الكفاءات والامتيازات في ميزان التقييم
ماجد الكعبي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
في كل زمان ومكان وعلى مر العصور والدهور تحتل الأمم والشعوب والأفراد حضورا متميزا , ومنزلة عالية , وتجذرا عميقا بما تمتلك من قيم أصيلة , وشمائل رفيعة , وانجازات عملاقة فالحضور المتميز والمتألق لكل إنسان بما يمتلك من أرصدة ثقافية وسياسية ودينية واجتماعية يعلو بها ويمتاز بمعطياتها , فبها يسمو إلى عليين , وابتعاده وتجرده عنها يظل متخثرا في مستنقع الضياع وفي مزبلة الواقع , فالمرء يقاس بما يعطي ويبدع وينجز وبما يحقق من إضافات نوعية , وفيوضات مبدعة , فكفة ميزان الارجحية والتألق تثقل بما يتكدس بها من أصول وإبداعات ومنجزات واشراقات تجسد إرادة فولاذية وشجاعة فائقة ومتفردة وتقدم متسارع .
فنرى في مجتمعنا العراقي المضطرب , وواقعنا المأزوم أكداسا متكدسة من السلبيات الموجعة , والاحباطات المؤلمة , والتردي المتزايد , وانعدام الاقيسة والقياسات الحقيقية , وضياع الموازين الدقيقة , فكم من إنسان متوقد ومعبأ بالقيم والمثل ويمتلك مزايا ومميزات مشحونة بالذكاء المشع والشموخ المتألق ولكننا نراه مهملا في زوايا النسيان , وضائعا في متاهات الألم والمرارة لأنه يشعر بأنه طاقة منورة ونيرة ومنيرة , ولكنه محارب ومحاصر من ذئاب الكلام , وكلاب الوقيعة فينحر أيامه وسنينه وأعوامه وهو يجتر علقم الصبر ويمضغ حنظل ومرارة الألم المتأتي من شعوره باختلال ميزان التقييم , فهو سجين آهاته وآلامه ويندب حظه العاثر لأنه يعيش في حضيرة من الوحوش الكاسرة التي تنهش لحمه وتلعق دمه وتدمر وجوده لأنها لا تمتلك غير هذه الأسلحة الفتاكة .
إن الأقدار الحمقاء , والصدف الرعناء , والظروف الجائرة, إحالة أصحاب الكفاءات والاقتدارات إلى شظايا والى عناصر تقمع في زوايا المجتمع والبيوت , فيا ضيعة القيم والتقييم في بلد جعلت المقياس للإنسان ليس علمه ولا خلقه ولا أخلاقه ولا دينه ولا ثقافته ولا إنسانيته , إنما جعلت المقياس هو استحواذه على موقع لا يستحقه في حزب أو تيار أو جمعية أو منظمة أو مؤسسة تمتلك سلطة التنفيذ وتنفيذ السلطة وقوة الإعلام وإعلام القوة .. فعندما ننظر بإمعان وادقان لماسي ومهازل واقعنا المعاش والشاخص نشعر بمرارة الألم والضياع , وسوء الحظ العاثر , وتلاشي القياسات الأصولية , فكم من تافه ومهمل لا يمتلك أدنى رصيد في أي ميزة من المزايا ولكنه يتبوأ اليوم إحدى مواقع الدولة المتقدمة فيصول ويجول وينهب ويسلب ..؟ وعندما يحاصر ويكبس فانه يهرب وجواز سفره من جنسيته الثانية تحت إبطه فينهزم وهو مستصحب الحقائب المليئة بالدولارات التي اختلسها من جيب الدولة المتهالك وبطرق شريرة ومكشوفة ولكنه مطمئن لأنه يعرف بان جدارا ضخما من الحماية يصونه ويحميه ويحرسه من كل عقوبة أو عقاب لان هنالك في أقبية الدولة عناصر متنفذة تضمن حمايته ورعايته والتستر عليه وهذه حقيقة معروفة ومتداولة لدى أوساط شعبنا المنهك الذي أنهكته عصابة الغدر والدمار والسرقة واللصوصية .. فلله لله أمرك وماساتك يا شعبنا الصابر ويا خزينة الدولة التي أضحت نهبا للحرامية .. وكم من لعوب متفننة بالتصيد والاصطياد لرجال في موقع المسؤولية تمارس دورا ضخما ومضخما وتسلك سلوكا شاذا وملتويا وخبيثا تحقق من خلاله رصيدا كبيرا من الدينار والدولار والسفر والأسفار وفق أساليب الأغراء والغنج والتسلل إلى رجال في درجات عليا من المسؤولية فتخدرهم وتسخرهم لتحقيق مآربها وطموحها وتكون رقما متميزا وواسطة نافذة لاقتحام أي مسؤول مهما كانت درجة وجوده في الدولة ..؟ إن هذه الظاهرة تلعب دورا مشينا في مضيعة القانون وبعثرت الأصول فحذاري حذاري من هذه التحركات المريبة التي يسلكها المتلاعبون والسماسرة والحسناوات المغريات اللواتي يستغلن جمالهن وجاذبيتهن في إشاعة الابتذال والانحطاط في أجهزة الدولة التي ينبغي بل يجب أن تظل محكومة بالقيم الأكيدة وبالحذر الشديد وباليقظة والاحتراس من كل ما هو سيء ورديء ويلحق أسوء الأضرار بسمعة وحضور النظام والالتزام .
