور القمرية وفق نظريات ومباني علماء الطائفة - اعلى الله شأنها – لكننا اليوم نريد ان نعرض للموضوع من زاوية اخرى محددة وفق مبنى المرجع الديني الاعلى السيد السيستاني - دام ظله- ونسعى ان نزيح الابهام والايهام حول هذا الموضوع بالذات لأن الكثير من المؤمنين يشتبه عليه الامر ويحتار كيف يوجه تأخر اعلان العيد من مكتب السيد السيستاني عن بقية المراجع العدول – حفظ الله الجميع – كما حدث في السنين الاخيرة وسنتعرض ان شاء الله لأسباب ذلك بطريقة مبسطة وان كان هناك خللاً ما فأرجو من المؤمنين العذر فحسب كل امرؤٍ ان يعمل ما بوسعه وما التوفيق الا من عند الله سبحانه. 
مقدمة:
حتى نتمكن من رؤية الهلال يوم التاسع والعشرين من الشهر الهجري لابد من توافر شرطين أساسيين تستحيل الرؤية بغياب أحدهما:
أولاً: أن يكون القمر قد وصل إلى مرحلة المحاق ( الاقتران أو تولد الهلال أو الاستسرار ) قبل غروب الشمس، لأننا نبحث عن الهلال، وهو ـ أي الهلال ـ مرحلة تلي المحاق، فإذا لم يكن القمر قد وصل إلى مرحلة المحاق فلا جدوى إذاً من البحث عن الهلال.
ثانياً: أن يغرب القمر بعد غروب الشمس، لأننا سنبحث عن الهلال عندما يخف وهج السماء بعد غروب الشمس، فإذا كان القمر سيغيب أصلاً قبل غروب الشمس، فهذا يعني أنه لا يوجد هلال في السماء نبحث عنه بعد الغروب. ومن الجدير بالذكر أن الفترة الزمنية الممتدة من لحظة المحاق ( تولد الهلال ) وحتى وقت الرصد ( لحظة غروب الشمس مثلاً ) تسمى عمر القمر، فعلى سبيل المثال إن عمر القمر عندما يكون في طور البدر هو 14 يوماً تقريباً. وعمر القمر وقت المحاق ( تولد الهلال ) هو صفر.
هل المحاق ( الاقتران أو تولد الهلال أو الاستسرار ) لحظة عالمية واحدة؟
ساد الاعتقاد بأن لحظة الاقتران هي لحظة عالمية واحدة، إلا أن هذا الاعتقاد غير دقيق بعض الشيء، فهناك مصطلحان للاقتران، يطلق على الأول اسم ( الاقتران المركزي ( Moon New Geocentric ) والثاني ( الاقتران السطحي  Moon New Topocentric ) المصطلح الأول يعتبر أن الأرض والشمس والقمر عبارة عن نقاط ( وهي المراكز ) تسير في الفضاء، فإذا ما التقت هذه المراكز على استقامة واحدة وكان القمر في المنتصف، حدث الاقتران، بالطبع فإن لحظة الاقتران في هذه الحالة هي لحظة عالمية واحدة. إلا أن عملية رصد الهلال تتم من على سطح الأرض وليس من مركزها! فما يهمنا معرفته هو وقت حدوث الاقتران من موقع رصدنا على سطح الأرض، وهذا ما يعالجه المصطلح الثاني ( الاقتران السطحي )، إذ يعتبر هذا المصطلح أن الأرض والشمس والقمر كرات تسير في الفضاء، ويحدث الاقتران عندما يقع مركزا القمر والشمس على استقامة واحدة كما يرى من موقع الراصد على سطح الكرة الأرضية. بالطبع فإن لكل منطقة على سطح الأرض موعدها المختلف لحدوث الاقتران، وخير دليل على ذلك هو كسوف الشمس، فهو اقتران مرئي، ومن المعروف أن مواعيد الكسوف تختلف من منطقة لأخرى. ويبلغ أقصى فرق بين الاقتران المركزي والسطحي نحو ساعتين، في حين يبلغ أقصى فرق في الاقتران السطحي بين منطقتين مختلفتين للشهر نفسه نحو أربع ساعات (1).
العوامل المؤثرة في رؤية الهلال: 
هناك عدة عوامل لها دخل مباشر برؤية الهلال منها ارتفاعه عن الافق وعمر القمر (اي الوقت الفاصل بين الاقتران وخروجه من هذا الاقتران مبتعدا عن الخط المستقيم الرابط بين الشمس والارض والقمر)  وللأسف هذا العامل مما اختلف فيه علماء الفلك فالكثير من علماء الفلك يربط  إمكانية رؤية الهلال ان يكون بعمر 14 ساعة في حين اشترط آخرون أن يكون في الحد الأدنى بعمر 16 ساعة ، وقال بعضهم 18 ساعة وقيل غير ذلك. وأيضاً ادّعى بعضهم إمكانية رؤية الهلال وهو بارتفاع 4  درجات على الأفق حين غروب الشمس ، وقال آخرون أن الحد الأدنى من الارتفاع المطلوب لرؤيته هو 5 درجات ، وقال جمع أنه 6 درجات وقيل غير ذلك ، وهكذا الحال في سائر العوامل المؤثّرة في الرؤية  ومنها زاوية البعد من الشمس .
ثبوت الرؤية والاختلاف بين مراجع التقليد:
ان الاختلاف في اعلان ثبوت بدايات الاشهر الهجرية راجع الى الاختلاف في المباني الفقهية بين الفقهاء وهذا لا محيص عنه في عصر الغيبة الكبرى عصر فقد امام الزمان عجّل الله فرجه , وينبغي ان لا يكون هذا الاختلاف مثيرا لأي مشكلة او تنابز من أي نوع كان, لأن هذا الاختلاف في شتى الفروع الفقهية فلا وجه بتخصيص مسألة الهلال بهذه الضجة التي نأمل من المؤمنين تجنبها على اي حال.
ان المباني الفقهية المعاصرة اليوم تنقسم الى التالي:
1- الرؤية بالعين المجردة في بلد المكلف او البلاد القريبة التي تشترك معه في الافق بنحو لو رُأي الهلال في بلد المكلف فسَيُرى حتماً في البلاد القريبة المشتركة معه في الافق لولا المانع من الغبار او الغيوم . ويعتمد عليها اليوم سماحة المرجع الاعلى السيد السيستاني دام ظله فقط حسب تتبعي.
2- الرؤية بالعين المسلحة (التلسكوب) بنفس الشرط اعلاه وهذا الرأي هو المعتمد في البيان الرسمي في ايران اي المرجع السيد الخامنئي دام ظله.
3- الرؤية بالعين المجردة في اي بقاع العالم بشرط الاشتراك ولو بجزء بسيط من الليل وهذا مبنى المرجع الراحل السيد الخوئي قدس سره والكثير من تلامذته في النجف الاشرف وقم المقدسة.
4- الرؤية بالعين المجردة في اي بقاع العالم بشرط الاشتراك بجزء معتبر من الليل وهذا مبنى المرجع الشيخ الوحيد الخراساني دام ظله.
5- الرؤية بالعين المسلحة  في اي بقاع العالم بشرط الاشتراك ولو بجزء بسيط من الليل وهذا مبنى المرجع السيد كاظم الحائري دام ظله.
6- الرؤية بالعين المسلحة (بالناظور لا التلسكوب)  في اي بقاع العالم بشرط الاشتراك ولو بجزء بسيط من الليل وهذا مبنى المرجع السيد محمود الشاهرودي دام ظله حسب ما ينقل الاخوة الثقات.
7- الرؤية بالعين المجردة في القارات الثلاث او العالم القديم الذي كان تحت حكم الامام امير المؤمنين عليه السلام وهو مبنى المرجع السيد سعيد الحكيم دام ظله.
8- الاعتماد على الحسابات الفلكية المورثة للعلم والتي توجب الاطمئنان  وهكذا لو حصل هذا العلم بالأجهزة المتطورة ( والمراد من العلم هو الطمأنينة التي لا يأبه العقلاء بخلافها) وهو مبنى المرجع السيد المدرسي وآخرين.
9- الرؤية بالعين المجردة في اي بقاع العالم وهذا مبنى المرجع الشيخ بشير النجفي دام ظله.
10- كفاية رؤية الهلال في البلاد الشرقية لثبوته في البلاد الغربية: فقد ذهب عدد من الفقهاء إلى أنه إذا رؤي الهلال في بلد ما كفى في الحكم بثبوته في كل البلاد التي تقع غرب بلد الرؤية، ولكن لا يثبت الهلال في البلاد التي تقع شرق بلد  الرؤية, وينبغي ملاحظة أن هذه المسألة تختلف عن مسألة اتحاد الأفق التي تطرقنا إليها سابقاً النقطة رقم - 1 -  في بداية الموضوع.
 لأن تلك المسألة لا يفرق فيها بين الشرق والغرب. والسيد السيستاني لا يرى قاعدة (كفاية رؤية الهلال في البلاد الشرقية لثبوته في البلاد الغربية) على إطلاقها، بل يشترط لثبوت ذلك أن يتحد البلدان في خط العرض، ولا يتعدى الفارق بينهما درجة أو درجتين فقط.
هذه هي المباني الفقهية لكبار علماء الطائفة اعلى الله شأنها حسب تتبعي واذا كان هناك مبنى آخر فيرجى من الاخوة الكرام تزويدنا به وللعلم ان هذه المباني يقول بها اكثر من مرجع وانما ذكرنا بعض الاسماء رعاية للأختصار .
مبني المرجع الاعلى السيد السيستاني دام ظله:
ان سماحته ينفرد باشتراطه الرؤية بالعين المجردة اضافة الى اشتراطه الرؤية المحلية وان لكل بلد هلال خاص به اللهم الا ان يكون افق البلدين متحداً بأن تكون رؤية الهلال في البلد ملازمة لرؤيته في البلد الثاني الا بوجود مانع خارجي مثل الغيم او الغبار وغيرها. ويربط سماحته بين النصوص الروائية بهذا الموضوع وما توصل اليه العلم الحديث من تكنلوجيا لكن ليس على اطلاقها بل يخصصها بما كان عن تفاصيل علمية لا تقبل الخطأ وهي محل اتفاق بين اهل الاختصاص من الفلكيين ولمزيد من التوضيح نقول ما يلي.
علم الفلك والسيد السيستاني:
ان سماحة السيد السيستاني دام ظله يعتمد مبدأ الوسطية في الاعتماد على اقوال المختصين في علم الفلك وما يقوله الخبراء بهذا الخصوص ويفرق سماحته بين اقوالهم على نحوين:
الاول: يعتمد سماحته على اقوال الفلكيين التي تثبت ولادة الهلال ( اقترانه) ووقت خروجه من المحاق وكذلك مقدار ارتفاعه عن الافق ونسبة القسم المنار الى اكبر قطر يبلغه قرص القمر ونحو ذلك من التفاصيل,  وبالجملة الاعتماد على اخبارات الفلكيين ما دامت تعتمد الحسابات الرياضية ولا يتخلله الاجتهاد والحدس الشخصي ، ولا يحدث كما هو الظاهر اختلاف بين الفلكيين في هذا القسم .
الثاني: لا يعتمد سماحته على اقوال اهل الفلك اذا كانت من قبيل ما يخضع للحدس والاجتهاد وتعتمد التجربة والممارسة ، كقولهم أن الهلال لا يكون قابلاً للرؤية إلا إذا كان بارتفاع 6 درجات فوق الأفق أو بعمر 22 ساعة أو ببُعد كذا عن الشمس وأشباه ذلك من الاقوال ، وفي هذا القسم يكثر الاختلاف ويقل التوافق بين المختصين بعلم الفلك.
والنتيجة ان الاخبار عن رؤية الهلال اذا كانت تخالف النحو الاول لها حكم شرعي واذا كانت تخالف النحو الثاني لها حكم شرعي آخر بالتفصيل الاتي الوارد في استفتاء منشور في موقع السيد المرجع ذو الرقم 2 جاء فيه:
يحكى عن سيدّنا المرجع ( دام ظلّه ) أنه لا يأخذ أحياناً بشهادات الشهود على رؤية الهلال إذا خالفت إخبار الفلكيين بعدم قابليته للرؤية مع أن الشهادات حسّية والإخبار حدسي فما الوجه في ذلك؟
الجواب: إن إخبار الفلكيين على قسمين : 
١ـ ما يعتمد الحسابات الرياضية ولا يتخلله الاجتهاد والحدس الشخصي كإخبارهم عن زمان ولادة الهلال ووقت خروجه من المحاق ومقدار ارتفاعه فوق الأفق ونسبة القسم المنار إلى اكبر قطر يبلغه القرص ونحو ذلك ، ولا يحدث عادةً اختلاف بين الفلكيين في هذا القسم ، نعم ربما يخطأ بعضهم في المحاسبة.
٢ ـ ما يخضع للحدس والاجتهاد ويعتمد التجربة والممارسة ، كقول بعضهم أن الهلال لا يكون قابلاً للرؤية إلا إذا كان بارتفاع 6 درجات فوق الأفق أو بعمر 22 ساعة أو ببُعد كذا عن الشمس وأشباه ذلك ، وفي هذا القسم يكثر الاختلاف في وجهات النظر .
فإذا كانت شهادات الشهود على رؤية الهلال مخالفة لإخبار الفلكيين من القسم الأول يحصل عادة العلم أو الاطمئنان بخطأ الشهادة إذا اخبروا وفق حسابات دقيقة أن الهلال بعدُ في المحاق أو أنه قد غرب قبل غروب الشمس ومع ذلك شهد اثنان أو أزيد برؤيته! 
وأما إذا كانت الشهادات مخالفة لإخبار الفلكيين من القسم الثاني فربما يحصل الاطمئنان بخطأ الشهادات ـ بتجميع القرائن والشواهد ـ و ربما لا يحصل الاطمئنان بذلك، وإن لم يحصل وكان من ضمن الشهود عدلان تتوفر في شهادتهما شروط الحجيّة لزم العمل بمقتضاها ولا أثر للظن بخلافها .
وبالجملة : إن من شروط حجّية البيّنة ( شهادة العدلين ) على رؤية الهلال هو عدم العلم أو الاطمئنان باشتباهها ، فإن حصل العلم أو الاطمئنان بذلك ولو من إخبار الفلكي ــ مثلاً ــ بكون الهلال بعدُ في المحاق أو بكونه بعدُ رفيعاً جدّاً بحيث لم ير مثله بالعين المجرّدة من قبل فلا عبرة بالبيّنة ، و إلا يؤخذ بها ولا أثر لإخبار الفلكي(2).
وهذا امر مهم جدا فان قال اهل الفلك بان القمر مثلا يغرب قبل الشمس هذه الليلة وادعى الرؤية عادلان فعند السيد المرجع لا عبرة بشهادة هذان العادلان لوقوعهما فريسة الوهم والخطأ على اقل تقدير.
التعارض الحكمي عند السيد المرجع:
وهنا مسألة اخرى مهمة وهي مسالة تعارض الشهود بالأخبار عن رؤية الهلال وهي من مصاديق التعارض الحكمي , والمقصود بالتعارض  الحكمي  ما  هو  بحكم المعارض الحقيقي وقد مثل سماحة (السيد حفظه الله) للتعارض الحكمي بقوله : (لو استهل جمع ولم يدّع الرؤية إلا عدلان ولم يره الآخرون وفيهم عدلان يماثلانهما في معرفة مكان الهلال وحدّة النظر، مع فرض صفاء الجو وعدم وجود ما يحتمل أن يكون مانعاً عن رؤيتهما، فإن في مثل ذلك لا عبرة بشهادة البينة.
وفي استفتاء آخر برقم 18  النقطة الاولى تجد ما يلي لتوضيح مسالة التعارض الحكمي:
أن مئآت الأشخاص في الاحساء والقطيف والكويت والعراق وفي سائر أرجاء المنطقة استهلّوا ليلة الجمعة ومعهم الأدوات المقرّبة وفيهم الكثير ممن يعلم مكان الهلال بدقّة ومع ذلك لم يتيسّر لهم رؤيته ، ولكن هناك أشخاص آخرون ادعوا الرؤية وفيهم كما قيل ( عدول أو ثقات ) فاعتمدهم جمع من وكلاء المنطقة وهذا لا ينسجم مع مبنى سماحة السيد – مدّ ظلّه ــ من وقوع التعارض الحكمي بين الشهادات المثبتة والنافية في مثل هذه الحالة لما ورد في النص الصحيح عن أبي عبد الله (ع) من أنه ( إذا رآه واحد رآه مائة وإذا رآه مائة رآه ألف ) (3).
ويجب ان نشير الى تنبيهٍ مهم  وهو في فرض خروج جماعة كثيرة  ورؤية اثنين ونحو ذلك وعدم رؤية البقية ، وحصول الاطمئنان للمتصدي للهلال ، هل يصح له اعلان ثبوت الشهر ام لا ؟  الظاهر انه لا يصح له أن يعلن ثبوت الشهر استنادا الى البينة ، فإن   البينة  في نفسها مبتلاة بالتعارض على راي السيد السيستاني ( حفظه الله) وينبغي ان يبين ذلك للمؤمنين(4) .
لكن  هل له العمل باطمئنانه الشخصي ؟
هذا يعتمد على أن الاطمئنان هل هو حجة مطلقا أو فيما اذا حصل من مناشئ عقلائية  ومختار السيد ( حفظه الله) الثاني وفي بعض أجوبته ما يدل على أن الاطمئنان في هذا الفرض لو حصل فليس منشؤه عقلائيا فقد قال ( حفظه الله ) في جواب احد الاستفتاءات الذي يحمل الرقم 15 وهو :
السؤال: (  شخص مؤمن قد اشتهر برؤيته الهلال لسنوات عديدة ، فهل يكفي حصول الاطمئنان من قوله في ثبوت الهلال ، وهل يكفي هذا الاطمئنان للآخرين بمعنى أن آمر اهل بيتي يعملوا باطمئناني ؟) 
الجواب:  من حصل له الاطمئنان يعمل بمقتضاه ومن لم يحصل له فعليه العمل وفق الموازين الاخرى ولا ينفع اطمئنان شخص لشخص آخر ، علماً أنّ انفراد شخص بدعوى رؤيته للهلال مع وجود مستهلين آخرين يماثلونه في معرفة مكان الهلال وحدّة النظر مع فرض صفاء الجو وعدم وجود ما يحتمل أن يكون مانعاً عن رؤيتهم يثير الريب عادةً في صحّة دعواه بل يظن وقوعه فريسة الخطأ في الحسّ فكيف يتصوّر حصول الاطمئنان من قوله؟! (5).
اتضح جلياً لحد الآن ان شهادة العدلين حجة على المكلف مشروطة بشرطين اساسيين هما:
الامر الاول : أن لا يحصل قطع أو اطمئنان على خلافها ، ولحصول القطع أو الاطمئنان أسباب منها :
١- ان يخبر الفلكيون بعدم امكان الرؤية اعتمادا على حساباتهم التي لا تقبل الاشتباه او اذا قبلته ففي مقدار يسير لا يحتمل معه الرؤية أو يكون احتمالها ضئيلا وموهوما جدا .
قال ( حفظه الله ) في استفتاء مر سابقا  انظر هامش رقم (2) : (إن من شروط حجّية البيّنة ( شهادة العدلين ) على رؤية الهلال هو عدم العلم أو الاطمئنان باشتباهها ، فإن حصل العلم أو الاطمئنان بذلك ولو من إخبار الفلكي ــ مثلاً ــ بكون الهلال بعدُ في المحاق أو بكونه بعدُ رفيعاً جدّاً بحيث لم ير مثله بالعين المجرّدة من قبل فلا عبرة بالبيّنة ، و إلا يؤخذ بها ولا أثر لإخبار الفلكي).
الامر الثاني : ان لا تكون مبتلاة بالتعارض الحكمي ومثاله أن تخرج جماعة كثيرة للاستهلال في أفق البلد كأن يخرج الف - مثلا - و لا يراه الا إثنان  او ثلاثة او خمسة من العدول  ، فانه في هذه الحالة وان لم يكن في الذين لم يروه عدول إلا انه يحصل للإنسان اطمئنان بعدم صحة دعوى الرؤية إذ مع وحدة المكان  والتساوي في حدة النظر ومعرفة موقع الهلال و صفاء الجو كيف لم تحصل الرؤية  الا لهذا العدد القليل جدا من مجموع عدد المستهلين الكثير جدا  !
الوكالة والاعتمادية لا تعني التقليد:
ان من الاشتباهات الكبيرة التي يقع فيها المؤمنون خصوصا من هم في خارج العراق هو اعلان بعض وكلاء سماحة السيد السيستاني دام ظله عن ثبوت العيد وهم لا يعرفون ان هذا الوكيل ثبت عنده العيد بناءً على تقليده او اجتهاده وليس على راي موكله وهو السيد السيستاني اذ ليس بالضرورة ان يكون الوكيل او المعتمد مقلدا للسيد المرجع بل من الممكن ان يكون مجتهدا  او انه يقلد مرجعا آخر . لذا يجب الحذر والتروي عند الحكم بهذا الامر ونهيب بالسادة والمشايخ الوكلاء اخذ الحيطة والحذر وان لا يغفلوا عن هذا الامر وان يخبروا الناس بتفاصيل اعتمادهم ثبوت الهلال من عدمه وعلى فتوى من استندوا لأثبات العيد عندهم حتى لا يتسببوا بحالة من الارباك وقد اشار الى ذلك الاستفتاء المرقم 43 الاتي: 
السؤال: نحن في العراق وعالم البلد الذي يعرف بين الناس بان وكيل لمرجعهم في التقليد إذا ثبت عنده حلول يوم العيد ولم يثبت ذلك عند موكله المرجع فهل يحق له الاعلان عن حلول العيد واقامة صلاته من دون ان يوضح للجميع ويصارحهم بالاختلاف بينه وبين المرجع في امر الهلال او لا ؟
الجواب: لا ينبغي له ان يفعل ذلك لما يتسببه من ارباك في الوضع إلى حدّ بعيد، حيث ان كثيراً من الناس سيفطرون ذلك اليوم اعتقاداً منهم بان الوكيل لا يتصرف الاّ وفق رأى موكله فيكون عدم مصارحتهم موجباً لما يشبه الاغراء بالجهل(6).
مغالطات متكررة:
من اكثر المغالطات التي تتكرر سنوياً ولا تنم عن علم ولا عن معرفة هي قول القائل لماذا لم يعلن السيد السيستاني عن العيد مع ثبوته عند كبار العلماء في النجف وايران ولبنان .؟
ونحن نقول في مقام الجواب ونعطي قاعدة عامة للمتكلم الذي سيتكلم جزماً في هذا العيد وهذه القاعدة بسيطة جدا وهي انه وقبل البدء بالكلام اقرأ بيان الاستهلال للمراجع الكرام وبعد ذلك قل ما شئت.
نعم يجب معرفة السبب والمستند الشرعي الذي افتى به المرجع الفلاني قبل ان تنتقد المرجع الآخر بعدم اعلان العيد لماذا؟ لأنه وبأبسط صورة ان المباني الفقهية تختلف اخي العزيز واذا رجعت لبداية البحث ستجد عشرة انواع ومباني متعددة ومختلفة فيما بينها فكيف تريد من هذا المرجع ان يخالف فتواه ومبناه لمجرد ان المرجع الفلاني افنى بثبوت الهلال وهل هذا الا كلام لا يسمن ولا يغني من جوع. 
أما اعتماد طريقة معينة في تحديد اليوم الأول للشهر وهذه الطريقة توحد جميع المسلمين وتجعلهم يصومون في يوم واحد ويفطرون في يوم واحد وعندهم يوم واحد لعرفة بالإضافة لعيدهم يصبح موحد هذا شيء جميل ويتمناه الجميع ولكن يجب أن يعتمد على الدليل الشرعي الصحيح.
نعم ان التوحد بيوم العيد من اجمل ما يتمناه المرء لكن التسليم للدين والاخذ بما قرره الشرع الحنيف هو الغاية العظمى التي يسعى اليها الجميع لا ما يتمناه القلب  وان خالف الشرع الحنيف, فلا معنى اذن لمقولة ان تتوحد الآراء في العيد وهل اجتهاد المرجع وتبنيه رأياً معيناً هو عن عبث ؟ لا والله فهو عمل حثيث واستفراغ للجهد والنظر في الادلة الشرعية . نعم من الطبيعي الاختلاف  لاختلاف البشر وطريقة تفكيرهم  وقوة وعمق فهمهم وهذا لا يحتاج الى مزيد بيان.
مسألتان مهمتان:
في المسألتين ادناه وجوابهما تتضح جملة من الاشكالات لذا نرجو من الاخوة مراجعتهما بشيء من التأمل والدقة.
المسألة الاولى: احيانا تنبعث شهادات منفردة برؤية الهلال من اشخاص موثقين من بلاد متقاربة في الافق , وهي بمجموعها تشكل رقما كبيرا - كثلاثين شهادة – ومع ذلك يلاحظ ان سيدنا المرجع (دام ظله) لا يأخذ بها ولا يعتمدها في ثبوت اول الشهر , فما هو الوجه في ذلك؟
الجواب: مورد عدم الاخذ بها هو ما أذا استهل في كل بلد جمع من الناس ولم يدعي الرؤية الا نفر قليل منهم وفي الباقين من يماثلونهم في معرفة مكان الهلال وحدة البصر مع فرض صفاء الجو وعدم وجود ما يحتمل ان يكون مانعا من رؤية الآخرين ,فان في مثل هذه الحالة لا يعتد بدعاوى الرؤية كما يستفاد ذلك من عددٍ من النصوص: 
1) معتبرة ابي ايوب إبراهيم بن عثمان الخزاز عن الصادق عليه السلام : قلت له : كم يجزئ في رؤية الهلال ؟ فقال : " إن شهر رمضان فريضة من فرائض الله  فلا تؤدوا بالتظني ، وليس رؤية الهلال أن تقوم عدة فيقول واحد : رأيته ، ويقول الآخرون : لم نره ، إذا رآه واحد رآه مائة ، وإذا رآه مائة رآه ألف..(7).
2) صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية ، والرؤية ليس ان يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد هو ذا هو ، وينظر تسعة فلا يرونه ، إذا رآه واحد رآه عشرة والف.. (8). 
3) موثقة عبد الله بن بكير بن أعين عن أبي عبد الله عليه السلام قال : صم للرؤية وأفطر للرؤية ، وليس رؤية الهلال ان يجئ الرجل والرجلان فيقولان رأينا ، إنما الرؤية أن يقول القائل رأيت فيقول القوم صدقت(9).
فيلاحظ تأكيد الامام عليه السلام في هذه النصوص على عدم الاعتداد بدعوى رؤية الهلال من واحد أو أثنين في ضمن جمع من المستهلين , ومحمله هو ما تقدم من توفر فرص مماثلة للآخرين لرؤية الهلال لو كان موجوداً في الافق وفي هذه الحالة يغلب ابتناء دعاوى الرؤية على الخطأ في الحس وتوهم ما ليس بهلال هلالاً, كما ثبت ذلك في وقائع كثيرة (10).
المسألة الثانية: لماذا لم يثبت هلال العيد عند سيدنا المرجع دام ظله في ليلة الاثنين من عامنا هذا ( 1419) على الرغم من :
اولا: توفر شهادات على رؤية الهلال في تلك الليلة من قبل جمع من المؤمنين الثقات بل العدول وعدم تحقق شهادات معاكسة لشهادتهم لوجود بعض العوائق الطبيعية مثل الغيم والضباب في مختلف المناطق مما يحتمل ان تكون هي المانع من رؤية الآخرين؟
ثانيا: الاعلان عن ثبوت رؤية الهلال عند بعض العلماء في ايران استناداً الى شهادة جمع من المؤمنين في مناطق مختلف فيها وافطار معظم الشعب الايراني على هذا الاساس , وايران تقع في شرق العراق ورؤية الهلال فيها ملازمة لرؤية الهلال في العراق لولا المانع من غيم ونحوه, وهكذا الامر بالنسبة الى سائر الدول الاسلامية التي هي الاخرى اعلنت الاثنين اول ايام عيد الفطر؟
الجواب: ان سماحة السيد (دام ظله ) كان متأكدا من ان هلال شوال لا يمكن أن يكون قابلاً للرؤية في ليلة الاثنين وأن كل الذين شهدوا برؤيته في تلك الليلة  قد وقعوا       - على احسن تقدير – فريسة الخطأ في الحس فتوهموا ما ليس بهلالٍ هلالاً كما يقع كثيراً والوجه في ذلك أمران:
الامر الاول: ان الحسابات الفلكية الدقيقة قد اكدت ان هلال  شهر شوال يولد ( يبدأ بالخروج من المحاق ) بعد غروب يوم الاحد , مما يستحيل معه رؤيته عند غروب الشمس في اسيا وافريقيا  وحتى اوربا وامريكا , فقد اجمع اصحاب التقاويم والمراصد الفلكية في مختلف انحاء العالم كإيران والعراق وبريطانيا ولبنان ومصر وسوريا وماليزيا وغيرها على ان هلال  شوال لعام 1419 هجرية لن يكون خارجاً من المحاق عند غروب الشمس من يوم  الاحد في باكستان والهند وايران ودول الخليج والعراق وسوريا ولبنان والاردن ومصر وبلاد المغرب العربي .. فكل من يدعي رؤيته في هذه البلاد فهو بلا شك اما كاذب أو واهم .. 
 ومن الواضح لكل من له المام بطريقة عمل الفلكيين أن اخبارهم عن موعد ولادة الهلال لا يبتني على الحدس والتخمين ولا يخضع للاجتهادات الشخصية ليقال انه لا عبرة بالخبر الحدسي  في مقابل الشهادات الحسية بالرؤية , بل انه يعتمد على محاسبات رياضية بحتة ولا يحتمل تعرضها للخطأ الا بنسبة  001%  ومقدار الخطأ المحتمل لا يتجاوز الدقيقة الواحدة !! 
الامر الثاني: انه لم يمكن رؤية الهلال في ليلة الاثنين بالأدوات المقربة والرصد المركّز كما اعلنت ذلك مراصد معروفة كالمركز الفلكي البريطاني  والمركز الفلكي المصري وهكذا عشرات الذين راقبوا الهلال من خلال مراصدهم الخاصة ,فكيف يحتمل انه قد تيسّر لجمع من (الثقات أو العدول ) أن يروا بأعينهم المجردة ما عجز الرصد العلمي عن رؤيته!!.
فلهذين الامرين البيّنين كان سماحة السيد دام ظله متيقنا من عدم احتمال رؤية الهلال في ليلة الاثنين , وقد تأكد ذلك بما لا يقبل الجدل ليلة الثلاثاء حيث كان الجو صافياً في مناطق كثيرة في العراق ومنها النجف وكربلاء وبغداد والحلة واستهل عشرات الآلاف من الناس ولم يتمكن 99% من المستهلين ان يروا الهلال !!  وبعض من رآه استعان في ذلك بالمنظار وأما بدونه فلم يكن قادراً على رؤيته!.
فواعجباه كيف يكون الهلال ابن ليلتين ولا يراه الا نفر معدود ولا يرى الا كخيط ضعيف مثل الشعرة الواحدة ؟! بل كيف يكون الشهر السابق تاماً ولا يرى هلال هذا الشهر الا ضعيفاً في غاية الدقة ولا يتسنى لمعظم الناس رؤيته؟!!
والحاصل ان الذي منع سماحة السيد دام ظله من الاعتماد على شهادة المدّعين في ليلة الاثنين هو ما تقدم , واما من ثبت لديهم رؤية الهلال في تلك الليلة هنا وهناك فعذرهم في ذلك توفر عدد من الشهادات على رؤيته مع عدم التفاتهم الى مخالفتها للثوابت الفلكية او توهم انها محاسبات اجتهادية تعتمد الظن والحدس فلا يعتنى بها في مقابل الشهادات الحسية.
بقيت الإشارة الى أمرين: 
اولا: الملاحظ انه منذ سنوات طوال وفي الليلة الثلاثين من كل رمضان يتوفر عدد لا باس به من الشهود من اماكن متعددة يدّعون رؤية الهلال , ويتم ابلاغ المراجع بذلك فيعلنون عن ثبوت هلال العيد في تلك الليلة استنادا الى شهادات اولئك الاشخاص ,وقد نتج عن ذلك ان شهر رمضان لا يتم عند هؤلاء منذ عقود من الزمن  وهذا امر مقطوع البطلان , وليس له سبب سوى الاعتماد على دعاوى الرؤية في ليلة لا يمكن فيها رؤية الهلال فلكياً , فلا بد من وضع حد لهذه الحالة المتكررة سنويا بعدم قبول الشهادات التي تخالف الضوابط العلمية القطعية.
ثانيا: ان معظم المسلمين في هذا العام افطروا في يوم الثلاثاء  - على خلاف ما ورد في بعض الكلمات – فأن الذين اعلنوا حلول عيد الفطر في هذا اليوم هم المسلمون في دول شرق آسيا كإندونيسيا وماليزيا والفليبين وتايلند والمسلمون في شبه القارة الهندية (بنغلادش والهند وباكستان ) وسلطنة عمان ودول آسيا المركزية ( تاجيكستان وازبكستان وقزقيستان وتركمنستان ) واذربيجان وتركيا وبعض دول المغرب العربي كتونس والجزائر (11).
 خلاصة البحث
اتضح جيدا مبنى سماحة السيد المرجع الاعلى دام ظله وسنلخصه على شكل نقاط مركزة:
اولا: سماحته يشترط ان تكون الرؤية بالعين المجردة وفي بلد المكلف او البلاد القريبة المشتركة معه في الافق التي لو رُأي الهلال في احدها حتماً وجزماً يُرى في الثاني مع عدم وجود مانع ما .
ثانيا: سماحته  لا يرى قاعدة (كفاية رؤية الهلال في البلاد الشرقية لثبوته في البلاد الغربية) على إطلاقها، بل يشترط لثبوت ذلك أن يتحد البلدان في خط العرض، ولا يتعدى الفارق بينهما درجة أو درجتين فقط فلاحظ ذلك جيداً.
ثالثا: سماحته يرتضي شهادة الشهود العدول أو الثقات بشرط عدم تعارضها مع اقوال الفلكيين المجمع عليها من قبيل ولادة الهلال وغروبه بعد غروب الشمس ونحو ذلك التي لا تحتمل الخطأ نهائيا الا بنسب لا تكاد تذكر ولا يعتنى بها اصلا.
رابعا: سماحته يرتضي شهادة الشهود العدول أو الثقات بشرط عدم ابتلائها بالتعارض الحكمي الذي اوضحناه والا فلا اعتبار لها عنده دام ظله.
خاتمة البحث:
وفي الختام بودي ان أشير الى مجموعة ملاحظات مهمة الى جميع اخواني في الله سبحانه :
الملاحظة الاولى : اقول بعد التوكل على الله انه يجب على المهتمين بمسألة الهلال ولمساعدة الناس في تحديد البداية و النهاية الصحيحة للشهر إعتماداً على القواعد الشرعية ينبغي من المتصدين توضيح هذين العاملين للناس حتى يبتعدوا عن الإختلاف ويصبح عندهم طمأنينة في إثبات بداية ونهاية الشهر وهذان العاملان هما:
العامل الاول:  لما كانت عملية تعين بداية الشهر تعتمد على الاساس بمبدأ الرؤية بالعين المجردة  لذا يجب تشجيع الناس على الأستهلال ومساعدتهم في تحديد الزوايا أو الإتجاهات التي سيظهر فيها الهلال ، ويجب ايضا على اخواني المؤمنين بمعية رجال الدين والمثقفين الكرام احياء سنة الاستهلال للشهر القمري وفيه دعاء مروي باحاديث عديدة وبصيغ مختلفة ما يدل على تركيز الائمة عليهم السلام على موضوع تحري الهلال .
ويمكن الأخذ بنصائح الفلكيين في مسألة تحديد يوم الولادة وساعتها ومن ثم معرفة إمكانية الرؤية من عدمها وبعدها تحديد الإتجاهات والوقت الذي سيظهر فيه الهلال ، بعد هذا التنسيق ما بين نصائح الفلكيين و المهتمين بمشاهدة الهلال سوف تسهل عملية رؤية الهلال كثيراً .
 العامل الثاني: وهو أراء الفقهاء من ناحية المباني الفقهية التي يعتمدون عليها في حجية الرؤية في منطقة معينة للمنطقة الأخرى( كوحدة الأفق أو حجية الشرق على الغرب أو تعدد الأفاق) ، وهذه النقطة مهمة جداً ويجب على المكلف فهم مبنى مرجعه في التقليد بصورة شفافة وواضحة حتى لا يقع فريسة الخطأ والوهم ، ولكن يحتاج الناس توضيح أكثر لهذه النقطة من ناحية رأي مرجعهم في هذا الأمر ، وبعد فهم الناس لهذه النقطة بشكل وافي ودقيق عندها يصبح الأمر أكثر وضوحاً وسهلاً لأكثر الناس ، عندها لا يحدث أي إشكال أو إختلاف في مسألة تحديد بداية الشهر لأنهم سوف يطمأنون من ناحية الرؤية التي تساعدها نصائح الفلكيين وفي نفس الوقت الرأي الفقهي عندهم واضح من ناحية حجية المناطق التي شاهدوا فيها الهلال .
الملاحظة الثانية :  نتمنى كذلك في الجهة المقابلة من السادة والمشايخ الوكلاء ومكاتب المرجعيات ان يهتموا بالتثقيف بهذا الجانب وان يذكروا مستندهم لأثبات بداية الاشهر القمرية حتى يستطيع المكلف تطبيق فتوى مرجعه وهل تتطابق مع بيان مرجع من المرجعيات لكي يستطيع العمل وفق بيانه لان تحديد المصداق لا يكون جزما محصورا بمرجع التقليد بل اكثر الموضوعات الخارجية اليوم ملقاة على عاتق المكلف فهو من يحدد مصاديقها والهلال من بينها طبعا فمن الطبيعي مثلا اذا رأى المكلف الهلال بأمِ عينيه وكان من المحتمل رؤية الهلال بالعين المجردة فلكياً ولم يثبت عند مرجعه هلال العيد فما حكم المكلف الذي رأى الهلال؟ طبعا حكمه الافطار . او على الاقل يكون المكلف مطمئناً بأن المرجع الفلاني ثبت عنده العيد حسب المبنى الفقهي الفلاني وبذلك تكون الصورة واضحة وشفافة عند الجميع وتنتهي الاشكالات والاقاويل عندئذٍ.
الملاحظة الثالثة: يجب تحلي جميع المؤمنين بأخلاق آل محمدٍ عليهم السلام وضرورة التحلي بمسألة قبول الرأي الآخر فبنظري القاصر ان تعدد المرجعيات الدينية لا يضر ابدا على وحدة المؤمنين –وفقهم الله- بل بالعكس يزيد من وحدتهم كما نراه واضحا في الاعصار السابقة التي كانت خالية من التدخلات الاجنبية التي تسعى وبكل قوة الى فك هذا الارتباط الروحي بين الناس وبين مراجعهم . نعم يجب على المؤمنين ان يميزوا بين الحق وبين الباطل فوصف الامام عليه السلام دقيق جداً ( فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا على هواه ، مطيعا لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلدوه)(12).
الملاحظة الرابعة: ان شبهة ان مقلدي المرجع الفلاني قد صاموا عيدهم وارتكبوا المعصية غير صحيحة وغير واردة اطلاقاً لسبب بسيط وواضح وهو أن حرمة صوم يوم العيد إنما هي حرمة تشريعية لا ذاتية أي إن من يعلم أنه يوم عيد ويصومه بداعي كونه مأموراً به يرتكب الحرام وأمّا من لا يعلم أنه يوم عيد فلو صامه لا يكون مرتكباً للحرام واقعاً وهذا ما افتى به المرجع الاعلى دام ظله في النقطة الثانية من الاستفتاء المرقم 18 فراجع (13).
وأخيرا اقول لا بد للمؤمنين ان يتفقهوا في دينهم وان لا يركزوا بنحو مفرط على قضية الهلال كونها مسألة حالها حال المسائل الفقهية الاخرى نعم انها مهمة لأنها تحدد شهر الصيام وشهر الحج والكثير من العبادات لكن عند التفقه فيها ومعرفة مباني مرجع التقليد فيها ستذوب الكثير من الاشكاليات وتصبح المسألة عادية جدا وواضحة .
هذا ما اردنا توضيحه من مبنى سماحة المرجع الاعلى دام ظله من نواحٍ عدة واعتقد انه اصبح واضحاً وهذا ما نتمناه والا فالعذر منكم اخواني المؤمنين واعترف لكم ان القلم قد شط بنا وطال البحث وكثرت الكلمات لكن ما باليد حيلة فأرجو من القراء العذر وان لا يبخلوا علينا بملاحظاتهم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ملاحظة
 اتمنى من قراء هذا البحث المتواضع ان لا ينسى والدي المرحوم خالد عباس رحمه الله من قراءة سورة الفاتحة جزاكم الله خيرا.
وقع الفراغ منه
ليلة 27 رمضان 1437
اخوكم
احمد خالد الاسدي
الهوامش:
1- نقلا عن مواقع فلكية
4- من مقال للشيخ حيدر السندي
7- تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي ج 4 ص 160
8- المصدر السابق ج 4  ص 156
9- المصدر السابق ج 4  ص 164
10- اسئلة حول رؤية الهلال مع اجوبتها للسيد المرجع ص 48.
11- المصدر السابق ص 51
12- الاحتجاج 2 : 263 وكذلك الوسائل ج 18 ص 94

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


احمد خالد الاسدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/07/05



كتابة تعليق لموضوع : بحث حول مبنى المرجع الاعلى دام ظله حول رؤية الهلال(1)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net