إن الواقع المنظور يؤكد بان بعض العناصر قد امتلكت مالا تستطيع أن تمتلكه في الخيال , علما بأنها في سني الغربة والتشرد قد عاشت في ديار الغربة أحلى السنوات واستحوذت على أعلى الامتيازات وعوملت من قبل الدول التي استضافتها معاملة كريمة وقد اكتنزت الكثير الكثير من الإيرادات , وعندما عادت إلى الوطن تحت ألقاب المجاهدين والمناضلين والمعارضين والمقارعين امتلكت في الوطن مواقعا عليا في أجهزة الدولة وحصلت وما تزال تحرز امتيازات عظمى ومزايا كبرى وأصبحوا تجارا وليس ثوارا , وفي خضم طوفان الدولارات قد نسوا المبادئ التي كانوا يتبجحون بها وتنكروا لتاريخ المجاهدين معهم فقد تجاهلوهم وأهملوهم وتركوهم يلعقون مرارة الصبر والتصابر على مهازلهم التي ما أنزال الله بها من سلطان , فشهوة الحكم وبريق الدولارات صم أذانهم , وأعمى عيونهم عن الواقع المزري الذي يعيش به الآن بعض الذين تخندقوا معهم وقدموا الأكثر منهم شهداء وتضحيات وهم تنعموا ومازالوا يتنعمون بما لذ وطاب من المقتنيات والامتيازات والآخرون الذين سبقوهم في التضحيات والبذل والعطاء مازالوا يتضورون جوعا ولا يملكون دارا ولا يتقاضون راتبا ومازالوا ينتظرون الفرج من رب العالمين بعد أن نسوهم أرباب السلطة والامتيازات .
إن المجاهدين الحقيقيين المقارعين للنظام السابق , والمناضلين الاصلاء , لن يحصدوا من تاريخهم المشرق والمشرف شيئا ايجابيا ونافعا لهم ولعوائلهم الصابرة ولحد الآن يتمرغون على بساط من الجمر واليأس والفقر والألم , والأمر والأدهى أن بعض الذين عادوا إلى تربة الوطن وان كانوا في الغربة يسمون أنفسهم بأهل المبادئ والقيم فقد تغيرت مبادئهم , وتلاشت قيمهم واخذوا يلهثون وراء أطماعهم ومصالحهم وتنكروا لكل الاشراقات والالتزامات وقد تجانسوا وترابطوا مع العناصر المدانة التي بقية تنعم بعطاءات المجرم صدام حسين ..! فكل هذه العناصر الوصولية والنفعية والانتهازية والخبيثة استطاعت بقدرة قادر وبضربة ساحر أن تتسلل إلى البرلمان والى الدرجات الخاصة والى الوزارات وإنها الآن تمتاز بحضور متميز , وتمتهن الادعاءات العريضة والتمشدقات الكبيرة وتنادي بالوطنية وهي ابعد الناس عنها نصا وفصا , وشعبنا يعرف بوعيه الثاقب هذه العناصر الافاكة المخادعة , ولا تنطلي على الجماهير اليقظة كل هذه الممارسات المدانة والتسللات الشريرة , والشعب يمهل ولا يهمل , وإذا انفجر دمر والمستقبل مفتوح وكشاف , والعاقبة لأصحاب الكفاءات والمبادئ والالتزامات فهم بحق أوتاد التغيير والتثوير وصناع عناقيد الأمل والرجاء والعطاء , والموت والعار والشنار لكل الأشرار والافاكين والوصوليين على مدار الأيام والسنين والأعوام .
مدير مركز الإعلام الحر
majidalkabi@yahoo.co.uk
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
ماجد الكعبي

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat